بقلم الكوفي
ثلاثة انتفاضات ( لم يسمع بها احد ) سوى القليل
لعلنا نوفق ان نكتب عن المواقف البطولية التي سطرها ( السجناء السياسيين ) في سجن ابي غريب ( قسم الاحكام الخاصة ) ( الاقسام المغلقة ) وفي طليعتها الانتفاضات الثلاث التي ارهبت نظام الطاغية المقبور ،
اقطع جازما لو ان غير هؤلاء ( السجناء ) من قام بهذه الانتفاضات لملىء الدنيا صراخا وضجيجا وجعل من نفسه البطل الهمام والقائد المقدام ، نعم كان لهؤلاء ( السجناء السياسيين ) صولات وجولات بطولية ازعجت الطاغية المقبور واجهزته القمعية ،
حتى لا نبخس جهاد وتضحيات هذه الثلة المؤمنة وسفرها الخالد والتي قضت سنوات طوال في سجون الطاغية المقبور ( جرذ العوجة ) نتناول جانبا من تلك المواقف البطولية التي قل نظيرها في تاريخ الجهاد والتضحية خصوصا وان هذه الثلة تدرك انها تواجه اعتى طاغية وهي قابعة خلف قضبانه وفي قبضته ،
بداية نعرف القارىء العزيز عن ( قسم الاحكام الخاصة ) وهو قسم كبير جدا في سجن ابي غريب وفيه اقسام اخرى وجميع السجناء الذين في هذا القسم محكومين بقضايا سياسية او قضاية تمس امن الدولة ،
يشتمل هذا القسم على اقسام اخرى ومنها ( قسم المخابرات ) والاخر ( قسم المغلق ) اضافى الى اقسام متفرعه كلها ذات طابع امني بحت ،
( قسم المغلق ) وهو الذي يعنينا في هذا المقال ايضا يتفرع الى اقسام تسمى ( قافات ) قاف 1 قاف 2 قاف 3 وهكذا التسميات وهي اقسام مغلقة لايطلع عليها احد سوى الاجهزة القمعية للنظام البائد كما انها معزولة عن العالم الخارجي ،
ننوه بأن جميع المحكومين في ( الاقسام المغلقة ) متهمون بالانتماء الى ( حزب الدعوة ) وفق المادة 156 من قانون العقوبات العفلقي والتي تقضي بالاعدام شنقا حتى الموت او السجن المؤبد كما ان هناك على عدد اليد ممن اتهم بالعمل الى جهات اخرى اسلامية ،
جميع السجناء المشار اليهم حكم عليهم بالسجن المؤبد ومنهم من كان محكوما بالاعدام شنقا حتى الموت وخفف عليه الحكم الى السجن المؤيد وكان عددهم لايتجاوز العشرة ،
في عام ( 1986 ) وبسبب التعذيب النفسي والجسدي من قبل الاجهزة القمعية الصدامية العفلقية الدموية انطلقت الشرارة الاولى لتعلن عن الانتفاضة العارمة من وراء القضبان الحديدة وتهتف الحناجر بالموت والسقوط لاعتى طاغية عرفه التاريخ الحديث والقديم ،
في ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك كان احد السجناء الذين اصيبوا بمرض ( التدرن ) قد وافاه الاجل رحمه الله ووقتها لم تكن الحالة الوحيدة للوفاة اذ سبقتها حالات اخرى مماثلة ، بالطبع هناك تحمل وصبر من قبل السجناء ولكن وفاة هذا الاخ هي من فجرت الصرخة واعلنت عن انطلاق اول انتفاضة ،
عند الاعلان عن الوفاة ضرب القسم صمت قاتل وهدوء لم يسبق له مثيل من قبل وكأن ساعة الصفر قد حانت وعلى جميع السجناء ان يتضامنوا مع الفقيد الراحل ويعلنون عن موقفهم اما ان تعيدوه الينا حيا واما ان نذهب معه الى حيث يرقد ،
عندما جاءت الاجهزة الامنية لتأخذ جثة السجين المتوفي واثناء اخراجه من زنزانته انهملت الدموع وانفجرت الحناجر وتعالت الاصوات بالتكبير وكانت اول كلمة انطلقت من تلك الحناجر هي ( الله اكبر ) لتعلن عن الانتفاضة الاولى وسط ذهول وارباك الاجهزة الامنية التي سارعت بدورها لتطويق المكان من كل جانب ،
في تلك الليلة والتي ستبقى في الذاكرة ( اقسم بالله العلي العظيم ) كنت انظر الى الفضاء وانا اسمع الاصوات والصرخات تحولت الى دخان ابيض ولا ادرك حينها ماهو هذا المنظر المرعب وكأن الاصوات التي هزت اركان القسم بشكل خاص وسجن ابي غريب بشكل عام هي ليست صادرة من افواه البشر وانما من افواه المدافع الحقة التي اسكتت وارعبت الطاغية المقبور ونظامه القمعي ،
استمرت الهتافات لساعة او اكثر بعد ان انهزمت اجهزة الامن وغلقت باب القسم الرئيس ، بدى بعدها الاتصال من خلال الاجهزة اللاسلكية من الدائرة الامنية مع الاخوة داخل القسم حول اخر التطورات والاسباب التي دفعت السجناء لهذا الانفجار المفاجىء ، بالطبع الاجهزة الامنية المسؤولة عن هذه الاقسام شعرت بالخوف القاتل وخشيت ان تنقلب الامور عليها وهذا ما حصل فعلا بجهود العقول الجبارة التي احتوت الموقف بشكل ليس له مثيل واستطاعت ان تدير المعركة كما تريد ،
بطبيعة الحال كانت الزنزانات فيها من العقول الجبارة والتي تحركت بشكل سريع من خلال الاتصالات وتنسيق المواقف ، الجميع ادرك حينها اننا سنواجه الموت لا محال وعلينا ان ندير الامور بشكل عقلاني ونرمي بالمسؤولية على الاجهزة الامنية المسؤولة عن الاقسام وكان هذا الخيار الوحيد والورقة الوحيدة التي بيدنا ،
بالطبع مواجهة الموت ليس امرا سهلا كما ان هناك العديد من السجناء من استحضر صور اهله واحبائه وكيف سيفارقهم والى الابد ، منهم من استحضر صور اولاده وبناته واجهش بالبكاء وهو يحاكيهم من مكانه ،
قمنا في تلك الليلة والى الصباح بتنسيق المواقف وتوحيدها من خلال الاتصالات بالكتابة عن طريق كتابة الحروف بالاشارة لاننا كنا نخشى ان نتكلم بالصوت خشية ان يفتضح امرنا من قبل بعض المنافقين ،
اتفقنا حينها ان نعيد الكرة مرة اخرى لكي لايشعر رجال الامن ان موقفنا اصبح ضعيفا ولكن بطريقة تختلف عن سابقتها كما اننا اكدنا في اتصالاتنا وتنسيقنا ان نرمي الكرة في ملعب رجال الامن ونتهمهم اتهام شخصي اي ان ماجرى ليس ضد النظام وانما ضد الاجهزة الامنية التي تعاملنا بأساءة دائما ، اتفقنا ان نرفض استلام اكل المفطرين المرضى عند الصباح ومطالبة رجال الامن بأننا نريد رؤية مدير السجن حالا والا لانقبل بالاكل ،
عند الصباح جاء رجل الامن وعندما فتح باب القسم وحسب الاتفاق بيننا طالبنا بحضور مدير السجن ورفضنا استلام الاكل ، في هذه اللحظات انفجرت الحناجر مرة اخرى واعتلت الهتافات واعلن عن الانتفاضة الثانية علما ان جميع السجناء صيام ما عدى المرضى والذين اغلبهم مصابون بمرض ( التدرن ) ،
عندها هرب رجال الامن واغلق باب القسم واستمرت الهتافات لساعة او اقل بعدها هدأ الوضع من جديد وقامت الاجهزة الامنية بالاتصال من خلال الاجهزة اللاسلكية مع المسؤولين من السجناء داخل القسم ، حذرنا وقتها الاخوة المسؤولين ان يقولوا للاجهزة الامنية اننا نعلن الاضراب عن الاكل واذا ما تعرضوا لمثل هذا السؤال عليهم بالرفض وان يتكلموا باسم السجناء ما نصه ( اننا نريد ادخال الاكل ولكن ليس عن طريقكم وانما عن طريق مدير الاقسام الخاصة ) فعلا ما توقعناه حدث من قبل رجال الامن اذ انهم اتهمونا باننا مضربين عن الطعام وجائهم الرد حسب ما اتفقنا عليه على لسان الاخوة المسؤولين من السجناء ،
عند الافطار اخبرتنا دائرة الاقسام المغلقة من خلال رجال الامن نريد ان ندخل طعام الافطار لكم فهل توافقون ، قلنا لهم نعم نوافق لكن بشرط ان يدخله لنا ( الرائد طارق ) مدير الخاصة وتاخر حينها طعام الافطار حتى الساعة الحادية عشر ليلا وحضر فعلا مدير الخاصة ،
عندها كنا قد اتفقنا عندما يأتي مدير السجن نوجه اصبع الاتهام الى فرد من افراد الامن واسمه ( مفوض سامي ) ونحمله مسؤولية كل ماجرى وهو من دفعنا الى مثل هذا التصرف لانه كان يعاملنا معاملة سيئة ويحرمنا من الدواء والعرض على الاطباء مما انعكس سلبا على حياتنا حيث فقدنا الكثير من السجناء ووافاهم الاجل بسبب تصرفات هذا الشخص ،
فعلا نجحنا في ادارة الازمة وحملنا رجل الامن سبب الانفجار الذي حدث وان القضية قضية شخصية وليس فيها طابع سياسي او غيره مما دفع الرائد طارق المجرم ان يطلب من رجل الامن ( سامي ) بالخروج من القسم ووعدنا بمعاقبته ،
ادركنا حينها ان تصرف الرائد طارق ليس حبا بنا وانه اراد بتصرفه امتصاص النقمة واخفاء ما حصل على الجهات العليا لانه يدرك ان العقوبة ستتوجه اليه قبل ان تتوجه الينا باعتبار كيف لسجناء وراء القضبان يهتفون ضد النظام وهو غير موجود كما انه تفاجىء عند دخوله القسم بذلك الهدوء المنقطع النظير وان المطالب التي ذكرناها باجمعها مطالب لاتشير الى تمرد او اضراب ، حتى كلمة مطالب لم ننطقها حرفيا لانها ذات مدلول سياسي ، حيث سالنا المجرم ماهي مطالبكم قلنا له ليس لدينا مطالب وانما نحن نحتاج بعض الامور لتحسين وضعنا ، كنا حذرين جدا في استخدام الكلمات والمصطلحات وخرجنا من الازمة والحمد لله وكانت هذه الانتفاضة الاولى ،
ان شاء الله نوفق في سرد قصة الانتفاضة الثانية والتي استخدم فيها قنابل مسيلة للدموع وحدثت فيها مواجهات بين السجناء والاجهزة القمعية الصدامية وللامانة كنت انا حينها في قسم اخر وان شاء الله اوفق ان اقصها عليكم بعد جمع المعلومات الدقيقة .
بقلمالكوفي
https://telegram.me/buratha