حميد الشاكر
دلالة الوحي ....:- اقرأ .
يرى البعض من المفكرين ( وخاصة المستشرقين منهم ) والدارسين لظاهرة الوحي اللاهوتية السماوية ، ان هذه الظاهرة ما هي الا عبارة عن ظاهرة بشرية نفسية بحتة وليست لها اي اتصال وصلة واقعية بعالم ماوراء الطبيعة اوعالم الغيب الالهي وانما هي عملية نفسية متكررة تلهم الانسان المتأمل والمُفكر نوعا من الذوبان في العالم المتفكر والمتأمل فيه ، حتى وصوله الى حالة الاعتقاد الجازمة بان العالم الغيبي او عالم ماوراء المادة والواقع قد انفتح عليه بعملية وحي مباشرة لتحّمله رسالة الهامات وخلاص وانقاذ لعالمه الانساني فيصبح هذا الانسان المتأمل والمفكر بحالة شبه يقينية بهذا الاتصال اللاهوتي ويغيب عن ذهنه تماما انه الهام ووحي من ذاكرته المتأملة والمتقدة تفكيرا والمنعكسة اجتماعيا لاسيما ان هذا الانسان المتأمل يصل الى حالة من الفكر النقدي لكل الاوضاع الانسانية القائمة في عصره بحيث تنتابه حالة من الرفض والتطلع للتغيير والاصلاح الاجتماعي الجذري في مجتمعه ، الذي يعيش فيه ، ويتحرك من حوله ، ولذالك يطرح مشاريعه الاصلاحية الفكرية والتغييرية الاجتماعية بالاضافة الى تأملاته الفلسفية كدين مقدس وطاهروكبرنامج اجتماع شامل وكرؤية لاهوتية كونية نازلة من الاعلى والمطلق والكامل ؟!.
والحقيقة ان مثل هذه الرؤى ، لموضوعة الوحي اللاهوتي بصورة عامة وللوحي الاسلامي الخاتم بصورة خاصة ، وان كانت قريبةللتحليل النفسي المادي الواقعي الحديث لاغيرالا انهارؤى إن دققنافيها فكريا فسنجد انها رؤى محلقة في الخيال اكثرمنها دراسةلواقع موضوعي فيه مقدمات ويحمل في داخله نتائج لاسيما ان درسناموضوعة الوحي بكل حيثياتها التاريخية المذكورة لوحي السماء واختصرناها بوحي السماء الخاتم ، والممثل بوحي الرسالة الاسلامية على يد العظيم محمد رسول الله صلى الله عليه واله فاننا سنصل لاريب الى نتائج حتمية تطيح بكل هذا التصور النفسي المادي لظاهرة الوحي والنبوة واتصالها بماهو فوق المادة والمحيط الاجتماعي !!. إن من الطبيعي وحسب الرؤية النفسية المطروحة انفا ان تكون(عملية التأمل والتفكير) للنبي اوالرسول اوالذي يدّعي صلته بالغيب وبماوراء الطبيعة هي المعادلة التي من خلالهانتمكن من دراسة ظاهرة الوحي الرسالية السماوية باعتباران كل الوحي ماهو الا (انتاج فكري وعقلي ونفسي ) حسب هذه المعطيات التحليلية النفسية المادية التي ترى في ظاهرة الوحي انها عملية تأمل نفسية وفكرية بشرية فحسب ، وليس لما هو فوق الواقع والمادة اي دخل في صياغة ظاهرة الوحي والنبوة ، وعلى هذا الاساس كان الفكر والتأمل وماينعكس عن الواقع داخلهما هما مواد الدراسة التي تحاول فهم ظاهرة الوحي والرسالة واذا ما اراد اي محلل ان يدرك ماهية ظاهرة الوحي بطبيعة هذا المنهج ، فعليه البدء اولا بمنتوج هذا الوحي ليسأل عن اول كلمة فيه ما كانت ؟.وعن ماهية صياغتها الفكرية والتأملية والى ماذا تشير ؟.وكيف بدأت هذه الكلمة الاولى ؟.ويتخذ من هذه الخطوات الاولى مادة بحثه ودرسه النفسي ليصل من ثم الى استنتاجاته النفسية التي تؤكد له هل إن الوحي وظاهرته بالفعل كانت ظاهرة بشرية مادية انعكست على ذهن المتنبئ لاغير ؟؟.اوانها ظاهرة صحيح انها بشرية لكن جذورها تغايرفي معطياتها المادية معطيات ان تكون انعكاس للواقع المادي والاجتماعي القائم ؟.وعلى هذا الاساس كان ضروريا جدا ان ندرك اول كلمة في الوحي السماوي الاسلامي الخاتم باعتبارها مفتاح ودليل وبرهان على ظاهرة الوحي وهل كونها هي بالفعل نفسية مادية او انها غير مادية اولا ؟.وثانيا ان ندرك صياغة هذه الكلمة وماهيتها باعتبار ان الواقع المادي الاجتماعي القائم لحياة الرسول والنبي وصاحب ادعاء الوحي والالهام حتما سيعكس متطلباته على هذا الرسول ، ليكون نسخة طبق الاصل الاجتماعي القائم ، والذي يملي متطلباته وحاجاته على هذا الرسول ؟.والآن ماهي اول كلمة في وحي السماء الاسلامي الخاتم ؟.وهل هي كلمة تؤكد انها انعكاس لواقع اجتماعي مادي قائم ؟.ام انها كانت كلمة اطاحت بوحيها بمعادلة الانعكاس الحتمي بين مادية المجتمع القائمة ، وبين فكر الانسان وتأملاته النفسية لتؤكد دلالة انها وحي نزل مما فوق الواقع والمادة ؟.يتفق النقل والرواية الصحيحة تقريبا على ان (اقرأ) اول كلمة افتتح بها الوحي الالهي نزوله قبل ان يتم هذه الكلمة بايآت من سورة العلق ، بل وربما اتفق النقل الاسلامي على ذالك بين طوائف ومذاهب المسلمين جميعا !.ونعم هناك من روى ان سورة (الحمد) هي اول سورة نزلت من وحي السماء كما ان هناك من ذهب الى ان (بسم الله الرحمن الرحيم)هي اول اية نزلت من وحي السماء وكذا هناك من روى ان سورة (المدثر)هي اول سورة نزلت من وحي السماء !!.لكن كل هذه المرويات حملت على معاني لاتتضارب مع كون ((اقرأ)) هي الكلمة الاولى لفاتحة الوحي الالهي للانسان العظيم محمد رسول الله صلى الله عليه واله ،وانها ككلمة وليست كسورة او كآية هي اول مانزل ، وعلى هذا جاءت الرواية متواترة في مصادر وكتب المسلمين ومنها :اولا : مارواه الكليني (قدس) في اصول الكافي المجلد الثاني كتاب فضل القرآن الباب 13 الحديث 5 بسنده قال : (( عن ابي عبدالله -جعفر بن محمد الصادق - عليه السلام قال : اول مانزل على رسول الله صلى الله عليه واله بسم الله الرحمن الرحيم ، اقرأ باسم ربك ، واخره ، اذا جاء نصر الله )) .ثانيا : مارواه صاحب الاتقان في علوم القرآن الشيخ جلال الدين السيوطي بقوله : (( اخرج الواحدي من طريق الحسين بن واقد قال : سمعت علي بن الحسين يقول اول سورة نزلت بمكة اقرأ باسم ربك ، واخر سورة نزلت بها المؤمنون .../ النوع السابع معرفة اول مانزل / ج1/ ص 25)).ثالثا :مارواه البخاري في صحيحه بحاشية السندي ج1 في باب كيف بدء الوحي ص 6 دارصعب قال :( حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبيرعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله ص من الوحي الرؤية الصالحة في النوم ، فكان لايرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب اليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد - قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذالك ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال (( اقرأ )) قال ما انا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني فقال اقرأ قلت ما انا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما انا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم ارسلني ، فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم فرجع بها رسول الله ص يرجف فؤاده .....الخ ) .رابعا : مارواه صاحب السيرة ابن هشام بقوله : (( حدثنا وهب بن كيسان قال قال عبيد : فكان رسول الله ص يجاور بحراء ذالك الشهر من كل سنه ، يطعم من جاءه من المساكين فاذا قضى رسول الله ص جواره من شهره ذالك ، كان اول مايبدأ به اذا انصرف من جواره ، الكعبة قبل ان يدخل بيته ، فيطوف بها سبعا ، أو ماشاء الله من ذالك ثم يرجع الى بيته حتى اذا كان الشهر الذي اراد الله تعالى فيه ما اراد من كرامته من السنة التي بعثه الله تعالى فيها ، وذالك الشهر - شهر - رمضان خرج رسول الله ص الى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه اهله حتى اذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى قال رسول الله ص فجاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال آقرأ قلت ما اقرأ ؟. قال فغتني - حبس النفس - به حتى ظننت انه الموت ، ثم ارسلني فقال : اقرأ ، قال قلت : ما اقرأ ؟. قال فغتني به حتى ظننت انه الموت ، ثم ارسلني ، فقال : اقرأ ، قال : قلت ماذا اقرأ ؟.فغتني به حتى ظننت انه الموت ثم ارسلني فقال : اقرأ قال : فقلت ماذا اقرأ ؟، ما اقول ذالك الا افتداء منه ان يعود لي بمثل ماصنع بي !.فقال :((اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم / ج1/ ص 236 السيرة النبوية لابن هشام / تحقيق : مصطفى السقا ، ابراهيم الابياري ، عبد اللطيف شلبي )) .وبهذا يتضح لنا بيقين لاريب فيه ان كلمة (اقرأ ) كانت هي اول كلمة طرحت من خلال لسان محمد الرسول على اساس انها من وحي السماء وانها كلمة لم تكن من مبتكرات التأملات البشرية للعظيم محمد رسول الله صلى الله عليه واله ، وانها كلمة اللاهوت النازلة من الاعلى ، الى الاسفل البشري ، فياتُرى هل هذه الكلمة تنسجم مع ماقدمناه من تحليل نفسي مادي يرى في ظاهرة الوحي انها انعكاس مادي اجتماعي لمفكر ، ومتأمل وحالم يريد اصلاحا كونيا فاعتقد انها كلمة من السماء بينما هي كلمة فرضت من خلال انعكاس وحاجة اجتماعية فقط ؟!!.أم انه بالفعل كلمة (( اقرأ)) القرآنية هذه كسرت قاعدة الانكاس الاجتماعي الحتمي المادي للفكر البشري لتدلل هي بذاتها انها وحي من السماء ، وانها من المستحيل ان تكون انعكاسا فكريا تأمليا نفسيا لواقع اجتماعي قائم ومغاير ؟.إن العملية او النظرة التي يطرحها التفسير النفسي المادي لظاهرة الوحي اللاهوتية تقتضي ان يكون الانسان المفكر والمتأمل لوضعه الاجتماعي والكوني منشغلا ، وغارقا تماما بالعملية الفكرية والتاملية التي يمارسها بالبحث والنظر، وعلى هذا يكون الوحي او(( الايحاء النفسي )) ماهو الا عملية انعكاس طبيعية وحتمية ، لتلك العملية الفكرية والتاملية ، ومن هنا ينبغي ان تتشكل أمامنا الصورة او الملامح الاولية ، التي ينبغي ان يكون عليها مدّعي النبوة والاتصال الغيبي ، عندما يطرح برنامجه الاجتماعي الاصلاحي بالاضافة لرؤيته الفلسفية الكونية وذالك باعتبار انه ومن خلال التأمل والتفكير بهذه القضية الاجتماعية اوالفلسفية الكونيةستكون الخطوة الاولى التي يقدم عليهاالانسان المفكروالمتأمل هي الكلمة سواء كانت كلمة الحل الاجتماعية الاصلاحية التغييرية او كلمة النظرة الكونية وكيفية كينونتها الواقعية ؟.إن التاريخ يحدثنا ان اول كلمة لاهوتية قرانية اسلامية كانت هي ( اقرأ ) نزلت بصورة مباشرة على نبي أمي لايقرأ او يكتب وهذا بشهادة حتى اعداء هذه الكلمة اللاهوتية السماوية ، فهل تعتبر هذه الكلمة ومن خلال النظرة النفسية السالفة الذكر هي منتج طبيعي منعكس وحتمية تأملية وفكرية فرضتها هذه الحالة على هذا الرسول الامي باعتباره وفي حقيقة الامر انه مفكرا ومتأملا وليس نبيا ورسولا ؟!.بمعنى اخر : هل بامكاننا ان نستخلص من كلمة ( اقرأ ) القرانية ، وباعتبار انها اول كلمة ادعى انسان انها وحي اوحي اليه من السماء ، وانها خاتمة الكلمات الالهية للبشر جميعا ، هل نتمكن من فهمها على اساس انها عملية فكرية وتأملية فرضت نفسها بصورة كلمة وحي من وراء الطبيعة على انسان اعتقد ذالك نفسيا بينما الواقع غير ذالك ؟.أم ان هذه الكلمة بالذات هي التي ستكون مفتاح الدليل فكرياونفسيا على ان ماجاء به العظيم محمد رسول الله صلى الله عليه واله انه وحي من السماء ومن خارج كينونة العظيم محمد ص وانها كلمة ليس لها علاقة اصلا بتأملات بشرية ولابارتباطات اجتماعية خارجية قائمة ولا بانعكاسات فكرية آنذاك ؟.الحقيقة كان المفروض على انسان يعيش في محيط اجتماعي عربي جاهلي غارق بالخرافة والظلم والتسلط والقبلية ولايعير أيّ اهمية واقعية للعلم او للكلمة المكتوبة ، وينشغل بامور الحياة المعيشية المادية وكيفية توفيرها ، بالاضافة الى صراع هذا الانسان مع الطبيعية الصحراوية القاسية ، مضافا لذالك ان هذا الانسان محمد العظيم ص لم يمتهن العملية الفكرية بصورتها الخطابية او الكتابية ولم يسمع منه احد من مجتمعه الذي كان يعيش فيه نبرة تفلسف كوني او تمرد نقدي طيلة اربعين سنة .....الخ ، كان المفروض من مثل هذه الشخصية الانسانية ، ولملابساتها الاجتماعية ان تكون اول كلمة تتبادر الى ذهنه هي شيئ متصل بعمق صراعاته الاجتماعية والطبيعية والتي كان شديد التفكير بها لتكون البوابة لدعوته الاصلاحية الفكرية فهل ياترى كانت ( اقرأ ) تمثل اي بعد تفكيري ، او تأملي لانسان الجزيرة العربية بصورة عامة لتكون من ثم هي الضرورة التي كانت تشغل فكر الرسول الاعظم محمد ص ، ومن ثم هي الكلمة التي اعتقد نفسيا انها وحي من السماء بينما كانت هي مجرد انعكاس لحالة تأمل وتفكير انساني عميق وسياسي مادي لاغير ؟!.بالطبع لم تكن ((القراءة )) بصورة عامة في المحيط العربي هي الشغل الشاغل آنذاك لعالم الانسان العربي ، كما انها لم تكن تمثل اي بعد اجتماعي اشكالي يعاني منه الانسان العربي حتى تكون هذه العملية من المعادلات التي تشغل الفكر وتدعو للتأمل المعمق لانسان الجزيرة العربية ، مما يضطر مفكرا كمحمد مثلا ان يطرح برنامجه الاصلاحي والفلسفي بكلمة ( اقرأ ) وربما لو كانت المعادلة منسجمة مع الوضع الاجتماعي العربي بالعموم والقرشي القائم بالخصوص آنذاك وكذا الوضع النفسي لهذا الانسان لكانت مفردة ( الخبز ) او ( العدل ) او ( المساواة ) ......الخ ، هي الكلمة او الكلمات الاكثر تعبيرا عن واقع الحال الانسانية والشخصية لمحمد بن عبدالله ص ومجتمعه ولم تكن كلمة اقرأ ليطرحها المفكر محمد كمشروع سياسي او اصلاحي يحرك المجتمع لينخرط في ثورته الاصلاحية الكبرى ضد الوضع القائم ؟؟.اذاً ما هي العملية الحقيقية التي طرحت كلمة اقرأ الاصلاحية اوالفكرية القرانية التي غايرت منعكسات المجتمع العربي المادية ومتطلباته السياسية والاقتصادية والفكرية على لسان محمد بن عبدالله الطاهر الامين صلى الله عليه واله بحيث انها طرحت اللامتوقع واللامنعكس المادي الاجتماعي الحتمي (( اقرأ )) هنا ؟.وهل كانت اقرأ اصلا واردة في قاموس الاجتماع العربي القائم انذاك كله حتى تكون ضرورة ملحة على فكر محمد الرسول ص لتشغله وتدفعه للتأمل فيها ، وطرح ماينبغي من مشروع في سبيلها في اول كلمة من مشروع ؟.أم ان اقرأ هنا لم تكن مفاجأ لمحمد الرسول فحسب ، بل انها كانت مفاجئة ودليل وحي لاريب فيه للعالمين جميعا ؟.ان رسول الاسلام محمد بن عبدالله ( روحي له الفدى ) لم يكن سياسيا نفعيا ، او مفكرا صوفيا ، او متأملا غيبويا ...، وانما كان نبيا مرسلا ينقل مايوحى اليه الى مجتمعه ، من غير تفكير او تأمل او انعكاس نفسي او ان يكون له اي تدخل في الابعاد اللاهوتية المطلقة لعملية الوحي الرسالية فهذه الكلمات القرانية ليست هي انعكاس اجتماعي مباشرحتى تكون شعارا لسياسي متطلع لتحريك الجماهير واستثمار مطالبها المعيشية ليطرح كلمة ( الخبز ) كما انه لم يكن متصوفا لتكون كلمة ( تأمل ) هي البداية والنهاية بدون فكر ، كما انه ليس غيبويا ليغيب عن الواقع ويطرح التأملات الروحية فحسب ؟بمعنى اخر ، ومن زاوية مشابهة للموضوع : إن القران الكريم نفسه وعندما كان يتحدث عن حياة محمد رسول الله ص قبل الوحي يذكر ان محمدا رسول الله لم يكن يفكر او يتوقع ان شيئا كهذا كان ينبغي ان يقع له إي ان يصبح رسولا على مستوى الايحاء والرسالة ودعوة العالم الانساني لرسالته الخاتمة ، فقال سبحانه لافتا النظر الى هذه النقطة بالقول : ( ما كنت ترجو ان يلقى اليك الكتاب ، الا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين / القصص : 86 / قران كريم ) !!.وكذا ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولاتخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون / 48 : العنكبوت / قران كريم ) !.وكذا (وكذالك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلنه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم / 52 : الشورى / قران كريم ) !!.ومعلوم ان المناهضين لرسالة الاسلام الخاتمة من قادة المجتمع العربي القرشي الجاهلي الكافر وغير القرشي كانوا يدركون ان محمدا رسول الله ولفترة طويلة من حياته لم يكن يطرح اي نوع من التفكير النقدي او التأملات النفسية المتصلة بعمليات الاصلاح ، او التنظير المرتبط والمتصل بشؤون المجتمع القائمة او غيرها من الالوان الفكرية او النفسية ليكون فكره انعكاسا لما هو قائم ولذالك هم مع ماذكره القران من ان حياة محمد لم تكن توحي باي تحرك ملفت للنظر فكريا او تأمليا او اجتماعيا ينطلق من معادلة التخطيط للمستقبل هذا ؟!.وعليه كانت مقولة ان ظاهرة الوحي ماهي الا عملية فكرية تأملية نفسية لمحمد الرسول لاتنطبق تماما على النموذج الرسالي الاسلامي ، باعتبار ان النموذج ( اقرأ ) قد نسف كل التوقعات التي تقول ان ظاهرة الوحي ينبغي ان تكون عملية فكر وتأمل نفسية مما يدلل على ان الكلمة القرانية ( اقرأ ) هنا اثبتت وبدون اي لبس اعجازية ودلالة الوحي الالهي باعتباره اتى مخالفا لكل المتوقع العقلي والتاملي الانساني ، الذي كان من المفروض ان يأتي كمنعكس الا انه لم يأتي باعتبار ان المطروح نازلا من فوق الواقع المادي الاجتماعي وليس من داخله ومن تحت قدميه !.ان ( اقرأ ) القرانية وحسب ماتوحية عملية النقل التاريخي كانت عملية مربكة لكل الكيان النبوي الرسالي المحمدي ص وهذا واقع ذكرته كل السير والنقول الموثقة تاريخيا ، وبخلاف مجموعة صغيرة من المفكرين والعلماء والذين حاولوا الاشكال على هذه الصورةالتاريخية لحدث بداية الوحي اللاهوتي (سنناقش هذا الراي فيما بعد مع الطباطبائي قدس) فان الثابت التاريخي ان عملية الوحي كانت ( مفاجئة ) ، لكيانية الرسول المعظم ص ، مما توحي هذه ( الفجئة = فجأني ) للرسول الاعظم محمد بن عبدالله ص ، باللامتوقع العقلي والفكري والنفسي بالنسبة له شخصيا لحركة الوحي السماوية بكلمة ( اقرأ ) ؟. ان من الطبيعي ان يفاجأ الانسان الامي عندما يطرح عليه وحّيا يأمره بالقراءة ، فمفهوم (ما اقرأ ، او : ما انا بقارئ وتكرره بمقابل اقرأ اللاهوتية ) الذي تحدثنا به السيرة واسباب النزول القرانية ، كان هو التعبير البشري الطبيعي والمتوقع من انسان لايقرا ولايكتب ،ولكن هذه الواقعية كانت تفرض نفسيا وفكريا وتأمليا وحسب التوقعات العلمية لعلم النفس المادي ان لاتكون اول كلمة من الوحي اللاهوتي الاسلامي القراني هي ( اقرأ ) باعتبار ان علم النفس وحسب معطيات الحياة النفسية والفكرية والتاملية لمحمد النبي تفرض عليه ان يعلن كلمة هو متمكن منها فكريا وعقليا ونفسيا وليس العكس ؟إلا ان اللامتوقع هو الذي كان اعلانا للرسالة السماوية الاخيرة انها الكلمة ( اقرأ ) التي لم يكن يفكر فيها مطلقا محمدٌ رسول الله بل وكانت هي النقطة التي يفتقدها كسبيا الرسول الاعظم ص ، فهو كان رجلا اميا لايقرأ او يكتب ، فهل من المعقول ان يطرح عقل محمد وتفكيره وتامله هذه الاشكالية اللامتوقعه على كيانه الأمي ليثيرالشك في دعوته الاصلاحية امام خصومه لو كان مفكرا سياسيا فحسب ؟.ثم وبمعنى ادق هل يتمكن العقل اللاواعي للرسول الاعظم محمدبن عبدالله ص ان يطرح متناقضا عقليا وفكريا بنفس اللحظة التي يكون فيها لاواعيا وواعيا لطرحه مشروع ( اقرأ ) القرانية ؟؟.
الحقيقة انه وبمعادلة بشرية ، وبكل الابعاد النفسية والفكرية والتأملية لايمكن لاي انسان ان يطرح النقيض لوجوده الانساني فمن المستحيل نفسيا انسانيا ، ان يطرح العقل الباطن الانساني ( اللاواعي ) هذه التناقضية الغريبة العجيبة ، من انسان يريد ان يقيم مشروعا اصلاحيا اجتماعيا ، يفترض فيه الوعي والادراك التام لمشاكل الاجتماع الانساني القائم ، ثم وبنفس اللحظة يطرح لاوعيا وتناقضا بنفس الوقت ؟؟.اي انه لو كانت النسبة الفكرية الواعية (على اساس ان ماطرح قرانيا ليس وحيّا وانما فكرا وتأملا بشريا فحسب ) قائمة في الطرح الاسلامي ولو بنسبة قليلة لتدفع مقولة الوحي لكان كل الطرح الفكري من كلمات بشرية واردا الا طرحا واحدا يتجنبه العقل الانساني تلقائيا وبدون اي ايعاز عقلي ، او فكري الا وهو الايعاز النفسي الكامن في العقل اللاواعي ، وهذا يفترض ان الانسان مثلا الامي والذي لايمتهن القراءة والكتابة وباعتبار انها عملية كمنت وترسخت في اللاوعي الانساني فمن المستحيل ان تطرح ماينقض هذا الراسخ في العقل اللاواعي ، ومن ثم من الصعب القول ان ( اقرأ) كانت نتاج فكر وتأمل طويل لمحمد الرسول ، ولكن الطبيعي النفسي البشري ان يقال : تجنب العقل لكل ماهو غير وارد ومعدوم الكسب للانسان ان يطرحه العقل ككلمة مشروع وبداية نهضة ؟ومن هنا وتدعيما لهذا الموقف الرسالي ، الذي يقول ان ليس لمحمد الرسول ص اي تدخل في صياغة الوحي وطرحه جاءت عملية اخرى قرانيا لتؤكد من هذه الحقيقة (( حقيقة ان الطرح القراني طرح وحي وليس هو نتاج تأمل وفكر انساني )) التي لالبس فيها وهي عملية ( الشك ) ، والتي يطرحها النص القراني لمحمد الرسول نفسيا ( اقرأ باسم ربك ... اقرأ وربك الاكرم = تأكيد كما يذهب بعض المفسرين ...) او ( فان كنت في شك مما انزلنا اليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ؟./ 94 : يونس / قران كريم) وهذا الشك او التساؤل الرسالي هو الاخر دلالة ومؤشر على مصداقية ان يكون الوحي من خارج الكيانية النفسية والفكرية للرسول المعّظم محمد بن عبداللة صلى الله عليه واله ، وهو وحي من الخارج ، وليس من الداخل الانساني وإلاّ فالانسان لايمكنه ان يطرح طرحا من عمق فكره وتأمله وانسجامه النفسي ثم وبعد ذالك هو يشك في طرحه هل هو واقع وحق ام وهم وخيال ليقول (( فان كنت في شك ..)) فالسؤال هنا دليل على هبوط الوحي من خارج الفكر المحمدي وليس من داخله فافهم ؟اضف الى ذالك ان الطروحات الفكرية وخاصة الاصلاحية الاجتماعية يجب عليها ان تكون مطروحة بطرح (الحتمية ) والتاكيد على الجماهير كي لاتثير اي شكوك حول صحتها ، او تثير او تخلخل مبادئ صحتها لتضعف التفاف الجماهير حولها ، اما ان تطرح فكرا وتأملا اجتماعيا ثم تطرح حول نفس هذا الفكر تساؤلا وشكا فهذا قتل نهائي لكل الطرح اذا كان طرحا سياسيا او حزبيا او بشريا اما والحال انه وحي وليس فكرا ، فالقران يطرح الصورة النفسية للرسول كما هي وليس كما ينبغي ان تكون فكريا وسياسيا وتأمليا لمحمد العظيم ، فيقول :( فان كنت في شك مما انزلنا اليك ...الخ ؟ ،. فيجيب محمد ص : لا اشك ولا اسأل ؟؟.ومن خلال هذا المعطيات المقدمة تكون (اقرأ) قد قامت بوظيفتها الرسالية لتعلن هي بنفسها انها كلمة وحي سماوية بالاضافة لتدعيمها موقف الرسالة الخاتمة ، فهي كلمة وحي لكونها جاءت باللامتوقع العقلي والفكري والنفسي للانسان المادي ، وهي دلالة لما اثارته من شك هو طبيعي من جهة ودلالي من جهة اخرى ، وهي كلمة خلق لكونها استطاعت ان تخلق وعيا وفكرا وتأملا وروحا انسانية ، ولم تكن هي وليدة فكر او تأمل او غيبوبة نفسية !!._____________________________
alshakerr@yahoo.comhttp://www.blogger.com/profile/06210792549531027877
https://telegram.me/buratha