المقالات

أوجه الشبه بين الكرد الفيلية والهنود الحمر

1758 18:48:00 2011-01-16

زهراء محمد

قبل اكثر من عشرين سنة كنت ادرس الطب البديل في Homeopathy School في بريطانيا.

في خلال ايام دراستى في السنة الاولى كان معي في الصف الدراسي وبطبيعة الحال طالبات من مختلف البلدان والاعراق.. بعدها بأشهر جرت العادة، وخلال فترات الاستراحة، كنا إما نقضي الوقت في غرفة جانبية مخصصة للطلاب كنت أطلق عليها إسم (صومعة)، كنا نجلس فيها ونتبادل الاحاديث بمخلتف تشعباته، واحدة تحكي عن أهلها، وأخرى عن عادات مجتمعها، وثالثة عن دراستها وهكذا.. وبطبيعة الحال كان تاريخ واحداث بقاع المعمورة لكل منا يشغل حيزاً كبيراً من أطراف الاحاديث تلكم.

كانت من بين الطالبات، طالبة يمنية تنظر اليّ دوما نظرات مليئة بالحقد والكراهية، لكوني دوما كنت اتكلم عن ظروف بلدي المأساوية وقساوة النظام، كانت تتصدى دوما للدفاع عن صدام وتتهمني بالمبالغة، كان الحديث بيننا دوما محتدما، اعمتها عنصريتها وعصبيتها.اليمنية هذه والعلم عند الله لم تأتي لغرض تحصيل العلم بحد ذاته، وانما وكأن مهمتها كانت فقط للترصد ومراقبة الطلبة العرب، وهي بعد أشهر قليلة إختفت من الكلية ولم يعد لها أثر.

ولعلاقة مواد الكورس بحياة الانسان وتفاعله مع بيئته وتأثيراتها على حياة وصحة الفرد اليومية، طلبت يوما منّا الاستاذة ان يكتب كل طالب قطعة انسانية اثرت على حياته، بهدف ان تربط ذلك بعلاجات الطب البديل.. بطبيعة الحال ليس هناك اصدق وأعمق تأثيراً ان اتناول ما مررت به من تجربة مأساوية في بلدي العراق على يد حاكم دموي طائفي بكل معنى الكلمة.. كانت تجربة تبكي الصغير قبل الكبير.. وعندما بدأت بكتابة ذكرياتي المؤلمة تلك لم استطع ان اتمالك نفسي ودموعي تتصبب، واستاذتي ترمقني بنظرات حيرى!! .. فهي لا تعرف بعد سبب بكائي.. كنت ابكي بشدة وكأنها بسؤالها ذاك افاقتني من عالم وهمي كنت فيه لسنين خلت أو ذاكرة حاولت جاهدة ان اكبحها.. واذا بيد تعطيني بضعة من اوراق المناشف..وبعد انتهاءنا من الكتابة جمعت الاستاذة الاوراق كلها فجلست على منضدتها امامنا وهي تتصفح الاوراق، رأيتها تتوقف عند احداهن وهي تكابر نفسها، وبين الحين والاخر تمسح دمعة تنسال من عينيها.. وبقيت فترة صامتة واخيرا قالت سوف اعطيكم استراحة قصيرة ثم نعاود المحاضرة.

لم اقوى على مغادرة غرفة الدراسة، ورحت اتأمل التلة التي يكسوها الثلج في حديقة الكلية وانظر الى تلك الشجرة في وسط البحيرة، اغصان باسقة الى الاعلى وكأنها رافعة يديها للسماء في دعاء سرمدي.. هذه الشجرة كانت كالصديقة لي في غربتي وهي في شكلها وفروعها كانها تبتهل لعظمة الخالق.. لطالما كنت اراقب من تلك النافذة اسراب الطيور وهي تمر مهاجرة بارادتها الى البعيد وضجيجها الحزين يذكرّني بنفسي وكيف هُجرت انا بظلم وقسراً، وبعدها بأشهر ارقب عودتها من هجرتها، وهي تمر محلّقة فوقنا في فسحة السماء الشاسعة، انت تشعر بها وهي مبتهجة بعودتها الى موطنها، والفرق بيني وبينهم واضح وكبير..الشيء العجيب انها ترجع الى عين اعشاشها التي خلفّتها ورائها والتي تبقى خالية حتى رجوعها اليها من دون ان تحتلها كائنات اخرى!!

انقضت فترة الاستراحة، رجع كل منّا الى مكانه، نظرت الاستاذة في وجوهنا، حاولت ان ألتهي بصري عن نظراتها اليّ.. تبسمت هي بحنو وتشجيع، وقالت من منكم يبدء بقراءة قطعته وهي تجول بنظرها بين الحضور.. تطوعت صديقة لي فقرأت احداث مرّت في حياتها هي تعتبرها قاسية ومأساوية.. بعدها رأيت نظرات مدرستي نحوي وهذه المرة وبصوت عال قالت نتمنى من زهراء ان تذكر لنا تجربتها وهي تتجه نحوي.. اعطتني الورقة وربتت على كتفي وقالت هيا يا زهراء عليك ان تكوني شجاعة ولا تبالي حين رأت الحزن الواضح في عيناي .. حاولت جاهدة ان اتملص منها، وهي تلح عليّ.

امام اصرارها، نهضت وقلت لها بامكانك ان تحتفظي بالورقة فان مأساتي ليست في تلك الورقة وحسب، فهي مجرد مفتاح لباب ذاكرة خلفها أطنان من ذكريات ولواعج مطبوعة في ذاكرتي ومعجونة في قلبي فرأيت دموعها تنسال قبلي .. ورحت اسرد لهم ما حل بنّا نحن العراقيين على يد مجرم دكتاتور وما جرى علينا الكرد الفيلية بالخصوص .. خّيم الصمت على الحاضرين.

غالبت نفسي، وختمت كلماتي وانا اذكر لهم اسماء إخوتي حيث طلبت المدرسة ذلك (لعلها حاولت ان تكسر بذلك حدّة انفعالي) .. ذكرت اسمائهم وحين اتيت على ذكر اخي الصغير زهير لم اعد اقوى على الاستمرار فهرعت راجعة الى مكاني.. ولم انتبه الّا اياديهم تربت على كتفي ويحضنوني ويواسونني بكلمات حنينة.

احدى الطالبات، اصلها من الهنود الحمر في امريكا (من مناطق اريزونا الامريكية.. حيث اجدادها من المحاربين ضد البيض) حضنتني وهي تجهش بالبكاء.

وقالت همّكي يشبه هّمي..فقلت لها: لماذا خلقكم الله؟؟

فاجابت: لنُقتل!!

وسألتني بدورها: انتم؟ ولماذا خُلقتم؟؟

فقلت لها ليُولد صدام!!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
حسين .العراق
2012-12-16
ايتها الاخت العزيزة زهراء محمد ان المأساة التي عشتيها هي ماساة كل العراقيين الشرفاء لاننا ننتمي لهذا الوطن العزيز وما فعل صدام باخوتكي وذلك بسبب حبهم للوطن ووطنيتهم العراقية ولا تحزني عليهم وذلك لانني كنت في هذه الايام حزينا وهي ايام حزن في محرم وصفر وهو استشهاد ابي عبدالله الحسين وسبي اهل بيته وذات يوم قرات عنوان مقال عن الامام الحسين عليه السلام (قتلونا بقتلهم الحسين وقتلناهم بحب الحسين ) وما فعل صدام المجرم بالعوائل العراقية الشريفة اصبح اسيرها واكثر وانه اعدم بيد ابناء العراق
محمود الربيعي
2011-01-18
الاخت الدكتورة زهرات محمد المحترمة بعد السلام عليكم بكيت معكم أيضاً كما نبكي دائماً لكل حالة إنسانية نبكي على الحسين وعلى اصحاب الحسين عليه وعليهم السلام.. نحن نتذكر المصائب التي وقعت لزينب عليها السلام ونتأسى بها اعظم الله لك الاجر قولكم في الجنة وقتلاهم في النار حسبنا الله ونعم الوكيل
العراقي الاحمر
2011-01-17
ياسيدتي زهراء ان مجرد اسمكي مابين المواضيع والجمل هوه مصيبه تفتح لنا ذكريات التاريخ التي لا تتوانا عن ضلم من سميتي على اسمها وذكرياتي شدتني لكي تقف دمعتي صاغره في جروف عيني وتنهل لا من اجل مضلوميت الفيلين في ال لا نظام السابق بل لمضلوميتكم الحاليه علما انا عربي هاشمي من اب وام ولا انتمي للفيلين بشئ ولكن الحق يقال
سمير البحراني
2011-01-17
أيتها الزهراء المحمدية أعذريني؛ كيف يمكن لهذه العقود الثلاثة من السنين أن تمضي وهذه الجراح تتعمق وتزداد ألماً في حياتك. لايمكن لك أن تتجاوزي تلك الاحداث لإنها لازالت صالحة لإنتاج الألم ولم تنتهي صلاحيتها، وكيف يمكن تجاوزها !!!!! هل عاد أخوك زهير أم أخي صلاح ؟؟ أسأل الله أن يمن عليك وعلينا بالصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعـــــون
علي
2011-01-17
نعلة اللة على صدام واهلة وكل من ساعدة ودعمة وصفق لة وسكت عن اعما لة واشترى ونهب بيوت المهجرين وكان يعرف من البداية يعرف انها بيوت خصب . فنحن شردنا وتوزعنا بين الدول ومنا من اصبح تحت التراب في احدى المقابر الجماعية المجهولة بالتجارب الكيمياوية نحن نحتاج الى اعادة كتابة التاريخ كي لا يسالنا مستقبلا اولادنا عن ماحدث وليس من المكن لنا ان نقول لهم نحن كنا لا نعرف او لم نسمع او اخذنا الصمت ,لان كنا نتوقع ان الجلاد سوف لا يسلط بطشة علينا فالرحمة الى شهداء العراق المنسين في المقابر الجماعية المجهولة
أحمد الناجي
2011-01-17
السلام عليكم سيدتي كلماتك تؤثر لأنها ناجمة عن معاناة حقيقية ومن القلب لذلك تدخل القلب من غير إذن سيدتي ولازال الكرد الفيلية لم يحصلو على شيئ من حقوقهم ولازال الكثير منهم متستر بلقب عربي في جنسيته خوفا من المجهول مع حبي واحترامي وتقديري للإخوة العرب لأن الكثير منهم ساعد الكرد للحصول على ألقاب عربية في زمن الظالم لكي يتخلصوا من التسفير دون أموالهم وعقاراتهم . لذاأسال هل يأتي يوما يكون الكرد الفيلية في أمان ؟ أم يبقون مثل الهنود الحمر مواطنين درجة ثانية ؟ شكرا لكم أخوكم أحمد الناجي
عراقي
2011-01-17
السلام عليكم حبا بالله يا سمية مظلومة الاسلام الاولى لما رأفتي بنا فوالله الذي لا اله الا هو ما قرأت لك مقالة الا وانهيتها بالبكاء ان استطعت ان انهيها وانا الذي قررت الاقلاع عن البكاء لغير العترة بعد ان جفت عيوني منذ سنين انا لله وانا اليه راجعون ولاحول ولاقوة الا بالله
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك