سمير عبد الله
كان من المفترض أن تكون تلك المقالة رسالة موجهة مني ككاتب عراقي إلى رئاستي الجمهورية ومجلس النواب العراقيين بشأن عدد من القضايا الوطنية المهمة التي بدأ مجلس النواب العراقي يتحدث عنها بصوت عال وتتجاذبها القوى السياسية الرئيسة التي تشكلت الحكومة منها وبشأن النهج المعتمد من قبل بعض المتنفذين بالسلطة إزاء أهمية الموقع ودوره واستثماره وطنياً وشخصياً لكنني وجدت أن مخاطبة العراقيين وتوضيح الصورة أمامهم أفضل من أن أكتب للرئيس أو لرئيس مجلس النواب فيتحول الصوت إلى مناحة شخصية والدعوة إلى التغيير إلى مطلب دونه مطالب الساعين إلى الهيجاء بدون سلاح.الحقيقة التي يجب أن نقولها ببساطة هي أن بعض النافذين بالسلطة المؤتمنين دستورياً لا يعملون وهم يتحركون في دائرة الخدمة الوطنية العامة بمنطق الإيمان بهذه الأمانة إنما يخضعون العمل الوطني للمزاج الشخصي والسياسي والفئوي كما إخضاع مستويات المسؤولية الأخرى لسلطة الحزب أو لسلطة الموقع الذي يشرفون عليه.هذا الأمر مرر للأسف الشديد بليل على امتداد السنوات الخمس الماضية من وجود هؤلاء النافذين في السلطة السياسية العراقية وجولة سريعة في مواقع الخدمة العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والوظيفية الأخرى تؤكد أن أتباع هؤلاء النافذين وصلوا إلى قمة المسؤولية ويتربعون على أهم مواقع الخدمة وتلك فلسفة في التفضيل لا وجود لها دستورياً ولا حتى في الاعتبارات القيمية والفكرية والسياسية التي قام عليها النظام الوطني الجديد ورسخ قواعده الوطنية على ضوءها.هؤلاء النافذون اشتغلوا على تكريس حزبهم فتحول الحزب إلى حزب السلطة ولا أحد يرد له أمراً أو يقف ضد قرار مثلما عملوا على ترسيخ وجودهم في المؤسسات والمفاصل المهمة فيما يعرف بالهيئات الرقابية في الدولة العراقية كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ويريدون الهيمنة على بعض مفاصل البنك المركزي العراقي من خلال محاولات مستمرة للاقتراض مع أن البنك المركزي العراقي مؤسسة مالية واقتصادية مستقلة شرعت بقرار ومرتبطة بمجلس النواب العراقي هذا ما تقوله المادة (103) من دستور جمهورية العراق حيث ورد في (ثانياً) يكون البنك المركزي العراقي مسؤولا أمام مجلس النواب ويرتبط ديوان الرقابة المالية وهيئة الاعلام والاتصالات بمجلس النواب.لابد أن يعرف العراقيون أن الهيئات والمؤسسات المهمة التي أسس لها الدستور العراقي مهمة ودوراً وضع رئيس الوزراء والنافذون في ائتلاف دولة القانون يده على أغلبها من خلال وجود مسؤولين ورئاسات بالوكالة كي تبقى الكلمة العليا لهم فما دام الرئيس أو المسؤول على هذه الهيئات بالوكالة يعني استمرار تصرف المسؤول النافذ التابع لائتلاف القانون وأن يبقى الرئيس الأول هو رئيس الوزراء على هذه الهيئة والموجود بالوكالة يغطي الخطأ الحاصل في وجود النافذين إن حصل ويكشف أخطاء الآخرين الذين يمثلون في العادة خصوم النافذين في ائتلاف القانون وللأسف الشديد فإن مجلس النواب السابق أدار ظهره عن هذه الظاهرة المشينة وتركها سائبة ولم يؤكد وجوده في هذه الهيئات الرقابية المرتبطة به ما جعل رئيس الوزراء يحل محل الجهة التشريعية الرقابية ويستخدم هذه المسألة ضد المجلس النيابي والقوى السياسية الوطنية التي تسير عمل المجلس ويؤكد بأن القوى الوطنية ومجلس النواب وبغية اسقاط حكومة المالكي أو إرباك عملها ترك هذه المؤسسات والهيئات بلا مسؤول وبغية تمشية أحوال الدولة ولكي لا تبقى المصالح الوطنية العليا قام رئيس الوزراء بملئ هذه الفراغات عبر تعيين رؤساء لهذه الهيئات الوطنية بالوكالة مع أن الحقيقة ليست كذلك.دستورياً كل الهيئات الوطنية من هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية مرتبطة بمجلس النواب وليست مرتبطة بمجلس الوزراء ولا يملك مجلس الوزراء أية صلاحية يتصرف بموجبها تعييناً وتثبيتاً وتدخلاً بهذه الهيئات ولأنها كذلك امتدت يد المتنفذين إليها وتم تجيير الكثير من أعمالها لصالح المتنفذين مع أن عملها الحقيقي هو الرقابة الواقعية والحقيقية على الإدارة التنفيذية للدولة ومكافحة الفساد ولو كانت تحررت هذه الهيئات من قبضة رئيس الوزراء ورجال في ائتلاف دولة القانون لكانت أدت مهمتها على أكمل وجه ولم تتحول إلى أداة حمت في غالب الأحيان الفاسدين من المجموعات السياسية والمالية وأسقطت الكثير من الشرفاء.على سبيل المثال وضع رئيس الوزراء يده على القضاء ومارس دوره في تمييع إرادته القانونية إزاء قضايا كان بإمكان القاضي الأول فيها الدكتور مدحت المحمود الكشف عنها وإماطة اللثام عن الجرائم المرتبكة بحق الشعب العراقي لكن المحمود لم يفعل ذلك لأن الرجل كان قاضيا في عهد النظام السابق وحكم بموجب وظيفته القضائية أحكاما بالإعدام وأصدر قرارات موازية بالسجن لعدد كبير من الدعاة والشيوعيين والقوميين والكشف عن ملف واحد حاليا كفيل بإطاحة رئيس القضاء الأول فكيف يمكن أن نرى قضاءً مستقلاً ورئيس القضاء عبارة عن ملف يخرجه متى يشاء بوجه الرئيس إذا ما تحرك القضاء العراقي لصالح قضايا وطنية ضد قضايا فساد مرتبطة بسلطة النافذين بالدولة العراقية.. هذا الأمر يسري وتلك القاعدة تمشي على بقية الهيئات والمؤسسات المرتبطة بمجلس النواب والهيئات المستقلة الأخرى.نقرأ في الفصل الرابع من دستور جمهورية العراق تحت عنوان الهيئات المستقلة المادة (102) (تعد المفوضية العليا لحقوق الإنسان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة النزاهة هيئات مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب وتنظم أعمالها بقانون) هنا نسأل هل النزاهة بيد مجلس النواب أم أن القاضي رحيم العكيلي يتصرف بموجب قرارات تأتي جاهزة من سلطة النافذين؟.إن مجلس النواب هو الجهة التشريعية الوطنية القادرة على تسيير شؤون الهيئات الرقابية وتنظيم عملها وإبعادها عن سلطة المتنفذين بالدولة وفي اليوم الذي يبعد فيه مجلس النواب يد النافذين وسلطتهم عن البنك المركزي الذي شرع بقانون مستقل ويعتبر ضمانة للاستقرار الاقتصادي العراقي والمفوضية المستقلة للانتخابات وشبكة الاعلام العراقي وديوان الرقابة المالية وهيئة الاعلام والاتصالات فإن العراق الحر السيد المستقل سيبدأ من جديد يحث خطاه نحو القوة والفاعلية والمستقبل وبخلاف ذلك سيبقى البلد رهين سلطة المتنفذين باسم الديمقراطية والحرية والشفافية الوطنية.
https://telegram.me/buratha