احمد عبد الرحمن
ان يتوجه خمسة عشر مليون شخص الى مدينة كربلاء المقدسة من مختلف مناطق العراق، ومن خارجه لاحياء ذكرى اربعينية الامام الحسين عليه السلام ، فذلك حدث غير عادي وفق الحسابات المادية، وتزداد خصوصية وميزة الحدث، حينما يقطع عدد كبير من الزائرين عشرات ومئات الكيلومترات سيرا على الاقدام في ظل ظروف مناخية صعبة جدا، وتزداد خصوصية واستثنائية الحدث، حينما نجد اعداد غير قليلة من الاطفال الصغار والشيوخ الكبار يسيرون على الاقدام صوب كربلاء التضحية والفداء وسط الحشود المليونية المتدفقة بكل حماس وشجاعة واصرار وتحدي وارادة لاتقهر، وتزداد خصوصية الحدث وتميزه حينما نجد ان العمليات الارهابية الجبانة ، بدلا من ان تثني وترهب وترعب الزائرين، وتدفعهم الى التراجع، فأنها تزيدهم شجاعة وصمودا واقداما لانظير له. وتزداد خصوصية الحدث وتميزه حينما نجد المسيحي والصابئ والايزيدي الى جانب المسلم يتوجهون صوب ابي الاحرار عليه السلام، والسني الى جانب الشيعي، والكردي والتركماني والشبكي والعربي معا، والعراقي وغير العراقي من جنسيات مختلفة من قارات العالم الخمس.قد يعجز من يبحث عن تفسيرات ذات طبيعة مادية عن العثور على دوافع ومبررات مقنعة تدفع هذه الملايين الى القيام بمثل هذه التظاهرة العالمية الفريدة من نوعها، ولكن من يعرف ويدرك ويفهم حقيقة وجوهر وماهية الثورة الحسينية، ودلالات التضحيات الجسام التي قدمها الامام الحسين عليه السلام واهل بيته واصحابه في واقعة الطف وما تبع تلك التضحيات من اثار ونتائج انعكست على الانسانية جمعاء لا على المسلمين فحسب، من يعرف ويدرك ويفهم حقيقة ذلك يمكن له ان يستوعب طبيعة وعمق المعاني والدلالات وراء المسيرة المليونية الراجلة من كل صوب وحدب نحو كربلاء الشهادة، ويستوعب حقيقة تزايد اعداد المشاركين فيها في كل عام، ويستوعب حقيقة فشل مختلف الانظمة الاستبدادية على امتداد اربعة عشر قرنا من الزمن في ايقاف ومنع الزحف الحسيني الهادر نحو ارض الطفوف. ويستوعب حقيقة ترسخ الشعارات الحسينية في النفوس والقلوب حتى باتت تسري في دماء كل الاحرار في مختلف بقاع العالم من اقصاه الى اقصاه.وهذا هو سر انتصار الثورة الحسينية وديمومتها.. انه انتصار الدم على السيف .. وانتصار الحق على الباطل.. وانتصار الايمان على الكفر.. وانتصار الحرية على العبودية.
https://telegram.me/buratha