محمد الزيادي
بعد أن تم إخماد الانتفاضة الشعبانية في عام 1991 وتم السيطرة على 14 محافظة منتفضة ، عن طريق زرع الأرض مقابر جماعية وحجب السماء بالدخان المتصاعد من القصف الكثيف والعشوائي وملئ السجون بالأطفال والنساء ..في تلك الفترة كنت متابعا جيدا للأخبار الراديوية آنذاك ..ما ثار إعجابي كان الصمت العربي الأخرق متوافقا تماما مع الصمت العالمي حيث ضمير الإنسانية غاب لأسباب لايعلمها إلا الله والراسخون بالعلم وبعض الحكام "الخونة" ..وما أتذكره كيف أني شاهدت بأم عيني المروحيات العسكرية العراقية تقصف البيوت الآمنة تحت حماية الطائرات المتحالفة لتحرير "الكويت" !!! . والكل يعلم عن الصفقات التي أبرمت آنذاك من اجل بقاء صدام بسدة الحكم ..ما يهمني انه اذكر أن صدام تذرع إن الحكم من بعدي سيكون حكم إسلامي وهذا نذير شؤم لحكام المنطقة العربية مما منح الذريعة الكاملة للحكام العرب وللعالم الغربي بالوقوف مع "الجلاد" خوفا من انتشار هذه الظاهر كالنار بالهشيم بالمنطقة لذا كممت الأفواه وجرى تعتيم تام على الأهداف والأسباب لهذه الانتفاضة العارمة ، بل على العكس عملوا على تشويها بكل ما أوتوا من إمكانيات "شيطانية " ... لكن لم يكن احد منهم يعلم أن الشعوب لاتموت وسوف يأتي يوما يظهر الحق ناصعا كالبياض ، وتجسدت هذه الصورة جليا ليس بعد سقوط "صنم بغداد" حيث كان لايزال التشويه والتشويش على الفكر العربي مستمر بالرغم من النتائج الكبيرة التي حققها العراقيين من حرية التعبير ..وحرية ممارسة الطقوس وحرية اختيار قادتهم ..والكثير الكثير من الانجازات التي لم يخفها "غربال عربي اخرق" لأنها ببساطة كانت واضحة جلية كرابعة النهار ...لكن قد اتضحت الصورة الكاملة للانتفاضة الشعبانية بعد انتفاضة الزيت في تونس والتي فجرها المواطن التونسي المغلوب على أمره " محمد أبو عزيزي" عندما أقدم على حرق نفسه وعلى عربة الخضار خاصته بعدما رفضت السلطات التونسية إرجاعها له بالرغم من محاولته مرارا وتكرار بشرح حالته وظرفه الاجتماعي الخاص.... إن هذه الحادثة أثارت حفيظة الشعوب وحدثت الانتفاضة التونسية التي ما لبثت حتى أسقطت دكتاتور عربي أخر، ما تميز به هذا الدكتاتور انه كان دكتاتور (مهذب) حيث تنحى عن الحكم وحقن دماء شعب كامل قد تراق جراء بقائه ، كما أراقها الدكتاتور "صدام" في الانتفاضة الشعبانية .. لكن ما لم يستطيع حقنه زين العابدين بن علي هو عدوة هذه الانتفاضة التي بدأت تسير بين الشعوب في ليلة وضحاها ..وما يحدث في مصر واليمن والأردن من انتفاضات وصرخات بوجه الحكام الجاثمين على قلوب شعوبها عقودا طوال.. أن الانتفاضة الشعبانية في عام 1991 بالرغم من إخمادها والسيطرة عليها آنذاك إلا أنها أتت أكلها بعد حين .. خصوصا ونحن نعلم أنها خلقت توحد منقطع النظير للمعارضة حين ذاك لذا كانت بمثابة المعول الذي يخرم بقارب الدكتاتورية حتى أغرقه تماما ..وليس هذا فقط بل مايحدث اليوم في تونس ومصر جاء أفضل رد للمشككين بجدوى "الانتفاضة الشعبانية 1991 " وكشفت أحداث تونس ومصر ان من الحق الشعوب أن تنتفض وتستطيع أن تغير الحكم نحو الأفضل لكن بشرط أن لاتشوش الأفكار ولاتشوه النوايا من قبل أعداء التغير ..ما أود أن اختصره هو إن ما تشهده المنطقة العربية من صحوة ونضج سياسي وحركات تغير جادة من خلال الانتفاضات الحاصلة للشعوب ضد حكوماته ومن خلال مطالب الجماهير بتنحي الحكام ان كل هذا الوعي الفكري والسياسي المشهود اليوم من الشعوب، كان الشعب العراقي قد سبقهم منذ عشرون عام وبالتحديد بالانتفاضة الشعبانية 1991 .. حيث وصل الشعب العراقي لذلك النضج والبلوغ السياسي والفكري والتحرري وقاد اكبر وأعظم انتفاضة وثورة ضد اعتى دكتاتوريات العصور غير مبالين إن ملئ الأرض بهم قبورا أو عجت بنسائهم وأطفالهم السجونا ، وان من يعطي الذريعة لانتفاضة تونس وعدوتها بالشعوب العربية في مصر واليمن والأردن وموريتانيا لابد أن يقف مع نفسه وقفة رجولة وشجاعة لكي يعطي نفس الذريعة للعراقيين في الانتفاضة الشعبانية وعليه أن يعتذر للشعب العراقي اجمع لأنه لم يحسن الضن به أو على الأقل لم يكترث لانتفاضته التي لاتقل أهمية وقوة وتضحية من انتفاضة تونس ومصر واليمن وغيرها ..وعليه أن يعلم أن عدوة أنفلونزا تونس جاءت من الانتفاضة الشعبانية بالعراق وان بعدت المسافة وتغير الزمن ..
https://telegram.me/buratha