عزيز الخزرجي
ألبيان الأخير لأمة العرب المغبونة من المحيط إلى الخليج
كيف ومتى تستوفي ألنهضة العربية ألمعاصرة شروط النصر؟
نعتقد بأن أية نهضة حقيقية مُباركة لا يُمكن أن تستوفي شروط النصر لتُحقق الحُرية و الكرامة و العيش السعيد ما لم تستجمع في حركتها ثلاث شروط هي ؛ القيادة الربانية و الفكر الصحيح و النخبة الواعية التي ترتبط بجماهير الأمة من جهة و بالقيادة من جهة أخرى!
هذه الشروط ألثلاث لم تستوفي لحد الآن حقها في أوساط الأمة العربية, لذلك لا غرابة إنْ إسْتَمرّت عليها المعاناة و المحن و الدكتاتوريات بألوان و مقاسات متنوعة بين الحين و الآخر, حيث لم يعد من الصعب كثيراً على مطابخ البيت الأبيض و الدوائر المخابراتية العالمية ألأتيان بالبديل المناسب حال الطلب, بتمرير خططها عبر لوبياتها و أحزابها الوضعية التي لا تريد سوى الحكم لأنهُ يستبطن و يضمن كل الشهوات لقادتها المتعجرفين؛ كنسخ مستوردة من التجربة الفرنسية و الأنكليزية ألتي كانت وليدة التأريخ الأوربي - الغربي بسبب تطورات الأوضاع و إنحراف قساوسة الدين المسيحي ألمنحرف أساساً, لذلك إنقطع حبل الغرب المرتبط بالسماء ليتلاعب بهم أهل الأرض من الاقطاعين ثم البرجوازيين ثم الرأسماليين بعد أنْ إستخدموا الديمقراطية كوسيلة لأنتخاب طبقة التكنوقراط التي تنحدر عادة ما من العوائل الغنية أو ترتبط بأصحاب المصالح و الشركات الكبرى, ليكون النظام الديمقراطي سلاح ذو حدين بِأيدهم؛ الحدّ الأول هو : إسكات الجماهير التي إنتخبت التكنوقراطيين المدعومين مالياً و علمياً و أعلامياً من طبقة الأغنياء الذين يُسيطرون على مفاتيح الأنتاج و الأقتصاد, و بالتالي تكميم أفواه الجماهير في حالة قيام النخبة المتسلطة بسنّ أو تشريع قوانيين لا تأخذ بنظر الأعتبار عادة ما سوى مصلحة الاغنياء بالدرجة الأولى!
ألحدّ الثاني من سيف الديمقراطية : يكون مسلطاً على أي صوت أو حركة تظهر هنا أو هناك قد تطالب بالأصلاحات و العدالة و الحقوق, و بما أنّ الأستجابة لهم مُكْلِفة و لا يُمكن إعمالها بسهوله كونها تعني إفراغ جيوب السارقين و أصحاب البنوك الكبرى! و هذا لا يروق بالطبع لهم - من هنا يأتي دور الحد آلآخر من السيف أ لا و هو رجم تلك المجموعات المعترضة كون الذين أوصلوا المشرعين إلى الحكم هم عامة الناس عبر الأنتخابات التي أوصلت طبقة التكنوقراطيين للحكم و الذين عادة ما يميلون لمصلحة أولياء نعمهم ألذين دعموهم بالمال و الأعلام و المكاتب!
هنا تكمن آلأشكالية الكبرى و العقدة المعقدة في النظام الغربي ألديمقراطي! ألذي إستطاع بجهود و عرق جبين الطبقة الكادحة بركوب الموج لتبني بها صرح التكنولوجيا و العمارات والناطحات التي تعود رأسمالها و ملكياتها إلى مجموعة صغيرة فقط تتحكم بكل الوضع الأقتصادي المحلي و الدولي, و من هنا فأن تلك المظاهر ألمدنية و الفنادق العملاقة و القصور و السيارات الفارهة لا يستلذ و لا يستفيد منها الفقير ألذي بناه بكده و ماله لأنها لا تعود لملكيته و لا يملك المال الكافي للتمتع بذلك!
و المُتتبع لهذا النظام ألدكتاتوري الجمعي من قرب يرى كيف أنّ بعض العمال و الموظفين - و ليس الكل ألذي لا يحصل حتى على عملٍ للأرتزاق منه - تحث ظل هذا النظام و في أفضل الأحوال و بعد عمل متواصل يمتد لأكثر من ربع قرن لا يحصلون سوى على بيت صغير و سيارة عادية بالطبع يكون العامل و الموظف حينها قاب قوسين أو أدنى من الموت لأنه يكون عندئذٍ قد إستهلك طاقاته و قواه الجسمية و الروحية!
لذلك لا يُمكن لأمة العرب أو غيرهم أن يُحققوا الكثير من النجاح و التقدم في طريق الثورة الألاهية بسلوكهم لهذا المنهج الغربي الذي يفتقر إلى القيم و المثل و العدالة و الأخلاق و الأيثار و الصدق؛ حيث لا تناسب الشخصية العربية الاسلامية التي ترفض الذل و العبودية و تسلط المستكبرين عليها - بالطبع هذا الأمر لا يتحقق إلّا بعد القضاء التام على الحكومات القائمة الآن!
لذا لم يبقى أمامنا لأجل الخلاص سوى آلأتكاء على الله تعالى و على من يُمثّله بحقّ في هذا آلزمن ليكونَ لنا عوناً و سنداً و نبراساً في طريق الخلاص العملي من الظالمين المتجبرين, بجانب الفكر الأسلامي الرصين الذي لم يشوبه الدّس و التحريف و البدع والأهواء, و على المُثقفين و الباحثين بيان تلك الحقائق للناس بالرجوع إلى أهل الله الذين ثبتوا على الخط الأسلامي الأصيل و رسموا لنا طريق النهضة و الكفاح كالأمام الحسين بن علي (ع) و ليس من باع ضميره للمستكبرين في العالم, و بهذا الخيار الوحيد فقط يمكن للنخب العربية المجاهدة أنْ تقوم بدورها الرائد كجسرٍ أمين بين القيادة الربانية الحقيقة و بين الأمة من الجهة الأخرى ليتحقق النصر بإذن الله الذي قال؛ و هو أصدق القائلين : { إنْ تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم } ().
و بما أن الوضــع العربي قاطبةً يفتقــر إلى العـاملَيْن الأوّلين - أيّ ألقيادة الربانية الصــادقة الشــجاعة و الفكر "ألآيدلوجيا"الصحيحة الغير المشوهة - لذا نرى إستمرارها في مواجهة المحن حتى و أنْ قضوا على الحكومات العربية الحالية و هزموا من تبقى من الحكام العرب المجرمين كآل مبارك و سعود و آل نهيان و حيان و علان, و قد بيّنا ذلك في رسالة سبقت الأحداث في تونس إلى الدكتور الغنوشي - أمين حركة النهضة التونسية - و آلمفكرين العرب, و وضّحنا لهم الأمر و ما يجب أن يكونوا عليه كما أشرنا آنفاً, و بغير هذا الخيار فأن الثورة العربية القائمة ليس فقط في تونس و مصر بل في كلّ آلأمة العربية من المحيط إلى الخليج سوف لن يُكتب لها النصر و النجاح ما لم يَسْتَيقنِ العرب و مُفكريهم مُقوّمات النصر و النجاح التي عرضناها! خصوصاً تمسّكها بالمبدأ آلصالح الذي يُحدّد لها أهدافها و غاياتها و يضع لها مثلها العليا, و يرسم إتجاهها في الحياة فتسير في ضوئه واثقة من نيلها لإحدى الحُسْنيين ؛ ألنصر أو الشهادة.
علينا أنْ نُبصر أسباب نجاح الثورة الأسلامية المعاصرة في إيران كتجربة و كدرس عمليّ مُبين لكل من ألقى السمع و هو شهيد, حيث إكتنفت تلك النهضة العظيمة ألمقومات الثلاثة بأروع صورة, و عند تجسيدها من قِبَل الشعب الذي إلتصق بقيادته الربانيّة سقط الشاه و سقطت المؤآمرات التي اعقبت نجاح الثورة واحداً تلو الآخر .. حتى يومنا هذا بحيث عجزت قوى الأستكبار العالمي ألنيل منها كثيراً رغم الحروب و الحصار!
لقد حان الوقت لكي يتعلم العرب هذا الدّرس الألهي الكبير ألذي تَجَسّدَ فيه كلّ معاني العشق و الوفاء لآل بيت الرّسول المظلومين عليهم السلام! أ لا يكفي العرب ما جرى عليهم من الظلم و الأسى على مدى أربعة عشر قرناً ؟
(قَد جَاءَكُم منَ الله نُور وكتاب مُبِين يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة/ ١٦) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صدق الله العلي العظيم
ألباحث ألدكتور :عزيز الخزرجي
https://telegram.me/buratha