علي المالكي
بعد سنوات طويلة من الدكتاتورية وحكم التسلط ومصادرة الحريات العامة والخاصة ،أدركت الشعوب العربية حاجتها الماسة إلى التغيير السياسي وضرورة استبدال الأنظمة الحاكمة (التي حولت بلدانها إلى تركات ارثيه) بأخرى ديمقراطية تماشيا مع طبيعة الوضع السياسي الراهن وتطلع أبناء الشعب العربي في دوله المختلفة إلى الديمقراطية وحرية التعبير .شرارة التغيير بدأت من تونس الخضراء والتي تحولت إلى حمراء قانية بفعل الهمجية السلطوية التي كان يحملها نظام المخلوع زين العابدين بن علي والذي كان متشبثا بنظامه الفاسد حتى الرمق الأخير من فترة حكمه التي انتهت بهزيمة نكراء حاول من خلالها الحفاظ على حياته وترك البلد في ظروف صعبة مرت بها تونس ، تماما كما حدث في العراق لنظام المقبور صدام حسين الذين كان يتحدث دائما عن المبادئ والقيم والتضحية وهو أول من رمى هذه المبادئ والقيم عرض الحائط وهرب كما تهرب الجردان .وبعد أكثر من أسبوع على انتفاضة الشعب العربي في مصر خرج حسني مبارك على شاشة التلفزيون المصري يطمئن أبناء شعبه الثائر بأنه لن يرشح لفترة رئاسية جديدة وانه سيدعم انتقال السلطة بصورة سلسة إلى الشخص المنتخب من بعده سعيا منه لتهدئة الأجواء ومحاولة السيطرة على الأمور التي بدأت تفلت من يديه شيئا فشيا كما حدث في تونس بالضبط .وبإصرار قوى المعارضة وصلابة مواقف الجماهير المصرية فان فترة حكم مبارك بدأت بالعد التنازلي وأصبح حسني مبارك خارج حسابات المنطق ولم يبقى على سقوطه سوى لحظات قليلة يحاول من خلالها عرقلة الأمور وخلط الأوراق كما يحدث الآن تماما في ميدان التحرير، فقد أرسل مجموعة مناوئة للجماهير الغاضبة تدعي أنها من أنصار النظام ... واغلب الأخبار التي تأتي من مصر تباعا تؤكد إنها قوات الأمن نزلت إلى الشارع بلباس مدني لمواجهة الجماهير المحتشدة في خطوة أخيرة يخطوها النظام المتزعزع لثبيت أركان حكمه وإشغال الناس بفتنة داخلية قد تتحول إلى حرب أهلية تمتد إلى محافظات عدة من مصر ، وهذا مايجب أن تدركه الجماهير الغاضبة لتفويت الفرصة على نظام مبارك في تقويض الانتفاضة الشعبية الكبرى .يضاف إلى ذلك إن نظام مبارك بدا يفقد أنصاره من الخارج تباعا وأولهم الولايات المتحدة الأمريكية التي يعول عليها كثيرا خصوصا وان النظام يعتبر من اشد الموالين لأمريكا وإسرائيل في المنطقة وتعلق عليه هاتين الدولتين أمالا كبيرا في تمرير مشاريعهما في المنطقة ،ألا أن البيت الأبيض طلب الأربعاء من مبارك الانصياع لرغبات الجماهير الغاضبة وتنفيذ مطالبهم .والسر الأكبر في ديمومة هذه الانتفاضة التي ستحقق مبتغاها (إنشاء الله) أنها بدأت بدماء الأبرياء التي سالت في شوارع القاهرة على يد قوات الأمن ... فحتى الآن قضى أكثر من مئتي شهيد في مصر على طريق التحرير وإقصاء الدكتاتورية المتغلغلة في جميع مفاصل الدول المصرية والكل يعلم إن اجتثاثها نهائيا أمرا غاية في الصعوبة ويحتاج إلى تضحيات جسام .وللانتفاضة أبناء مصر عدة سيناريوهات أفضلها سيكون إزاحة نظام الحكم نهائيا وهذا الاحتمال سيكون أكثر واقعية بسبب الظروف المفترضة المصاحبة لهذه الانتفاضة ، إضافة إلى العوامل المحيطة بها والجوانب السياسية والاجتماعية المتدهورة في مصر والتي تعطي لهذه الانتفاضة زخما آخر قد يزيد من حديتها وانتشار شرارتها في الأيام القادمة .السيناريو الآخر والذي نحذر منه وندعوا القوى الشعبية المعترضة في مصر الانتباه إليه ومعرفه أخطاره وتحذير الجماهير من السقوط في فخه المحتمل هو موضوع الفتنة الداخلية التي بدا النظام يعمل لها وربما يستخدمها كسلاح أخير في حال فشل المسعى الرامي لإبقائه في الحكم فترة أطول ، وكما هو معتاد ومعروف فان الأنظمة الحاكمة في اغلب البلدان العربية تدين بولائها الكبير للسلطة ولاتعير أي اهتمام للبلد ومن السهل لديها التفريط ببلد كامل وشعب بأكمله من اجل البقاء على سدة الحكم فترة أطول .
https://telegram.me/buratha