المقالات

الشفافية...وتكريس الديمقراطية

827 17:37:00 2011-02-04

وليد المشرفاوي

الشفافية والفساد مصطلحات متنافران، إلا أنهما مترابطان لأنه لا يمكن الحديث عن إحداهما دون الحديث عن الآخر، رغم أن علاقتهما عكسية ما دام وجود إحداهما ينفي، أو على الأقل يقلل من فرص وجود الآخر.ولا يخفى على أحد أنه بوجود وتكريس الديمقراطية فإنه تتوفر الفرصة المناسبة لممارسة الشفافية وتنفتح السبل والأبواب أمام المساءلة والمحاسبة.والمساءلة والمحاسبة بدورهما تعززان وتطوران تكريس الديمقراطية وتقويان قواعدها ولبناتها. وفي المقابل في مناخ لا توجد فيه إمكانية توفر الشفافية يسود فيه الظلام وتنعدم فيه المساءلة والمحاسبة، وبذلك ينتشر الفساد الذي يقود إلى تدهور أوضاع المجتمع على مختلف الأصعدة، لاسيما انتشار الفقر وتزايده، وتراجع الاقتصاد، وهذا وضع يكرس التعسف تجاه المواطنين وكأن على الفئات الضعيفة أن تتحمل لوحدها دفع فاتورة الفساد والاختلالات والانحرافات على حرمانها حتى من أبسط شروط الحياة الكريمة.تعتبر الشفافية والمساءلة من أهم الركائز والمبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية. وهما مفهومان مرتبطان ارتباطا عضويا، لاسيما في مجال عملية صنع القرار في المجتمع. وطبعا فلا يمكن أن تكون الشفافية هدفا بحد ذاتها ولذاتها، وإنما هي وسيلة من الوسائل المساعدة في عملية المحاسبة والمساءلة. كما أن المساءلة والمحاسبة لا يمكن أن تتم بالصورة المرجوة والفاعلة والمجدية دون ممارسة الشفافية وتكريسها.وتظل المساءلة والمحاسبة حق من حقوق المواطن تجاه السلطة كأحد الضمانات الأساسية لتعزيز الديمقراطية وتكريسها في المجتمع. وهي في واقع الأمر تهدف بالأساس لخدمة الصالح العام وخدمة مصالح المواطنين وخاصة حقهم في الإطلاع على عمل الحكومة وعمل من اختاروهم لتمثيلهم.إلا أن المساءلة والمحاسبة تستلزم المشاركة الفعلية في الحياة العامة، كما تستوجب ممارسة كافة الحقوق، ومن ضمنها الحق في المشاركة في عملية صنع القرار، وذلك عبر التأثير في هذه العملية بواسطة ممارسة حق المساءلة والمحاسبة.والشفافية أيضا حق ن حقوق المواطنين، كما أنها واجب من واجبات السلطة والحكومة والإدارة تجاه المواطنين. فمن واجب الحكومة فتح المجال أمام المواطنين للإطلاع باستمرار على سير إدارة وتدبير شؤون المجتمع في كافة المجالات وذلك لسببين رئيسيين. أولهما أن الديمقراطية تقتضي منح المواطنين كافة حقوقهم غير منقوصة وثانيهما منح إمكانية تصحيح وتصويب الأداء الحكومي ومختلف الهيئات في المجتمع باستمرار إلى تطور المجتمع نحو توفير أفضل السبل لتحسين أوضاع المواطنين.والشفافية تعني أن تكون كل الهيئات والمؤسسات والمرافق التي تدير وتدبر الشأن العام شفافة أي أنها تعس ما يجري ويدور داخلها، وكذلك الأمر حتى بالنسبة للأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، بحيث تكون كل الحقائق معروضة ومتاحة للبحث والمساءلة.ومن أجل ممارسة الشفافية وتكريسها ومن أجل توفير مناخ مناسب للمساءلة والمحاسبة كحق من حقوق المواطنين لابد من توفير جملة من الأسس. ومن أهمها سيادة القانون، الفصل بين السلط، احترام حقوق الإنسان والمواطن، حق وحرية الحصول على المعلومات، ممارسة وتكريس الشفافية في إدارة وتدبير الحياة العامة.وسيادة القانون تعني بالأساس تطبيق القانون على الجميع، بغض النظر عن الانتماء السياسي والموقع أو المرتبة الاجتماعية. أي أن القانون لا يطبق فقط إلا على المواطنين ولا ينطبق على أصحاب القوة والنفوذ وذوي المناصب والسلطة. لأن عدم سيادة القانون تؤدي لا محالة إلى الظلم والاستبداد في المجتمع، ويصبح أصحاب المواقع والنفوذ والمناصب العليا في الدولة هم وحدهم صانعي القرار، وبالتالي لا يحق للمواطنين المشاركة في ذلك أو حتى الإطلاع على الكيفية التي يتم بها وعلى أساسها صناعة القرار. ومن الطبيعي أن يفتح هذا الوضع الأبواب على مصراعيها لتفشي الفساد والتعسف والاعتداء على حقوق المواطنين لصالح ولمصلحة فئة قليلة، وتكرس كل القرارات والقوانين من أجل خدمتها وتعزيز قوتها ونفوذها.أما الفصل بين السلط فهو يكفل توزيع مصادر القوة في المجتمع لخلق التوازن بين مصادر القوة الثلاث: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. كما أن هذا الفصل يؤسس رقابة متبادلة.وفيما يخص احترام حقوق الإنسان والمواطن على اختلافها فإنه يؤدي إلى تكريس التفاعل بين المواطن والمجتمع ويدفع المواطن إلى المشاركة الفعالة والمستمرة في الحياة لمجتمعه بواسطة وعبر المعلومات التي تمكنه من ذلك، ويرفع درجة قدرة المواطنين في التأثير في صنع القرارات وقدرتهم على المساءلة والمحاسبة.ويعتبر حق وحرية الحصول على المعلومات من أهم الأدوات بالنسبة للمواطنين من أجل ممارسة كافة حقوقهم. ولا يخفى على أحد أنه بدون توفر معلومات لا يستطيع المواطن ممارسة أي دور فاعل ومجدي في المجتمع، كما أن حقوقه تظل عرضة للاستلاب أو الانتقاص منها. وفي هذا الصدد تلعب وسائل الإعلام دورا رئيسيا وحيويا، ولذلك أطلق على الصحافة لقب " السلطة الرابعة" إشارة إلى أهمية الدور الذي تقوم به.أما ممارسة الشفافية في إدارة الحياة العامة، فهو أمر يقع بالتمام والكمال في نطاق حقوق المواطن، وفي ذات الوقت يعتبر من الواجبات الأساسية للحكومة تجاه المواطنين. وهذا يعني أن تكون سياسات الدولة في مختلف المجالات واضحة ومحددة ومكشوفة دون غموض أو لبس، وهذا يمكن المراقبة والمتابعة والمحاسبة على تلك السياسات، إلا طبعا فيما يتعلق بالأسرار الأمنية والعسكرية المتعلقة بأمن الدولة والمجتمع والتي تحدد بناءا على القانون وليس بصورة اعتباطية.والمساءلة تستوجب جملة من الشروط، من أهمها درجة معينة لوعي وتنظيم المواطنين، وقيام وسائل الإعلام بدورها. إنه كلما زادت درجة وعي المواطنين زاد حجم التأثير الذي من الممكن إحداثه من خلال المساءلة. كما أن هناك علاقة واضحة بين درجة الوعي وبين تنظيم المواطنين في الأحزاب والنقابات والمنظمات والجمعيات وجماعات الضغط والمصالح. وبالتالي كلما ارتفعت درجة تنظيم المواطنين كلما زادت قوتهم وبالتالي تأثيرهم في عملية المساءلة والمحاسبة.أما فيما يخص دور وسائل الإعلام في هذا الصدد، فقد تكون بعض الصحف في ملكية أحزاب أو فئة معينة، وبالتالي تعمد إلى نشر ما يتوافق مع مصلحتها، كما أنها قد تكون ذات طبيعة تجارية وربحية بحتة، وكل ما يهمها هو تحقيق ربح على حساب نقل الحقائق والمعلومات.فالشفافية إذن تعتبر ركنا أساسيا وعنصرا هاما في ترسيخ وتكريس الديمقراطية في المجتمع، سواء على مستوى الأفراد والجماعات. والشفافية تهم الهيئات الرسمية كما تهم كذلك مؤسسات المجتمع المدني.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك