بقلم خليل الفائزي
في عالم الدول التي شهدت و ستشهد انتفاضات وثورات شعبية عارمة نلاحظ هناك تشابه كامل بين الأنظمة المستبدة والدكتاتورية حيت جهز الطغاة أنفسهم بقوى مسلحة و عناصر مدربة لحماية أنظمتهم من غضب الجماهير و سخط المواطنين و ليس لمحاربة الأجانب و الدفاع عن الأوطان كما يزعمون وبالرغم من اختلاف أسماء وعناوين القوى و العناصر المدافعة عن الأنظمة المستبدة الا انها على مستوى و شاكلة واحدة و لا فرق بينها في التعامل و الأسلوب لقمع المواطنين المعترضين وانتهاك الحقوق و القوانين. ففي مصر أطلق على القوى المدافعة عن نظام حسني مبارك المستبد بالبلطجية و في دول عربية و إسلامية أخرى يسمى هذا النوع من العناصر المدافعة عن الأنظمة المستبدة بالحرس الجمهوري او حملة الهراوات و الفيلق الرئاسي و القوات الخاصة و فدائيو فلان بن فلان و حتى ان بعض هذه العناصر المرتزقة تحمل عناوين وأسماء براقة و مخادعة كالدفاع عن الوطن او التضحية من اجل البلاد او هذا الملك او ذاك الزعيم الفرعوني المعروق بنظام انا ربكم الأعلى
و تتشابه الأنظمة الدكتاتورية و المحتكرة للسلطة في مجال توريث الحكم و نقل السلطة على رقاب الناس من الأب الى الابن خاصة في الأنظمة الجمهورية المزعومة التي تدعي ان شرعيتها مستمدة من إرادة الجماهير، وقد كرست هذه الأنظمة استبدادها و نظام التوريث منذ عدة عقود و حتى وقت قريب الا ان معظم هذه الأنظمة أصيبت بالهلع و ارتعدت خوفا لاشتعال أول شرارة من غضب الشعوب عليها فسارع الزعماء المستبدون بالنفي انهم كانوا ينون البقاء في السلطة او ان لديهم خطة لتوريث أنجالهم في حين ان جميع هؤلاء استبدوا في الحكم لحوالي 30 عاما متتالية او اكثر و انهم اجبروا ما تسمى المجالس التشريعية بتغيير بنود الدستور لكي تكون مهيأة و جاهزة لتوريث الحكم و فرضه قسرا على رقاب الجماهير التي كانت لا حول و لا قوة لها قبل عدة اشهر
و يمكن تقسيم و وصف ركائز و أعمدة الأنظمة المستبدة إضافة الى البلطجية و حملة الخناجر و الهراوات، الى عدة أطياف و مجموعات منها قادة الفيالق و الألوية الجمهورية و كبار المسئولين الأمنيين و قادة الحرس الجمهوري الذين هم بالأساس من البلطجية و ناهبي أموال الدولة و الشعب وإن معظم هؤلاء من المجرمين الواقعيين ومن الذين ارتكبوا جرائم الاغتصاب و القمع و القتل شخصيا ضد الأخيار و الثوار من أبناء الشعب و يمكن وصف هؤلاء بأنهم جناة متمرسون ارتكبوا الجرائم البشعة ضد الإنسانية و من الضروري محاسبة و معاقبة هؤلاء اشد عقاب بعد انتصار الثورة في كل بلد فيه نظام طاغي ومستبد. وهناك مجرمون تافهون بيدهم أجهزة الإعلام خاصة الإذاعة و التلفزيون و الصحف و منابر مخاطبة الناس مباشرة، وهؤلاء في الواقع يصفقون لاي حاكم مستبد و يرقصون بأقلامهم و يهلهلون بألسنتهم لمن يدفع اكثر و يحقق لهم مصالحهم الشخصية و المادية و نحن لدينا وثائق دامغة تكشف و تؤكد من ان بعض هؤلاء الذين هم من التافهين و الحاقدين على إرادة الجماهير كانوا في السابق و لازالوا مسئولين عن تعذيب السجناء السياسيين و يمارسون الان كغطاء لأنظمتهم المستبدة لادارة صحف و مؤسسة الإذاعة و التلفزيون و هم بالأساس لا يستطيعون كتابة مقال بسيط و لا يفقهون ذرة من حرية القلم و مهنية الإعلام وكل ما يعرفونه في حياتهم هو إسالة دماء الأبرياء و التفوه دوما بالسب و الشتم و كيل التهم الجوفاء لمنافسيهم وإهانة الناس و الدعوة لقتل المواطنين والمطالبة بإعدام رموز المعترضين بذريعة انهم عملاء للأجانب والمناوئين او يخططون لقلب النظام الشرعي المزعوم بالرغم من انهم يمثلون رسميا سلطة الزعماء المستبدين و أنظمة انا ربكم الأعلى التي هي قطعا أنظمة غير شرعية و مرتبطة علانية او سرا بالقوى الأجنبية و الناهبة لخيرات الشعوب
وهناك تشابه آخر بين الأنظمة المستبدة و حتى تلك التي تدعي تطبيق النظام الجمهوري والثوري أحيانا فهذه الأنظمة تهتز خوفا من إرادة الشعب و تعمد دوما مواصلة احتكار السلطة من خلال تزوير الانتخابات و إنزال البلطجية و حملة الهراوات و المنتفعين ماديا من النظام الى الشوارع في كل مناسبة وتستغل المناسبات الوطنية و غير الوطنية لتحقيق مكاسب و نوايا سياسية لها، وتتشابه الأنظمة الدكتاتورية والمحتكرة للسلطة في مجال الوقوف ضد العلم و المدنية و التقدم و تقطع او تقلص الإنترنت و تحرم شعوبها من التقنية العلمية والنضج الفكري وتخشى من أخبار و تقارير القنوات الفضائية الإخبارية كما فعل نظام مبارك مؤخرا من خلال الإسراع بقطع بث قناة الجزيرة من النيل سات ومنع المشاركة في مواقع عالمية معروفة في الإنترنت و فرض الفلترة حتى على المواقع العلمية و الجامعية و التقنية والثقافية و ممارسة أساليب أسوأ من الأساليب التي مارستها جماعة طالبان المنحطة و المتخلفة عقليا في أفغانستان و باكستان، وتتشابه الأنظمة الدكتاتورية في التسلط الكامل و المستبد على كافة أركان النظام و الحكومة من خلال فرض سلطة الشخص المستبد او الحزب الواحد و مثل هذا الوضع لم تطبقه اي من الأنظمة الدكتاتورية على مدى التاريخ ولا حتى النظام النازي و لا نظام فرعون في بلاد مصر القديمة لانه على الأقل سمح للنبي موسى (ع) ببيان وجهة نظره علانية أمامه و لعدة مرات و أعطاه الفرصة للتسابق و التنافس مع سحرة البلاط الفرعوني لايضاح من هو الذي يقول الحقيقة و له قدرة الإثبات و الدليل المنطقي، في حين ان الأنظمة الدكتاتورية الحالية المتواجدة في عالمنا العربي و غير العربي لا تسمح لاي زعيم للمعارضة حتى بطرح وجهة نظرة الناقدة للسلطة وتكيل عليه الاتهامات المختلفة و بالأطنان و تتهمه انه عميل و أبوه جاسوس و منحرف و أمه كانت فاجرة و لكن اذا أطاع هذا المعارض شروط النظام و وقع على ورقة الاستسلام و الانبطاح للنظام فانه يصبح من وجهة نظر إعلام النظام بانه وحي منزل و دمه و بزاق فمه (التفله) اطهر من ماء زمزم و ان كل من ينتقده و يقف ضده إنما ينتقد و يعارض الأولياء و الأوصياء و الأكثر من ذلك فان الأنظمة المستبدة تعتقد من إنها قادرة الاستمرار باحتكار السلطة دون وجود معارضة واقعية الا ان هذا الاعتقاد خاطئ جدا و يؤدي الى الاستبداد و الدكتاتورية و قد تنبهت لذلك معظم الدول الغربية منذ عدة عقود حيث بادرت لتطبيق خطة مدروسة و ممارسة لعبة سياسية ذكية من خلال تبادل الأدوار و تغيير شكل الأنظمة بين كل فترة و أخرى و تحويل النظام من جمهوري الى ديمقراطي او من نظام الحكومي الملل الى الشعبي المنفتح و بالعكس ربما لارضاء الرأي العام وربما لفسح المجال للطرف المنافس المشاركة في الحكم لفترة من الزمن دون تحمل مسئولية تخريب الاقتصاد او احتكار السلطة السياسية لمدة طويلة خلافا للكثير من أنظمتنا في المنطقة التي تحتكر السلطة لعدة عقود و تصر على هذا الإجراء غير الشرعي و غير القانوني حتى لقرون من الزمن دون رضاء للأغلبية او إرادة واقعية من الجماهير لان جميع أساليب هذه الأنظمة غير قانونية و الانتخابات التي جرت و تجري فيها مزورة مئة بالمئة في حين ان انه لا يجوز شرعا و قانونا إجراء انتخابات في بلد او دولة لا تستطيع فيها المعارضة امتلاك أجهزة إعلام واقعية خاصة التلفزيون و الصحف و مراكز انتخاباتية و منابر حرة لبيان المواقف السياسية و المناهج الفكرية للمعارضة و ان الحكومة التي تشرف على الانتخابات بيدها غالبا مصير جميع الأوراق الانتخابية و أساليب التزوير و هي طرف منتفع و غير محايد و غير نزيه في كل انتخابات
و تتشابه الأنظمة المستبدة أيضا في الأساليب عندما يسقط نظام مستبد على شاكلته فيبادر النظام المتبقي بانتقاد النظام المستبد المشرف على السقوط و الزعم من ان ذاك النظام كان يقمع شعبه و يمارس سياسة توريث الحكم و ان شعبه انتفض ضده لانه كان لا يستمع لارادة شعبه كما فعل مؤخرا نظام علي عبدالله صالح الهمجي وغير الشرعي في اليمن في حين ان جميع الأنظمة المستبدة تتشابه في الجوهر و الأساليب و ان الشعوب الثائرة قطعا لن تنخدع بمزاعم الحكام المستبدين و ان المواطنين سوف يقودون الانتفاضات حتى نهاية المطاف دون وقفة ليتحقق لهم هدفهم النبيل بإسقاط الأنظمة المستبدة و ان غيرت من سلوكها بشكل مؤقت او أنها عمدت لممارسة خطة لخدع الرأي العالم بانها صارت أنظمة قابلة للإصلاح و انها تمارس خطة التغيير لارضاء الجماهير مؤقتا او اعتقال و محاكمة بعض المسئولين السابقين ومن الذين يتم وصفهم بالزيت المحروق او أوراق المراحيضمن الضروري الإيضاح هنا ان جميع الانتفاضات و الثورات التي حدثت و تحدث ضد الأنظمة المستبدة تختلف في المحتوى و الشكل و الجوهر و المنهج من بلد الى اخر و ليس هناك تأثير واقعي و مباشر بين هذه الانتفاضات لان ظروف و حالات كل بلد و كل شعب تختلف بين بلدان المنطقة و العالم و يجب التحذير هنا من مزاعم بعض الأنظمة التي تحاول استغلال ثورات الشعوب لصالحها او من خلال الزعم من انها كانت وراء إشعال نار الانتفاضة هذا او ذاك الشعب او ان الثورات التي تقع الان مقتبسة و منسوخة من ثورات أخرى و ذلك للحقائق التالية: ان اي ثورة نجحت حتى الان ربما قد استلهمت الدروس و العبر من ثورات و انتفاضات أخرى و عليه لا يمكن الزعم من ان ثورة فلان بلد كانت الدافع الأساسي وراء الثورات الجديدة التي نشهدها الان في دول عربية. و لا يمكن الزعم من ان القائد الفلاني كان وراء اندلاع الانتفاضات الجديدة او انه تنبأ بها منذ عقود خلت و قطعا ان من هذه المزاعم جوفاء و تدعو الى السخرية لان التكهن يمكن ان يكون لشهر او عام على اكثر تقدير و ليس لعقود و مثل هذا القول كقولي انا العبد الفقير من اني سوف أتكهن بسقوط أنظمة في المنطقة او خروج أمريكا من العراق و أفغانستان في النهاية او إجراء تعديل حكومي في دول المنطقة و حدوث اضطرابات او زلازل و سيول مدمرة في دول أخرى و قطعا ان مثل هذا الأمور سوف تحدث لاحقا و لا يمكن ان أوصف لاحقا بأنني قد تكهنت بحق بمثل هذه الأحداث او ان لي حس خارق العادة يفوق قدرة البشر! و أيضا ان الادعاء من تأثير ثورة على ثورة أخرى في اي بلد يعد من وجهة نظر الكثيرين من المستقلين والأحرار تدخلا سافرا في شئون الشعوب الثائرة و لا يمكن بتاتا القبول بمثل هذه التدخلات و استغلال التطورات بشكل فردي و فئوي و سياسي خاصة و ان الطارحين لمثل هذه المزاعم يعيشون في أنظمة ليست نموذجية لا من الناحية الثورية و من الناحية الاجتماعية و لا من ناحية احترام حقوق الإنسان ولا حقوق ونشاط المعارضة السياسية، وعلى هذا الأساس على أجهزة إعلام مثل هذه الأنظمة الصمت و التريث و الانتظار لان الشعوب الثائرة من حقها فقط تعيين مصيرها بنفسها و لا يحق لأمريكا و لا لأوروبا و لا لاي دولة مهما كانت منزلتها و موقفها ان تعين نفسها وصية على الثورة في تونس او في مصر و من غير المقبول باي تدخل من جانب هذه الدول و الأنظمة التي طالما أثبتت فشلها بإعطاء نماذج عن الأنظمة الفاضلة و المجتمعات المتحررة و ان هذه الدول تبحث فقط و فقط عن مصالحها الفئوية و السياسية و الإعلامية و نراها نحن مؤيدو المجتمعات المدنية انها أنظمة قمعية لشعوبها و ناهبة لخيرات الشعوب الأخرى كما فعلت وتفعل هذه الأنظمة الآن في دولة كان من المفترض و البديهي ان تكون على الأقل دولة مستقلة و لا وصاية عليها و ذات سيادة مثل العراق
ان جميع الأنظمة التي تستغل الثورات و الانتفاضات التي نشهدها الان عليها ان تدرك من ان مثل انتفاضتي تونس ومصر سوف تندلع قريبا جدا في جميع الدول التي تحكمها أنظمة مستبدة او ليست فيها معارضة واقعية او انها تنتهك حقوق الإنسان و تقمع الاقليات الدينية و القومية و ليس هناك استثناء بين هذه الأنظمة حتى و ان سارعت تلك الأنظمة بتعديل او تغيير سياستها لإظهارها انها صارت تنفذ إرادة المواطنين او تلبي جزءا من إرادة الجماهير لان الشعوب و المجتمعات تكدست فيها الان حالات الغضب والحقد و الانتفاضة ضد الأنظمة المستبدة التي احتكرت السلطة حتى ولو لاكثر من 10 أعوام و لابد من إسقاط هذه الأنظمة غير القانونية بكافة الطرق و السبل المتاحة لدى الجماهير
ان من واجبنا كإعلاميين وسياسيين ان نقف دوما الى جانب الانتفاضات الشعبية والثورات الجماهيرية خاصة تلك التي اندلعت في تونس و من ثم مصر و ان نؤيدها قدر المستطاع و لكن ليس من حقنا و لا من حق اي دولة او نظام او شخص غير تونسي و غير مصري التدخل في شئون هاتين الثورتين او اقتراح او تعيين نوع الحكم و النظام الجديد فيهما لان مثل هذه الأمور هي من حق التونسيين و المصريين فقط و هذان الشعبان هما اللذان يقرران نوع النظام و شكل الحكومة و المؤسسات المدنية و كيفية اختيار المسئولين و كتابة الدستور والتعايش الاجتماعي بشكل حضاري و نشاط الأحزاب السياسية و الاقليات الدينية و القومية و تعيين السياسة الخارجية و كيفية التعامل مع الدول الأخرى، و كل من يعارض رأينا هذا و لا يتفق مع رأي معظم الإعلاميين الأحرار و السياسيين المستقلين بهذا الشان نقولها صراحة اما انه أحمق و مغرور و مستبد برأيه او انه لا يفقه ألفباء السياسة و المعنى الواقعي لانتفاضة و إرادة الشعوب الحرة و نقترح عليه ابسط الحلول و هو ان ينطح رأسه سريعا في الحائط ربما ليفيق من غباوته و غفلته و استبداده
https://telegram.me/buratha