سمير عبد الله
يبدو أن رئيس الوزراء هو الذي يدفع بجميع المبررات والأسباب الكامنة خلف مشهد ثورة شعبية عارمة تجتاح العاصمة!!.فمنذ أن تولى رئاسة الحكومة للمرة الثانية وهو يأخذ بكل الحجج السياسية للهيمنة على الحياة العامة والهيئات المستقلة وحتى المؤسسات المالية والرقابية التي تم تشريعها بقرار وقامت بقرار مستقل كالبنك المركزي العراقي ضاربا بعرض الحائط الأسباب الدستورية والحصانات القانونية التي أكدت استقلالية هذه الهيئات ومجمل الحدود المرسومة في الدستور التي صاغت حدود العلاقة بين الأمة والحكومة.وإذا كان رئيس الوزراء يتصرف مثل أي دكتاتور أمضى في الحكم 30 عاما وهو لم يمض في السلطة سوى 5 سنوات فإن الدولة سائرة باتجاه التصرف مع الشعب العراقي وهيئاته وكأنه جزء من بطانة السلطة والحقيقة أن الأمة هي مصدر السلطات كما ورد في الدستور العراقي ولا يمكن التعامل مع فئات المجتمع العراقي بهذه العقلية الاستحواذية والاستئثارية بحجمه ودوره!.ورغم إدراك رئيس الوزراء أن الديمقراطية هي النافذة التي يطل لها الناس على السياسة والمستقبل والمصالح والحرية والدولة إلا أنه بدأ منذ توليه الرئاسة في التضييق على الحريات الإعلامية ومحاولة (تهذيب) الخطط الإعلامية الخاصة عبر تحذير المؤسسات الصحفية والتلفزيونية من مغبة تجاوز (سيادته) لأنه كما يفهم من الدستور الشرعية التي لا تعلوها شرعية أخرى موازية وإن امتلكت القنوات والأصوات الإعلامية الحرة كامل الشرعية.أمس دخلت بالصدفة على أحد المواقع العراقية على شبكة الأنترنت وقرأت بياناً صادراً عن مجموعة من الفضائيات العراقية ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة تؤكد فيه أنها اجتمعت لتحديد موقف على خلفية تهديدات وتحذيرات تلقتها من قبل هيئة الإعلام والاتصالات بضرورة (وضع حدود) للتعاطي مع السياسة ومطالب الشارع وفي الحديث عن المسائل السياسية والاجتماعية وقضايا الدولة والكشف عن الفساد والنزاهة ومسائل أخرى ومما فهمته من البيان أن برهان الشاوي ممثل السلطة في هيئة الاعلام والاتصالات في الاجتماع أسمعهم كلاماً سياسياً فيه نبرة تهديد وفهموا منه أن رئيس الوزراء بصدد وضع رقابة على وسائل الإعلام مما يحد من الحرية وفي طريقة التعاطي مع شؤون الساحة وغليانات الشارع العراقي المتوقع.هذا البيان نذير بأن الحكومة تنوي قبل استفحال الحركة المطلبية في الشارع العراقي (تأديب) وسائل الإعلام المحلية لكي تعرف تاليا كيف تتصرف مع التظاهرات والاحتجاجات المطلبية في الساحة العراقية وهي تظاهرات بدأت قبل أيام في الحسينية وقبلها في الكريعات والشعلة والشعب للمطالبة بتحسين واقع الخدمات الحكومية الغائبة والحقيقة التي يجب أن يتم الالتفات إليها في الحديث عن موقف حكومة المالكي مع الحريات الإعلامية هي أن الحكومة لم تكن ترحب بالحرية الواجب توفرها بوسائل الإعلام العراقية وهي حرية منتزعة من واقع القمع الحكومي السابق بقرار دولي راهن ومكتسبة من مشروع الديمقراطية الجديدة التي بدأت بعد سقوط النظام ورغبة المجتمع الدولي والليبرالية الأمريكية في سيادة هذا اللون من الحريات الديمقراطية في الشارع العراقي.رئيس الوزراء يقف ضد قرار بالديمقراطية هو جزء من مشروع التحول السياسي العسكري الاجتماعي القادم على أجنحة التغيير واسقاط النظام.وفي هذا الإطار ولأن رئيس الوزراء لا يستطيع استيعاب هذا الحجم الواسع من الحريات دخل بجدل مع أحد مواقع الانترنت العراقية (موقع كتابات) وأقام دعوة ضد رئيس هذا الموقع ولم ينس رئيس الوزراء أن يسمي المواقع العراقية على شبكات التقنية الحديثة بمكبات النفاية مع أن هذه المكبات تم الاعتراف بها بقرار الدعوى القضائية التي أقامها ضد صاحب موقع كتابات على خلفية مقال قادم من هذا (المكب).هنالك تشديدات مبطنة وتهديدات موازية للعديد من الكتاب والصحفيين مضمونها عدم الاقتراب من الخطوط الحمر التي يضعها مكتب رئيس الوزراء للناس للحديث عن الحكومة والفساد والعملية السياسية المتعثرة ويبدو أن السيد علي الموسوي الذي يرتبط بآصرة قرابة مع رئيس الوزراء هو الذي يتولى وضع هذه الخطوط وبناءها وصناعتها مثلما يبدو أنه على علاقة بعدد من المذيعين والمذيعات في العراقية الفضائية المستقلة شكلاً العائدة بالمضمون لمكتب رئيس الوزراء.في هذا الصدد تم تحريك وزير ضد صحيفة كما حصل بالدعوى التي أقامها وزير الشباب والرياضة جاسم محمد جعفر ضد رئيس تحرير صحيفة العالم العراقية ولم يكسبها لكن مثل هذا النوع من الشكاوى والدعاوى يعكس مناخاً ضدياً إزاء الصحافة الحرة مستفيداً (الوزير) من وجوده على رأس وزارة يعود ريعها وفيئها لائتلاف الحكومة ورئيس الوزراء.إن إرعاب الساحة الإعلامية بالرسائل المبطنة والتهديدات المباشرة وغير المباشرة دفع العديد من الكتاب والصحفيين العراقيين إلى العمل في الصحافة الإلكترونية هرباً من الصحافة الورقية المباشرة وطلب اللجوء في (تويتر والفيسبوك) ونسي رئيس الوزراء ومستشاروه الذين يزينون له الخطيئة أن هذه التقنية الحديثة هي التي أججت مشاعر الناس في تونس وأغرقت القاهرة بمحيط الثورة المصرية.بعض العقلاء في الساحة العراقية يؤيدون فكرة الانفتاح على الرأي الحر على قاعدة ترك الناس ومشاعرها وما تقول وما تريد وعدم الوقوف ضد جوهر الرأي وهذه المشاعر فقد ينقلب الشارع فجأة على مقال في الفيسبوك كما انقلب الشارع المصري على هدير رسالة مصورة وجهتها شابة مصرية طلباً للكرامة وذوداً عن رغيف الحرية.أخيراً أقول إن الذين يهيئون للثورات الوطنية ويرسخون مظاهر الاعتراض ويرفعون اللافتات عالياً في الشارع ليس الشارع ورغيف الخبز وطلب الحرية بل الحكام الذين يعطون كل المبررات والأسباب المهيئة للثورات كالقمع والسجون السرية ومحاربة الصحفيين والكتاب والإعلاميين ومحاولة إرغام الصحافة على قول ما لا تريد قوله وتبني أشياء في الذاكرة ليس لها علاقة بالواقع وسرقة الدولة ووجود النخبة المستأثرة بالمال وكثرة البطالة وشيوع الفساد وعلى المالكي ألا يكون باستخدامه أسباب التضييق على الإعلام والصحافة والإعلاميين الحاكم الذي يهيء بدلا عن الناس أسباب الثورة المطلبية وشعاراتها.
https://telegram.me/buratha