د.طالب الصراف
ان تجديد الذكرى والمبايعة لثورة الامام الحسين (ع) في هذا العام, وعلى وجه التحديد منذ الايام الاولى لشهر محرم الى اليوم الاربعين على استشهاد الامام الذي تفجرت فيه ثورة الشباب المصرية وذلك في اليوم العشرين من صفر المصادف 25-1-2011 للسنة الميلادية يسترعي ويستدعي انتباه المفكرين والمحللين الى الترابط بين ثورة الطف والثورة التونسية والمصرية وغيرهما من ثورات الشعب العربي التي لاتزال في غليان وثوران والتي ستستئصل الانظمة العربية الفاسدة الاخرى وعلى رأسها النظام السعودي الوهابي التكفيري الصهيوني . فقد تخللت هذه الفترة التي تتجدد بها البيعة لثورة الامام الحسين (ع) احداث وثورات في الوطن العربي كما نشاهدها اليوم في تونس ومصر واليمن والاردن هزت عروش الظلم والطغيان بتلك البلدان. والحقيقة ان استمرار اوار ولهيب ثورة الطف على الظلم والطغيان بدأ منذ سنة 61هجرية- التي استشهد بها الامام الحسين واهله واصحابه (ع) - في تحريك ارادة الجماهير وايقاظ مشاعرهم للقيام بانتفاضات بعد واقعة الطف مباشرة لاسقاط حكومات الظالمين واحدة تلو الاخرى, ودفاعا عن الاسلام الذي ينادي باقامة العدل واحقاق الحق والحفاظ على كرامة الانسان كما اراد الله سبحانه ونبيه وال بيته عليهم جميعا الصلاة والسلام. ولو سلطنا الضوء قليلا على واقعة الطف لرأيناها اكبر مآساة في التأريخ الاسلامي, وذلك باعتبار ان مقتل اهل بيت النبي محمد(ص) بطريقة مفجعة ومذبحة لامثيل لها في سير تأريخ الامم والديانات والانبياء فتح بابا للفداء في سبيل العقيدة الاسلامية والعدالة الانسانية لم يغلق مادام الظلم سلاحا للحكام الطغاة. ان تلك الدماء الطاهرة لم تذهب هدرا اذ اصبحت تلك الدماء الزكية بلاء على الظالمين الى يومنا هذا.وقد ذكر السيوطي في كتابه (تأريخ الخلفاء) مآساة مقتل الامام الحسين (ع) في فصل خلافة يزيد (لعنه الله)وكيف "ان الشمس انكسفت والكواكب يضرب بعضها البعض واحمرت افاق السماء ستة اشهر بعد قتله ثم لازالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله,ولم يقلب حجر بيت القدس الا وجد تحته دم عبيط...", وهنالك كثير من المعاجز والاحداث يذكرها هذا العالم المسلم المعتدل الى حد ما ولو تحدث عنها شيعي لوصف بالمبالغة والغلو. انها ارادة سماوية وكان الامام الحسين (ع) يعرف جيدا بنتائج هذه الفاجعة التي سوف تحل به وعائلته واصحابه وستصبح مآساة لعامة المسلمين والانسانية جمعاء من اجل احياء الدين الاسلامي الذي اراد الاموييون تشويهه وطمس مبادئه واهدافه السامية لولا هذه التضحية الخالدة , وستبقى تأثيرات هذه الثورة تدك عروش الظلم والطغيان ما زال هنالك صوتا للعدالة ومسيرة للحياة كما قال ابو العلاء المعري :
وعلى الدهر, من دماء الشهدين......... عليٍ ونجله, شاهدانفهما في اواخر الليل فجران, ...............وفي اولياته شفقانثبتا, في قميصه, ليجيئ الحشر.............مستعديا الى الرحمن
ففي التعبير (وفي قميصه) الهاء تعود للدهر أي ان دماء الامام الحسين وابيه امام المتقين ستبقى بتلازم مع الدهور والاجيال حتى قيام الساعة وحينها يطلبان النصرة من الله لانه هو المستنصر وهو المعين لما لاقياه من ظلم القتلة المجرمين ليقتص لهما. وهل يُحمل ابو العلاء المعري امة مسؤولية سفك هذه الدماء التي تتنقل مظلوميتها مع الدهر لتكن شاهدة في كل جيل وزمان على تلك المآساة كما نشاهدها ونتذكرها على مر السنين والايام دون انقطاع, او ان ابي العلاء لايقصد هذا المعنى وانما يقصد ان هذه الدماء الزكية الطاهرة هي التي تروي الجسد الاسلامي على طول السنين والدهور منذ اراقتها على ارض كربلاء, فهذه الدماء هي مصداق لما قاله النبي محمد (ص) :"حسين مني وانا من حسين". فدماء الحسين هي التي جعلت الاسلام يستمر الى يومنا هذا فكم من ديانات وكم من الآف الانبياء جاءوا ثم طويت عنا كل اسماءهم واخبارهم, ولكن نبينا (ص) وال بيته (ع) لايزالون في قلوب المؤمنين حتى قيام الساعة, والدليل على ذلك ما نشاهده اليوم من توسع وامتداد للاسلام في جميع بقاع انحاء العالم, كل ذلك بفضل دماء الحسين وفكره المعطاء. فثورة الامام الحسين(ع) على الفساد والظلم وفي سبيل الحق كانت ولاتزال تمورُ وتؤجج وتندلع بنيرانها المسجورة للاطاحة باديولوجية النظام الاموي الفاسد والمنحرف عن العقيدة الاسلامية وكذلك بالحكم العباسي الذي سرق الحق في الحكم من ال بيت النبي(ص) كما يُسرق اليوم من ابناءه الحقيقين ليحل الفساد ويعم بغياب الحق والعدل والكرامة, ولكن الله بالمرصاد للطغاة والمجرمين والفاسدين في العهد الاموي والعباسي واحفادهم في يومنا هذا فانه عز شأنه يمهل ولا يهمل فانظروا ما عمله بالطاغية صدام وقبله شاه ايران واليوم برئيس تونس, وما نشاهده الان من مصير مجهول لحكام مصر واليمن والاردن وغدا سوف تهدم عروش الطغاة الصهاينة والوهابية وعملائهما من الارهابيين الذين سفكوا الدماء في الاشهر الحرم في كربلاء وبغداد وبعقوبة وتونس والقاهرة والاسكندرية وغيرها من المدن العربية والاسلامية, "ولاتحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون".ان مصير وعاقبة هؤلاء الظلمة من الحكام لابد وان تسحقهم الشعوب ويكتب عنهم التأريخ بالخزي والعار وتلاحقهم لعنة الله والجماهير كما هو اليوم في تونس ومصر واليمن وغيرهم من الدكتاتورين.ولكن المؤسف ان هنالك البعض ممن يمارسون السلطة في العراق الجديد ذهبوا الى هؤلاء الحكام القتلة امثال مبارك وملك السعودية وملك الاردن يطلبون منهم المساعدة وهم عاجزون عن مساعدة انفسهم امام غضب شعوبهم, وطلبوا منهم اقرار السلام في العراق ولكنهم لم يستطيعوا اقراره في بلدانهم, وطلبوا منهم ان يقام اجتماع الجامعة في بغداد وهم اليوم لم يستطيعوا اقامته في عواصمهم ,فعلى سياسي عراق علي بن ابي طالب ان يكونوا في دنو وملاصقة وقرب من شعوبهم ويحسنون الظن بالمواطنين وتقديم الخدمات لهم دون تمييز قبل ان توصيهم وزيرة الخارجية الامريكية او الجامعة العربية التي يترأسها عمرو موسى وزير خارجية حسني مبارك السابق, فعليهم ان يخصصوا وقتا للاطلاع وقراءة نهج البلاغة بدلا من سماع توصيات كلنتون واوباما فاين الثرى من الثريا, واين المقارنة بالمعاني والالفاظ السامية التي اطلقها امام المتقين وخليفة المؤمنين علي بن ابي طالب وما يقوله السياسيون الغربيون من كذب ونفاق فهم دائما ليس لهم صديق دائم ولا عدو دائم وانما مصالح واسمعوا اليوم ما قاله رئيس الولايات المتحدة ووزيرة خارجيته وبقية الحكومات الاوربية بل حتى اصدقائهم العرب في نقد حكومة حسني مبارك وقبله حكومة رئيس تونس المخلوع فقد قالت كلنتون:" انها تعبر بقلق عن القوة التي تستخدمها القوات المصرية ضد ابناء شعبها وتطلب منها ان تتعامل مع متطلبات الشعب المصري وتطالب من الحكومات العربية المصالحة مع شعوبها وعليهم ان يدخلوا الاصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الى بلدانهم ." وعلى الحكومات العربية الظالمة ان تعرف ان الدول الكبرى تتعامل مع بقية الحكومات حسب مصالحها ولايهمها من يقود دفة الحكم.وقد حذر واوصى امام المتقين الحكام قبل 1400 سنة ولكنهم في طغيانهم يعمهون اذ كتب في عهده وصية للاشتر:" ثم اعلم يا مالك اني قد وجهتك الى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور. وان الناس ينظرون من امورك في مثل ما كنت تنظر فيه من امور الولاة قبلك, ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم......فليكن احب الذخائر اليك ذخيرة العمل الصالح. فاملك هواك, وشح بنفسك عما لايحل لك, فان الشح بالنفس الانصاف منها فيما احبت او كرهت. واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم. ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلَهم, فانهم صنفان اما اخٌ لك في الدين واما نظير لك في الخلق.....ولا تقولنَّ اني مؤمورُ آمرُ فاطاعُ فان ذلك ادغال في القلب, ومنهكةٌ للدين.... انصف اللهَ وانصف الناسَ من نفسك ومن خاصة اهلكَ ومن لك فيه هوى من رعيتك, فانك الا تفعَلْ تظلِمْ, ومن ظلم عباد الله كان الله خصمَهُ دون عباده, ....وليس شيئٌ ادعى الى تغيير نعمة الله وتعجيلِ نقمَتهِ من اقامة على ظلم, فان الله سميعٌ لدعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد....." فبالله عليكم لو اجتمع البيت الابيض والاتحاد الاوربي هل يستطيعا اصدار مثل هذه الوثيقة التي اصبحت مثالا وقدوة تتحدث عنها المنظمات الانسانية والديمقراطية وحتى هيئة الامم المتحدة. ومن هنا يتوجب على العراق الجديد عراق علي بن ابي طالب الذي نقل اليه الخلافة من الجزيرة العربية الى الكوفة ليدفن في نفس التربة التي اختارها لنفسه كما اراد الله سبحانه فجعل من صحراء النجف عاصمة للمسلمين ومركزا للثقافة وملتقى للعلماء ومحطاً لانظار محبي ال بيت النبي محمد(ص).ان تأريخنا العربي المخزي في كثير من جوانبه يتحفنا ويقدم لنا صورة مآساوية عن كيفية قتل وتعذيب ال بيت النبي (ص) في العهد الاموي والعباسي حتى دكتاتورية صدام التي عشناها عن قريب, فمعاوية وابنه يزيد الفاجر الكافر ومن يتبعهما من المجرمين كانوا يدفنون محبي ال بيت النبي (ص) تحت الارض احياء وكان المنصور العباسي يقيم عليهم البناء فوق الارض, وهذا هو الفارق الوحيد بين العصر العباسي والعصر الاموي بين الخليفة الاموي والخليفة العباسي في طريقة قتل واستئصال ال بيت النبي (ص), وتروي لنا كتب التأريخ العربي انه بعد وفاة الخليفة العباسي المنصور فتح ابنه المهدي بيوتا وجد فيها المئات من القتلى من ال بيت النبي (ص) اما تعذيبا او صبرا من الرجال والنساء والاطفال.واستمرت هذه الملاحقة والفتك باهل بيت النبي (ص) الى يومنا هذا فما لحق ابناء هذا البيت من بطش وتعذيب في الفترات المتأخرة لم يكن اقل مما عاناه ابناء وانصار ال بيت النبي (ص) في العصور السابقة,ولكن انظروا اليوم الى الملايين من زائري الامام الحسين(ع) الذين يأتون من كل بقاع العالم للتبرك والتحالف مع امامهم الى يوم الدين, فلم يُترك ليزيد الا اللعنة والعذاب, وانظروا الى زوار امام المتقين علي بن ابي طالب وابنائه (ع) الذين يتبركون بمقاماتهم الشريفة المقدسة ويتنفسون الحرية بجوارهم وينامون حول مراقدهم الشريفة المقدسة بالعراء يلتحفون السماء ويقاومون البرد القارص وهطول الامطار الغزيرة كما هم عليه طلاب الحرية في ساحة التحرير في القاهرة فالكل متعطش للحرية والعدالة متحدين قساوة الاحوال الجوية وظلم الحكام, بل انظروا الى مقام السيدة رقية التي توفيت ولايتجاوز عمرها ثلاث سنوات ذالك المقام والمزار الشامخ الذي يطل على بيوتات اشراف دمشق ليستضلوا بضلال هيبته وليتقربوا به الى الله سبحانه, فهل بقي لمعاوية وانصاره غير المزابل والنسيان والخزي والعار بعد تلك الهيمنة والثراء الدنيوي والحكم العتيد, وصدق سبحانه بما قال "ربنا انك من تُدخلِ النارَ فقد اخزيته وما للظالمين من انصار". ومن هم انصار يزيد اليوم غير الوهابيين الارهابيين والسراق.وحين ذكرنا ان الزوار يأتون من كل بقاع العالم لزيارة اهل بيت النبي محمد(ص) وخاصة في العراق فلابد لنا من ان نبين الى الاخوة في (مؤتمر الطف الثاني الذي انعقد في الجامعة المستنصرية في 31-1-2011) وكافة المستمعين والمشاهدين لهذا الحفل الذي حضرته الكثير من الوفود الاوربية والاسلامية والعربية والشخصيات العالمية والمحلية, بأن ارض الطف وكربلاء بل وكل بقاع العراق لم تعد اليوم خارطة تتحدد فيها ثورة الحسين وافكاره التي تدافع عن الحرية والعدالة الانسانية كما جاءت في كلمة المشارك في الموئمر البرفسور في الاقتصاد السيد رودني شكسبير من بريطانيا الذي تحدث عن العدالة في ثورة الامام الحسين(ع) ولي الشرف اني كنت احد اعضاء الوفد البريطاني المشارك في مؤتمر الطف العالمي وكذلك الدكتور (السيد ورسي), وقد اصبحت هذه الارض ضيقة وصغيرة بالنسبة الى فكر امام المتقين علي بن ابي طالب ودماء وفداء ابي الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام. الامام الحسين اليوم تتجدد ذكراه وتقام المآتم والاحزان عليه في لندن وباريس ونيويورك بل في كل عواصم العالم والمدن الكبيرة لتلك الدول, واحيانا في القرى النائية في اقصى بقاع العالم حيثما تجد محبا لاهل بيت النبي (ص) الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا, وهنا لابد من الاشارة بان المراكز الدينية والمواكب الحسينية تنتشر على كافة الاراضي البريطانية والبلدان الاوربية من اقصى شمالها الى اقصى جنوبها, ولو اردنا الحديث هنا عن تلك المراكز والمواكب الحسينية وطقوسها ونشاطتها واقامتها على مدار ايام السنة كاملة احياء مناسبات ال بيت النبي (ص) لكتبت عنها رسالة في الدكتوراه عن طبيعتها وحسن المعاشرة التي يهذبها حب الحسين, وطريقة تمويلها بنفسها أي ان التمويل من تلك المجموعات التي تعيش في ذلك المكان دون تدخل أي حكومة في العالم كما هي في طريقة تمويل مرجعيتنا الدينية في النجف الاشرف وقم المقدسة التي تعتمد على انصار الحسين ومحبي ال بيت النبي (ص), واما المواكب الحسينية فانها انتجت نواد ثقافية لشباب اليوم ولاجيال المستقبل, وان المواكب الحسينية اسقطت وثيقة الاحوال الشخصية بين محبي ال بيت النبي واصبحت تجمع مابين تلك الجنسيات كافة التي لايسع ذكرها سواء كانت اوربية او اسيوية او افريقية او امريكية فهذه المجاميع الغفيرة من محبي ال بيت النبي تراها في شهر محرم وصفر بل على كل شهور السنة تتنقل من مكان الى اخر من اجل حضور مناسبات ال بيت النبي محمد, وتبلغ ذروتها في عاشوراء وفي لندن تتجمع الالاف من الجماهير السائرة على درب الحسين ونهجه في ساحة (الهايد بارك), وهنا تتمثل لك كربلاء فهنالك موكب للافغانيين وهنالك للعراقيين وذاك للايرانيين والهنود والباكستانيين واللبنانيين ولابناء البحرين وكذلك لابناء الجزيرة العربية وبقية القوميات, والاعلام ترفرف في وسط لندن ووسائل الاعلام تنقل ماتراه من هذا الزحف الذي يعطل وسائل النقل ويضفي مظهر الحزن والمآساة, ويزداد ذلك المشهد حزنا بتعاطف الاوربيون مع هذا الكارثة الانسانية التي لايتقبل حدوثها العقل الاوربي كقضية تحل بعائلة نبي الاسلام من قبل اهل الاسلام. الحسين في اوربا اصبح رمزا للثورة على الظلم والطغيان,وهذا ليس من باب المبالغة والذي يشهد على ذلك هو ما ترجم الى جميع لغات العالم عن مآساة كربلاء بل اننا نرى ان كتاب وشعراء القوميات الاخرى قد اجادوا واحسنوا في تصوير ملحمة كربلاء فهذا الشاعر مير علي انيس الذي ولد في فيزاباد في شمال الهند قد كتب ملحمة شعرية تحت عنوان (معركة صرخة كربلاء) في لغة (الاوردو) ,وقد تجاوزت هذه القصيدة اكثر من الف ومائة وسبعين بيتا من الشعر, وقد ترجمها الى اللغة الانكليزية الاستاذ David Matthews (ديفد ماثيو) المحاضر في جامعة لندن ولولا قيمتها الادبية والتآريخية لما ترجمت لعدة لغات, وتبدأ القصيدة في مقدمة غزلية تصف الشمس وشروقها ثم كيف يعطي الامام اوامره للقادة, انها من المارثي الرائعة التي تصف ال بيت النبي (ص) وتصور احداث الطف بادق الصور الشعرية المؤثرة, فالسيدة زينب ابنة حيدرة ترى رأس اخيها الحسين المقطوع عن الجسد وعيناه تشخصان الى السماء وشفتاه تنطقان باسم الله جل جلاله. هذه الصور الشعرية المحزنة في اللغات الاخرى لاتقل رقة وجودة عن العربية بل ان شعراء بعض تلك اللغات قدموا صورا اكثر ايلاما وآلاما مما قدمه الشعراء العرب عن واقعة كربلاء كملحمة الشاعرالهندي انيس, ولم يكن المسلمون وحدهم قاموا برثاء شهداء الطف وامام المتقين بل هنالك من غيرهم كالشاعر بولس سلامة الذي كتب ديوانا كاملا بحق ال البيت اذ يقول": لا تقل شيعةٌ هواةُ عليٍّ....ان كلَّ منصفٍ شيعيا واما البرفسور I.K.A. Howard فقد اصبح شغله الشاغل هو التحقيق في الاثار الادبية والتأريخة في كتب مصادر التشيع ومن كتاباته (الصحيفة الساجادية وتأثيرها بعد واقعة كربلاء) (ويوم التروية:اليوم الذي خرج فيه الامام الحسين من مكة الى كربلاء) وترجمة كتاب (اخو النبي محمد الامام علي) ومناقشة (كتاب الكافي ومؤلفه)وغيرها من الكتب والمقالات واصبحت دراسات الشيعة والتشيع من اهم الحقول الدراسية في الجامعات الاوربية والعالمية . وفي الحقيقة ان الادب الشيعي اصبح اثراء وثراء للادب العربي الى درجة جعله اغنى من غيره في المعاني والالفاظ وقد اصبح متميزا عن الادب الجاهلي وبدايات الادب الاسلامي, وحين يرى مفكري الغرب ان الادب العربي خال من المسرح يتراجعون عن ذلك حين تذكر لهم المسرحية التراجيدية لواقعة الطف حتى ان البعض من المتخصصين في النقد المسرحي وتأريخه وضعوا مسرح الطف بمستوى المسرح الاغريقي والصيني وانك لاتستغرب حين ترى ان مسرحية مآساة الامام الحسين (ع) تعرض في المسارح العالمية كما حدث في تورنوتو حيث كان سعر البطاقة الواحدة لدخول المسرح 25 دولاارا وفي مسرح باربيكن Barbican Theater في لندن تجاوزت الدخولية 15 باوند استرليني وقد نفذت البطاقات لكثرة الرواد فما الضير بان تؤسس مسارح تحت اسم الطف لتعرض عليها واقعة الطف بل وكل مسرحية تهدف لتكريس القيم والاخلاق لتبقى ثورة الحسين مستمرة في دماء المسلمين من اجل ارساء الحق والعدالة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. هكذا انبهر الناس بل البشرية جمعاء بمبادئ اهل البيت(ع) في القيم والاخلاق والشجاعة والعدل ومناصرة المظلوم على الظالم, ولهذا فان الكثير من ابناء الغرب الذين اعتنقوا الاسلام اختاروا طريق ال بيت النبي واستلهموا مبادءهم لانهم دعاة سلم ومحبة, ولا تكفير ولا ارهاب في عقيدتهم. واصبحت هذه الشريحة من المسلمين حاضرة في كل المناسبات التي تقام من اجل احياء ذكرى ال بيت النبي محمد (ص) والطريف هنا ان اغلب الغربيين الذين اختاروا طريق اهل بيت النبي في اسلامهم من الطبقات الاكاديمية والمثقفة, وقد رأوا في دراستهم ان بقاء داينامكية ثورة الطف الى هذا اليوم شيئ يحير العقل ويوصف بالمعجزة, فشيعة الحسين وابيه (ع) قد لاحقتهم ضربات قاسية وقد صمم الحكام الامويين والعباسيين وما بعدهم على سحقهم وابادتهم وكادت تتم ابادتهم فعلا لولا العناية الالهية, فذبحوا واستأصلوا وحرقوا ومع كل هذا نجدهم اليوم منتشرين ويتزعمون الجماهير الاسلامية في كل انحاء العالم, هكذا يرى وباستغراب اغلب المتخصصين في التأريخ الاسلامي.
ان دماء الحسين لاتزال تجري في اجساد الشرفاء والثوار الذين يقارعون الظلم والدكتاتورية في تونس ومصر واليمن والسعودية الوهابية وبقية الحكومات العربية التي اذلت شعوبها ونشرت في مجتمعاتها الفقر والفساد كما كان في عهد يزيد ومعاوية وخلفاء بني العباس الذين انشغلوا بالخمرة والدعارة وجنود المغول تحيط في بغداد كما نرى اليوم كيف ان الحكام العرب انغمسوا في المحرمات والاستهتار بحقوق المواطنين وتركوا الحبل على الغراب لاسرائيل تفعل ما تشاء وتفتكوا بابناء فلسطين وتذل الشعوب العربية وخاصة المحيطة بها عن طريق حكامها كما في مصر والاردن والسعودية وسنورة لبنان وابن حريرها الذي دمر البلاد واخذها الى الهاوية لولا صلابة المقاومة اللبنانية بكل فصائلها الشريفة. الا ان هذه الدماء التي سفكت في كربلاء لاتزال تغذي كل المجتمعات البشرية المظلومة متخطية الجنسية والحدود الجغرافية لانها ارادة الله على ارضه وقدره الذي ينشر العدل والحق بين الناس. ولذلك استجابت الجماهير المحرومة المضطهدة الى صوت العدالة الى صرخة الحق الى نداء الامام الحسين (ع) الذي ذهب وحده بارادة الله يقارع الظلم ويجاهد امة جمعها العدوان على اهل بيت النبي(ص) بل على الاسلام اذ خرج للحفاظ على دين جده وابيه وبضعة نبيه فاطمة الزهراء (ع), خرج من المدينة ومكة وسار بقلته المؤمنة وثبت وصمد في معركة الحق امام الباطل ليقدم الشهداء من اهله وانصاره دون ان يروي عائلة ال بيت النبي ماء الفرات ولكن سيل دماءه الزكية روت المستضعفين في الارض منذ استشهاده الى يومنا هذا, فهذا الشعب المصري حين يذهب الى مرقد الامام الحسين في القاهره يصرخ مناديا مستغيثا بالحسين: "المدد...المدد...ياحسين": وفعلا اتاهم المدد كما اتى لغيرهم, فكلمة الحق التي ارسلها الامام الحسين(ع) في العراء وفي الفضاء في كربلاء سوف تدك عروش وقصور الطغاة كما عصفت ببروج ما قبلهم من حكام وعتاة وما ثورة الامام الحسين (ع) الا شعلة انارت الدرب للمؤمنين وعلمتنا كيف نعتنق المبادئ وندافع عنها بالدماء كما كان (ع), علمنا الامام الحسين كيف نعيش ولابد من ان نموت وتعددت الاسباب والموت واحد , وعلمنا الحسين ان نرفض العيش الذليل بصرخته المدوية:"هيهات من الذلة". التي هزمت العدو الصهيوني لاول مرة منذ احتلاله للقبلة الاولى, علمنا الحسين (ع) ان نثور بوجه الطغاة والظلمة الذين جعلوا من الحكم وراثة (كلما مات هرقل قام مكانه هرقل). فلم يأخذ الزعماء العرب عبرة من مصير فرعون وهرقل والاسكندر ومعاوية ويزيد والمنصور وصدام ورئيس تونس المخلوع, والخلع يجري وسوف يستمر ويجرف دون استثناء كل دكتاتوري ظالم, ولو ان الحياة تبقى لحي لكان الانبياء اولى بها وليس الظلمة كما قال الامام الحسين (ع):" فان الدنيا لو بقيت على احد او بقي عليها احد لكانت الانبياء احق بالبقاء واولى بالرضا وارضى بالقضاء غير ان الله خلق الدنيا للفناء فجديدها بال ونعيمها مضمحل وسرورها مكفهر".ولهذا فان الشعوب المسلمة المستضعفة المظلومة التي ترفض الذل رفعت شعار الامام الحسين (ع) في خطبته يوم الطف:"فلا ارى الموت الا سعادة, والحياة مع الظالمين الا برما." فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا. ان الحسين لم يمت, فكل الجامعات العالمية المشهورة تدرس ثورة الحسين وفي بريطانيا وحدها يوجد ما يقارب 30 قسما للدراسات الاسلامية في جامعاتها تقوم بدراسة التشيع الذي يعكس الوجه المشرق للاسلام متمثلا بثورة الحق ثورة الطف بقيادة الامام الحسين. ان احياء ذكرى الامام المعصوم الحسين (ع) تقام في كل قطر من اقطار اوربا وبقية اقطار العالم, الحسين في كل ولاية من الولايات الامريكية الحسين في الصين واليابان والهند وروسيا كلها تعزي الحسين وتكتب عن الحسين وتقرأ مصيبة الحسين في كل لغات العالم, الحسين لم يكن ظاهرة وانما وجود حقيقي بين الجماهير تستمد منه المدد المعنوي وتستمد منه مدد الحياة الكريمة والعدالة والدفاع عن حقوقها, نعم الحسين لم يمت, وصدق سبحانه ما جاء في محكم كتابه:" ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياءٌ عند ربهم يرزقون." صدق الله العلي العظيم.
د.طالب الصراف لندن 9-2-2011
https://telegram.me/buratha