حافظ آل بشارة
اصبحت مراجعة الدوائر وانجاز المعاملات الروتينية اشد وطاة على الناس من أي مشكلة اخرى في بلدنا الملغوم بآلاف المشاكل ، مراجعة اي دائرة معناها انك تخترق حواجز الشرطة او الجيش او قوات من جنس آخر ينظرون اليك بشك فانت متهم حتى تثبت براءتك ، الابتسامة أندر شيء في هذه الاماكن فهي المفقود الاكبر ، يفتشونك جسديا ويسلبونك هاتفك النقال فتثبت عليك التهمة وتدخل الى الدائرة وتتنقل بين غرفها وانت تعيش شعور المتهم ، تريد انجاز معاملتك فتكتشف انك تطارد سرابا بقيعة يحسبه الضمآن ماء ، الجزع يهيمن على وجوه الموظفين والازدحام يزهق الارواح غيضا ، انت تطارد اضبارة محملة بالاوراق والتواقيع والاختام العشوائية من شباك الى شباك ومن باب الى باب ومن وجه متجهم الى وجه غاضب في ممر طويل لا ينتهي يجوبه حشد من المراجعين تتطافر من أفواههم كلمات السباب والشتائم الحديثة والتلميحات السياسية مثل (عاشت ايد التونسيين) (زين سوو المصريين) (صدام احسن ) وبين الحين والآخر تنفجر معركة بين موظف ومراجع على شكل اصوات مختلطة كالصراخ او كمشروع انتحار لاكثر من انسان او كأعلان عداوة وحشية بين قبيلتين ، في مثل هذه الأماكن يمكن للارهابيين ان يجدوا ضالتهم فالتفجير الذي يحدث سهوا في مكان كهذا يحصد عشرات الارواح ، وهو ايضا مكان لتخريب العلاقات الاجتماعية فالموظف عدو للمراجع والعلاقة بينهما علاقة تناقض في الوجود ، والمراجع منافس للمراجع الآخر والعلاقة بينهما علاقة سباق محموم لا يفوز به احد ، في هذا المكان تنكشف العيوب الاخلاقية للناس والتي سترها الله مثل فقدان الصبر وفقدان الوقار وفقدان السيطرة على اللسان في لحظات كلها تساعد على اشعال فتيل الغضب ووضع الانسان امام اختبار اخلاقي يفشل فيه الكثيرون . عذاب المراجعين في الدوائر يكشف صفحة اخرى من صفحات التخلف العراقي الذي يأبى ان يرحل ، صورة لخروج شعب من ميدان السباق الحضاري وبقاءه منتظرا على ارصفة التاريخ ، دول تشبه العراق واقل ثروة منه وفي المنطقة نفسها تجاوزت بسهولة حكاية العذاب الناتج من مراجعة الدوائر وودعت الى الابد اللافتة التي تقول (المراجعة من الشباك رجاء) ، استخدمت الشبكة الالكترونية أو الحكومة الالكترونية ، فقد سخر الله هذه الشبكة لحل مشاكل الناس ، نحن العراقيون عرفنا فقط كيف نوصل شبكة الانترنيت الى جمهرة المراهقين من اولادنا وبناتنا لنبعث فيهم ثورة جنون اباحي ، استخدام مقلوب وهدام وسريع ومتقن لهذه الوسيلة التي وجدت للخدمة ، أصبحت تلك الدول تعمل بنظام الرقم الوطني فلكل مواطن رقم وبطاقة وصفحة الكترونية ينجز من خلالها معاملاته ، يقدم طلباته عبر الانترنيت ويأتيه الجواب عبر الانترنيت ايضا وحتى تسديد الضرائب او سحب الاموال يتم بالطريقة نفسها ، لا جنسية ولا شهادة جنسية ولا بطاقة سكن ولا بطاقة تموينية ولا صحة صدور ولا اختام ولا تواقيع ، تنجز اعمالك وانت في بيتك عبر الشبكة ،متى يتحقق ذلك في العراق ؟ الجواب عندما يتولى الادارة اهلها فقط .
https://telegram.me/buratha