عادل الجبوري
شهدت عدد من محافظات الجنوب والفرات الاوسط من بينها العاصمة بغداد خلال الايام القلائل الماضية موجة احتجاجات وتظاهرات جماهيرية بسبب سوء ونقص الخدمات، والاهمال الذي تعانيه مناطق واسعة من تلك المحافظات رغم مرور ثمانية اعوام على سقوط الصنم وانبثاق النظام الديمقراطي وبزوغ شمس الحرية، وانطلاق سيل الوعود الوردية من قبل الذين امسكوا بزمام الامور في هذا البلد.
وقد ربط البعض خطأ موجة الاحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية الاخيرة في الشارع العراقي بما حصل في عدد من البلدان العربية مثل تونس ومصر وبنطاق اقل اليمن والاردن والجزائر.
واوجه الخطأ هنا عديدة، لان اوضاع وظروف العراق تتميز بالاختلاف في الكثير من جوانبها عن الاوضاع والظروف السائدة في بلدان عربية اخرى من بينها تونس ومصر.
وابرز جوانب الاختلاف هي ان العراق لم يعد منذ ربيع عام 2003 محكوما بنظام ديكتاتوري شمولي، مثل اغلب البلدان العربية، لذا فأن مطاليب الشعوب العربية-وهذا ما لمسناه واضحا في تونس ومصر- لم تقتصر على توفير الخدمات ومعالجة البطالة وتأمين فرص العمل للعاطلين وما الى ذلك من امور حياتية، وانما تعدى ذلك الى المطالبة الواضحة والصريحة بأسقاط الانظمة وزوال حكامها الذي تربعوا على عروشهم لعدة عقود من الزمن وحكموا بلدانهم وشعوبهم بالحديد والنار كما كان الحال مع رئيس النظام العراقي المقبور صدام حسين.
وفعلا تحقق ما كان يريد التونسيون، ويبدو ان المصريين قاب قوسين او ادنى من تحقيق هدفهم برحيل رئيس النظام وزعيم الحزب الحاكم محمد حسني مبارك.
العراقيون تجاوزوا هذه المرحلة، وحتى حينما يطالبون اليوم بالتغيير فأن الخيار لن يكون عن طريق الانقلاب او الثورة او الانتفاضة، وانما وفق سياقات ومسارات الدستور وعبر صناديق الاقتراع، واصوات الناس هي الفيصل والحكم في نهاية المطاف، وان تأخر ذلك الامر قليلا.
الجانب الاخر في الموضوع هو انه بينما كانت معظم -ان لم يكن جميع-الشعوب العربية خانعة وقانعة ومستسلمة لواقعها المر والمرير ، كان العراقيون يقدمون التضحيات الكبرى في مواجهة اعتى نظام قمعي ديكتاتوري عرفه التأريخ الانساني القديم والحديث والمعاصر. بحيث ان التجربة العراقية وتضحيات العراقيين باتت هي النموذج الذي راح يحتذي به العرب وليس العكس.
ولايحتاج العراقيون اليوم ان يشاهدوا ما الذي يحصل في شوارع تونس او القاهرة او صنعاء او عمان حتى يفعلوا ذات الشيء، وليسوا بحاجة الى ان يقتبسوا الشعارات من هناك.
ويتذكر الكثيرون ان محافظات عديدة كالبصرة وذي قار وميسان والنجف وبابل وغيرها شهدت خلال الصيف الماضي تظاهرات جماهيرية عارمة كادت ان تطيح بالحكومات المحلية هناك، بسبب سوء الخدمات لاسيما الطاقة الكهربائية. ولم يكن حينذاك قد خرج مواطن عربي واحد رفع صوته مطالبا بأي شيء، لابتغيير نظام حكمه ولا بتوفير الخدمات وفرص العمل له.
ولم تكن من بين مطاليب المتظاهرين العراقيين لا سابقا ولاحاليا الاطاحة بنظام الحكم، بل كانت المطالبة تنصب الى جانب توفير الخدمات، بمحاسبة المقصرين وابعاد العناصر الفاسدة وغير الكفوءة عن مواقع المسؤولية ، وهذا امر طبيعي في كل البلدان والمجتمعات الديمقراطية.
ويبقى مبدأ التظاهر والاحتجاج السلمي وفق السياقات الدستورية والتقاليد الحضارية والاعراف الاجتماعية شيء ومدى التفات الجهات المعنية واهتمامها بتلبية المطاليب المطروحة شيء اخر، والحديث عن الاخير فيه اكثر من مجال، منها مدى امكانية تلبية المطاليب، والسقف الزمني للتنفيذ، وطبيعة الوعود المطروحة ومصداقيتها، وماذا لو لم يتحقق شيء بالكامل بعد مرور فترة من الزمن.كل ذلك يتطلب نقاشا وبحثا هادئا وشفافا وصريحا على كل المستويات، حتى لانصل الى مواضع حرجة وخطيرة ونصطدم بنتائج كارثية لاسمح الله.
https://telegram.me/buratha