زهراء محمد ويلز -المملكة المتحدة
المنفى .. حروف قليلة.. ولكن تتجسد فيها كل معاني الالم والقساوة ومرّ الحنين خصوصا ان كان فيافيه قد إبعدتك عن أحبة لك قضوا هم في منافيهم داخل الوطن!! ... المنفى كلمة قاسية لا يحس بوجعها وثقلها إلا من رمته الايام فيها؟! فيها مشاعر غريبة ورهيبة بمرارتها.. وألم المنفى ما أوحشه وما أحزنه!! فهو: رفيق عمرك وصنوانه لا تستطيع ان تتخطاه او نسيانه مهما حاولت.. في كثير من الاحيان تحيطك سرابيله من كل النواحي، كمّن يغوص في اعماق البحر وتحملك مياهه ولا تقوى فيه ان تسمع أو تتكلم لكنك ترى صوره فقط؟!العراقيون لهم نصيب الاسد من مرابع المنافي، لا توجد براري في هذه المعمورة إلا وفيها آثار أقدام لهم.. المنفى وان حلى في ناظري البعض..لابد وان تهبط فيه موازين حياتك في لحظات ما الى تحت الصفر؟! كيف؟!.. عندما تجرد من اوراق ثبوتيتك وتجرد من كل ما تملك في غضون دقائق معدودة؟؟!! يأتي من لم تقابله يوما ما قبل تلك اللحظة ويشطب لك صفحات طويلة من حياتك وما بنيته من ثروة ذاكرة وعصارة تاريخك بكل ما إحتوته من فرح وترح وجهد ومشقة، تلك الثروة المادية منها والمعنوية منها والتي شقيت في صنعها سنين طويلة ليأتي من يأتي وعلى حين غرة، من وراء حقده ووحشيته، ويقتلعها من بين يديك مع كل ما خزنّت فيها من حلاوة الذكريات وزاخر تاريخ... ذلك وقتيها يجسّد فيك قمة الانكسار والتحطيم النفسي الذي قد يتعرض له أي إنسان في لحظة من لحظات حياته.كنا نحن العراقييون في نظر النظام المقيت، قطعان يحلو له ان يذبح فينا حينما يشاء.. حتى في بلدنا كنا في منافى!!، وإلاّ ماذا كيف تصف شبان بعمر الورد إقتلعتهم ايادي مجرمة لترميهم في مطامير مظلمة لم يخرجوا منها ابدا؟ منافيهم كانت أبدية لم يخرجوا منها في دنياهم هذه.
وكما يقول شاعرنا الكبير أحمد مطر أطال الله عمره:
قطيعٌ نحنُ .. والجزار راعيناومنفيون ...... نمشي في أراضيناونحملُ نعشنا قسرًا ... بأيديناونُعربُ عن تعازينا ...... لنا .. فينا !!!
التقيت بهذا الشاعر الكبير (شاعر المنفى) في لندن في الثمانينيات في بيت احد اصدقائنا بعد ان اهدانا بعضاً من دواوينه الشعرية النابضة..
المنافي بتعريفها تعني الابعاد عن بقعتك التي ترعرت انت وروحك فيها، في كثير من الاحيان هذا الابعاد يرمي بجسدك بعيدا عن التراب الذي تعودت عليه اقدامك، في كثير من الاحيان كل هذه المسافات ومهما عظمت فهي لا تستطيع أن تطفأ فيك لهيب ذكريات وإن مرت السنين!! ولن تطفأ فيك جذوة الشوق الى أحبتك، ولا ان تحجب صورهم من ناظريك!! والمنافي في كثير من الاحيان تقسو على نزلاءها الى حد ان تنحني فيها هامات وتنكسر فيها قلوب.. ولكن ..لولا رحمة الباري..ولولا فسحة الامل.. ولولا فطرة الايمان..ولولا مواساة الآخرينولولا كلمات من جاوروك المنافي ولولا أن تستقيم هامات بعد ان حناها الدهرولولا شروق الشمس بعد غروبها...ولولا.. ولولا..نصيبنا!؟ .. كان إن هجرنا من بيوتنا ونفينا الى ذلك المجهول.. المنفى بعد المنفى، ولتتسرب فينا بقعة مظلمة ما زالت تأخذ حيزا كبيرا من سنين حياتي، بقعة موحشة في جميع نواحيها ؟؟!!خرجنا صفر اليدين..هجرّنا بملابس نومنا .. مشاعر لن تختفي من ذاكرتي ابدا .. بدأت رحلة المنفى بالسجن ثم رمونا وسط ساحة حرب مستعرة (الحرب العراقية - الايرانية)..عبرنا السهل والجبل والنهر المثلج السريع مرورا باراضي ملغمة.. شاهدت بأم عيني كيف تتطاير اشلاء البشر في الهواء لترتطم بالارض وبقسوة ولا كأن تلك الاشلاء كانت تضج بالنبض والحياة قبل هنيهات قليلة، ولتسقط بعدها كما تسقط اوراق مبعثرة حين تحملها ريح عاصفة، يا ترى كيف ستشتكي تلك الاشلاء لمن وهبها الحياة يوما ما؟؟ وأية بداية لحياة جديدة؟!!.. راينا وسمعنا دوي المدافع ورمي بين الجيشين وكم هو وحشي ورهيبة تلك الاصوات، وصلنا قرية صغيرة غطتها حينها الثلوج، ضيفونا في ذلك المسجد الدافىء.. عالجونا في مشفى القرية الصغير للتداوي،في غضم هذه الاحداث رايت ابي واقفا مذهولاً ينظر الينا نحن البنات الثلاثة وامي رأيت الدمع في عينيه احسست كم هو يعاني لفقد إخوتي وان لم ينطقها لكن عيناه الشاردتان ووجهه الشاحب فضحتا ما حاول أن يخفيه عنّا .. لم يتكلم ابدا وانما ضرب يدا باخرى وهذا لا يفعله ابي الا عندما يكون في غاية تألمه وحزنه.. كنت ارى ابي وامي صامتين، في حزن لم أراهما في مثله من قبل، وانعكس على وجهيهما شدة انكسار القلب بفقد فلذات أكبادهم.. كلما طوينا المسافات ونبتعد عن العراق كنت احس بحزن اعمق .تعافينا قليلا في المشفى انا وامي واختي الصغيرة. بعدها اتانا بعضاً من (حرسهم الثوري) مع رجال من الهلال الاحمر كي ينقلوننا الى اماكن اخرى في عمق الدولة الايرانية.. سارت قوافلنا ومررنا بمدن عديدة منها اصفهان وشيراز، كنا نحس بالغربة، انظر من خلال النافذة الى اناس تلك المدن التى نمر بها ونتوقف فيها في اوقات محددة في الجوامع للصلاة أو لتناول الغذاء. كان الذين يشرفون علينا ذوي اخلاق انسانية عالية. عاملونا بإحترام شديد وأدب جم، فمنهم من يواسينا طول الرحلة بلغته العربية البسيطة، عند وقوفنا للراحة قليلاً كنت ارى الناس ينظرون الينا نظرات شفقة.. كان ذلك يحزنني ويؤلمني كثيراً؟؟ فكنت اقول بالامس كنا مكرمين في بيوت آبائنا واليوم فقدنا اعزتنا وبيوتنا لا لسبب سوى لتفعيل اجندات طائفية وعنصرية مقيتة غريبة طارئة على البلد. خرجنا من قرية (قلقة) الحدودية الصغيرة بملابسنا الرثة وكاننا خرجنا من تحت القبور..وصلنا الى مدينة كرمنشاه فجراً ، توقفنا للراحة، مكثنا فيها لاقل من ساعة ومرت القافلة بمدن اخرى وعند المساء وصلنا مدينة اصفهان نزلنا في مسجد قديم جدا، مسجد ذا زخارف جميلة جداً وانارة ساطعة تلفت النظر ..أحد المشرفين كان يشرح لنا عن تاريخ هذه المدينة العريقة؟! كنت في حزن ولم إكن أبالي بشرحه المسهب.. جلسنا انا واخواتي على مصطبة قريبة من المسجد وكان الجو باردا، والمرض ما زال مشتداً فينا: اختي الصغيرة كانت مصابة بالتدرن الرئوي ولا تقوى حتى على الجلوس، كنا نتناوب على لبس جاكيتة ابي الكبيرة ..وفي بعض الاحيان كنت انا واختي نحشر أنفسنا معا في تلك الجاكيتة لبرودة الجو. عاودت القافلة وسارت بنا ساعات وساعات طويلة بين مناطق جبلية وعرة حتى وصلنا الى مدينة شيراز، المدينة قديمة جدا، جوها كان حارا، ارتحنا لمدة ساعة أو نيف ثم رحلنا الى مدينة جهرم.. آه من جهرم.. هو ..هو المنفى بعينه تضاريسه وحشية.. مناخه قاسي.. تحس انك في بقعة مقلوعة من كل ما جاورها، وكأنها في خصام دائمي معها!! في مدينة جهرم مئات الكليومترات جنوب طهران معسكر جمعوا فيه المهجرّين العراقيون، جهرم تلك حرارتها قاتلة خلال النهار، تضج أرضها بانواع الحشرات والحيوانات، تحيطها من بعيد سلسلة جبال عالية وليلها بارد جدا.. مشاعر لا يسعفك أي كلام في وصفها، الكل فيها يلعن صدام واجداده طوال الاوقات. كان في استقبالنا مشرفين من الهلال الاحمر فقلت لاحدهم اين نحن من هذا الهلال؟؟ فقال ربما نبقيكم لفترة غير محددة حتى يأتي من يكفلكم للخروج من هنا ؟!! فقلت وان لم يأتي احدا ماذا سيكون مصيرنا؟؟ فبتسم قال انا اكفلكم.. فقلت له ومن يكفل هذه الجموع المؤلفة؟؟ فقال زهراء اشكري الله لسلامتكم من يد صدام!! خيمنا كانت مرتبة في صفوف متوازية وكأنك في معسكر لاسرى حرب. منظر يمزقك..لا يتحمله الوجدان، لم يكن هناك من بد!! خيم من (جادر) ثخين تريشها علامة الهلال الاحمر. ارضية عارية: تراب وحصى وأحجار صخرية!! اما الحمامات على شكل مجموعة وتبعد حوالي نصف كيلومتر او اكثر ؟؟ الماء فاير في الصباح وبارد عند المساء، في الخيم بطاطين كبطاطين العسكر فرشنا الارضية الصخرية بها.. احد المشرفين تكلم مع ابي وقال عند المساء تأكد من إن ستار مدخل الخيمة محكم لانه هناك كلاب وحشية سائبة.. عند حلول الليل تسربت عتمة شديدة جداً، وحشية لا تخففها إلاّ لمعان تلك النجوم في بطن السماء.. وكان هناك بين مسافة وأخرى فانوس صغير يكاد لا يضيء شيئاً حوله!..نمنا ليلتنا الاولى على الحصى الصخرية بعد ان أخذ منا البكاء مأخذه والتعب والانهاك هدّا أجسادنا.. رأينا مهجرين منذ سبعينيات (القرن الماضي) ما زالوا في تلك المخيمات من اهالي الكوت والعمارة اصولهم من الكرد الفيلية...وبعد أسابيع طويلة جاءنا بعض الاصدقاء والاقارب الذين هجرّهم صدام قبلنا وكفلوّنا واخرجونا من هذا المعسكر الذي لا تشبه قساوته أية قفار من قفار الارض؟؟ رحلنا الى مدينة طهران افترقنا عن بيوت اعمامي حيث توزعنا، كل عائلة أحتضنتها عائلة من اقاربنا.. منفاً آخراً قد بدأ ومعه تساؤلات في الافق: اين سنسكن وبماذا وكيف؟؟ جردنا من كل شيء..لا يخفف عنك تلك الوحدة وصفعة القدر إلاّ دفء اخلاق أقاربنا وحنيتهم، هم أيضاً خبروا هذه الخطوب.. كانوا يبكون لبكائنا، يحزنون عندما نحزن، يفرحون عندما كنا نفرح (مع قلته)، امي كانت تبكي بصمت حتى لا تحسسنا أكثر، اتى خالي والذي كان قد هجر قبلنا عندما رايته تفجر الدمع فينا وصرخت فيه: يا خال أنظر ماذا حلّ بنا!؟ .. ياخال اخذوا مصطفى وابراهيم وفاضل، خالو تركنا صغيرنا زهيراً يبكي عندما فرقونا عنه هناك في بغداد، حضنني وهو يجهش في البكاء..لا زالت حشرجات بكائه تدق مسامعي حين أتذكر المشهد ذاك.. خاطبني خالي رحمه الله: بنتي يا زهراء لكم في الحوراء وسبايا أهل بيت سيد الشهداء أسوة، إبنتي المصيبة تتشابه.. صوت بكائك يا زهير مازال في وجداني وقلبي ولن تمحيها مرارة جرعات المنافي. بعد اشهر زارنا شخص من أحدى المنظمات الانسانية التي كانت تتفقد احوال المهجرين لإخذ البيانات فقط لا غير، بعدها بأيام زارنا مجموعة من المسؤولين وعرضوا علينا بيوت مجهزة في مناطق راقية وجميلة من ضواحي طهران حيث اخذوننا الى هناك: بيوت فارهة، حدائق غناءة واشجار مثمرة..؟! دخلنا تلك البيوت والمجهزة، حتى صور ساكنيها كانت ما زالت تزيين الجدران؟؟!! تذكرت صورنا عندما اردت ان اخذ صور اخوتي منعوني من اخذها لانها عائدة الى الحكومة كما قاله لي ذاك القذر...أبي واعمامي في لحظتها أبدوا إمتعاضهم ورفضوا أن توهب لهم بيوت آخرين ليسكنوا فيها؟! خرجنا رغم قسوة الايام على ابي واعمامي، رفضوا تلك المساعدة وبينوا لهم بأدب بإستحالة ان نسكن في تلك البيوت المغصوبة وقتها..وفي خلال عودتنا في شوارع طهران. كنا نرى جنائز لجنود قتلى الحرب العراقية الايرانية تسير في مواكب حزينة وترى اهاليهم ينثرون أكاليل الورد على توابيتهم؟!.. يجول في بالك مليون سؤال وسؤال: لماذا قتل كل هولاء الشباب وبأي ذنب؟؟ ومن هو المسؤول الاول؟؟المهم، بعد ان رفض ابي واعمامي السكن في هذه البيوت بقينا ضيوفا عند الاقارب على ذلك المنوال لاشهر طويلة....وبعدها هرع لمساعدتنا اخي الكبير الذي كان وقتها في احدى الدول الاوربية، تمكنا من إيجار بيت صغير جدا خارج طهران وعلى سفح جبل. وكذلك اعمامي الثلاثة بيوتهم لم تكن بالبعيدة عنا ...من الطابق العلوي لبيتنا الصغير كنت انظر الى مدينة طهران تحتنا بأنوارها البراقة... وفي احد الليالي (حين كانت الحرب الطاحنة بين العراق وايران في أوج ضراوتها) كنت انظر من خلال النافذة الى طهران التي ليلتها تلك كانت تسبح في ظلام دامس على غير العادة؟! نزلت مسرعة لوالدي وقلت له ابي اعتقد انه هناك شي مريب!! .. اطفئنا الاضوية بدورنا وماهي الا دقائق قليلة ونسمع دوي انفجارات هائلة كانت مخيفة ومرعبة جداً..وهذا مما زاد من توتري وانهياري (وقتها بدأت ما إصطلحوا عليه حينها بحرب المدن!!)..وبعدها بايام أتانا شخص طرق بابنا وقال اخرجوا من بيوتكم الليلة؟؟ وإذا القصف الجوي على اشده تلك الليلة.. عزمنا وآخرين على الرحيل فتجمعنا وبيوت اعمامي ورحلنا الى منطقة بعيدة عن طهران.. ولجأنا الى مزار او مسجد قديم وتاريخي مهجور ..دخلنا هذا المكان جميعا.. حل ليل دامس وبرد قارس والمسجد لم تكن فيه باب وكانت بعضاً من حيطانه مهدمة (كنت قبلها ايام بغداد قد حلمت باننا نهرب وندخل الى مسجد مهجور، ولكن لم نستطع البقاء فيه، لانه في الحلم أخذت دودة تنخر وتأكل الكتابات على جدران ذلك المكان!!) .. وبدا القصف وصوته المرعب يقترب رويدا رويدا مما هسترني ..فقلت لوالدي ان متنا خلي نموت في بيوتنا الصغيرة .. فقدنا اخوتنا وفقدنا كل شيء على شنو انعيش؟.. رجعنا الى بيوتنا بعد أيام.. وبعدها سمعنا انه حتى ذلك المزار لم يسلم، سوّي بالارض من جراء قصف جوي عنيف تذكرت حلمي وقلت تلك (دودة الارضة) التي كانت تأكل الكلمات المكتوبة على حيطان المسجد !! يعني لو بقينا ليلة أخرى لقتلنا جميعا دون ان يعلم بموتنا احدا؟؟!..تراكمت علينا الاحزان، تدهورت حالتي النفسية والصحية كثيرا حتى لم أعد استطع ان اكل الطعام.. وهذا ما أقلق ابي وامي جدا وانساهم مصيبتهم باخوتي كما كانت تقوله امي رحمة الله عليها.. فكانت تبكي كلما تنظر الي ؟!تتوسل زهراء انت نور عيني هذه هي قسمتنا في الحياة وهذه هي حكمة رب العالمين.. فكنت اصرخ قولي لي اين الحكمة في ذلك؟؟ فكان ابي يقول زهراء بنتي احنه مو أغلى من أئمتنا حين فقدوا اولادهم وديارهم والغالي والنفيس .. فكنت ابكي اقول له: بابا هولاء أئمة وأيمانهم ليس كباقي البشر ولهم رسالة ويجب ان توصل.. فما هي رسالتنا نحن؟! نحن قتلونا وذبحنا وهجرونا ومزقت حياتنا؟! لا لذنب ولا لرسالة!!..فقال انت ايضا عندك رسالة..طاغية مجرم سبى العباد بجرمه ودمويته.. تلك الرسالة يجب ان تكتب وتظهر على الملأ .. لتنوّر الطريق للأجيال القادمة؟؟.حينها كنت في ثورة غضب وحزن.. ولم أستوعب كل ذلك الكلامفهمت كلماته وماكان يعنيه والدي رحمه الله.. بعدها بسنين طويلة
بعده خرجنا انا وابي للعلاج الى المملكة المتحدة وسكنا عند اخي الذي كان يدرس في أسكتلندا..وقفل أبي بعدها راجعا الى طهران ..توفي ابي بعد اشهر ودفن في منفاه في ايران؟! والدي ترك لي تركة من المواعظ والاحاديث نورّت طريقي واضأءت مستقبلي ومنها علمت اولادي الكثير الكثيرلفّ الحزن والدتي ودفنت هي أيضا في المنفى خارج لندن؟! وتوفي أخي ورفيق عمري في غربتي.. ووري الثرى بمنفاه! ومثواه في مقبرة السلام في النجف بعد غربة طالت اكثر من خمسة وثلاثين سنة..ولم أر قبره للآن؟؟ وقتل اخوتي الاربعة في العراق على يد جلادي البعث! فربما منهم من إحتضنته قيعان دجلة!! ومنهم من توسدتهم رمال ساخنة في صحاري العراق..ربما؟؟ وووما زال قلبي يبحث عنهم؟قبور تفرقت بين منافى وأوطان؟؟يا أبتي أين الحكمة في ذلك؟يا ربي سبحانك يارب الاكوان؟؟...وفي وطني كان لي أخوة، أربعة منهم.. ولدوا.. ليكونوا بعدها أرقاما عبثية؟ في مقابر تسلى بخلقها طاغية.. وندعوها الآن.. بالجماعية!!وكثير مثلهم في العراق قضوا بعين نصول تلك الآلة الهمجيةفعذراً.. عذراً يا أبتاه.. لأوقظك في قبرك!!.. لاسئلك: الحكمة فيها يا أبتي.. ما هي؟
ولعلّي أجد بعضاً من الجواب على سؤالي الملّح هذا الذي ما عاد يفارق قلبي.. أقول لعلّي أجده في خواطر من بين أبيات الشاعر المرهف أحمد مطر، في قصيدته: علامة الموت!
يَومَ ميلادي تَعَلَّقْتُ بأجراسِ البُكاءْ فأفاقَتْ حُزَمُ الوردِ، على صوتي وفَزَّتْ في ظَلامِ البيتِ أسرابُ الضِياءْ وتداعى الأصدقاءْ يَتَقَصَّونَ الخَبْر ثُمَّ لَّما عَلِموا أنّى ذَكَرْ أجهشوا .. بالضحك قالوا لأبى ساعةَ تقديمِ التهاني: يا لها من كبرياء صوتُهُ جاوزَ أعنان السَماءْ عَظَّمَ اللهُ لكَ الأجر على قَدْرِ البَلاءْ !
أقول.. نعم يا أبتاه عظم لك الاجر فيهم.. يا ترى أكانت تلك رسالتك؟
https://telegram.me/buratha