علي المالكي
بعد ساعات قليلة من إلقاء الرئيس المصري السابق حسني مبارك خطابه من على شاشة التلفزيون المصري والذي أعلن فيه تمسكه بمنصب رئيس الجمهورية وعدم انصياعه لمطالب الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير وسط القاهرة ... حتى هبت الجموع المليونية من كل مدن وحارات وأزقة القاهرة "الفقيرة والغنية" لتلتحق بركب الثوار ، وتعلن غضبها العارم على نظام مبارك ... الذي فقد شرعيته أمام شرعية الجماهير التي أطاحت بدستوره وأحكامه العرفية المطبقة في البلاد منذ أكثر من ثلاث عقود قضاها مبارك على سدة الحكم في بلاد النيل بمصر .وبلغت انتفاضة الخامس والعشرين من يناير أوجها في ميدان التحرير ليلة الحادي عشر من فبراير ، وخرجت مصر برجالها ونسائها وشيوخها وأطفالها ، من كل مدنها وقراها في اكبر تجمع لم تشهده البلاد من قبل ، لتعلن يوم الغضب الحاسم على نظام العقود الثلاث التي أدار فيها مصر بسياسة الترهيب وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات ، وفي هذه الفترة الزمنية من تاريخ مصر عجت سجون البلاد بمختلف الشخصيات السياسية المعارضة ، وزادت رقعة الأحياء الفقيرة ، وبلغت أعداد العاطلين عن العمل جيوشا أرهقت الوطن وأتعبت كاهل المواطن نفسه .ومنذ أكتوبر عام 1981 حتى فبراير عام 2011 شهدت مصر تحولات كثيرة على صعيدها الداخلي والخارجي ... بدأت هذه التحولات بوصول نظام مبارك إلى سدة الحكم في فترة شهد الجميع فيها إنها من اهدأ الفترات التي مرت فيها بلاد الأهرام ، ومع مرور الأيام بدا ينمو نظام الرجل العسكري الذي سيطر على جميع مفاصل الدولة ، واحكم قبضته على كل منافذها ليؤمن له ولنظامه فترة سياسية أطول يكون فيها بمنأى عن الانقلابات السياسية والعسكرية التي تعودت عليها مصر ... وطوال العقود الثلاث شهدت مصر سياسيا حالة من الاستقرار المبطن بنفوذ القوة التي فرضها الحزب الحاكم على مفاصل الدولة المختلفة ، وغيب صوت الشعب في مجلس الشعب الذي يعد السلطة التشريعة الأعلى في مصر بعد انتخابات سلسلة تحقق "في كل دوراتها" الاغبية المطلق للحزب الحاكم والذي يقف مبارك على هرم السلطة فيه ... وطوال الفترات الماضية واجه نظام مبارك خصومه السياسيين بقوة الإعلام الموجه تارة ، وقوة التغييب والاعتقالات تارة أخرى ... حتى أصبح الحديث عن النظام تهمة يخشاها المصريون حتى بمجرد الحديث مع أنفسهم .وفي الخامس والعشرين من ينار عام 2011 شهدت مصر اكبر انتفاضة جماهيرية متحضرة ، بدا قادتها التحضير لها على مواقع الانترنت وصفحات الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى لتكون بحق الثورة الالكترونية الأكبر في بلاد العرب ومنطقة الشرق الأوسط التي تعودت على لغة الدم في تحولات الأنظمة الحاكمة فيها ... ولم يكن في بال مبارك الرجل الثمانيني أن ينتهي وجوده السياسي من مصر بتنحي أرغمه عليه شبان الانتفاضة البيضاء عندما سطر أبطالها أروع معاني الوطنية العليا والتي حفظت كرامة البلد وأعادت هيبة المواطن المصري وأرغمت حلفاء النظام المتنحي على الوقوف لها بكل إجلال واحترام وتقدير .ولم تشفع التعديلات الدستورية وإنهاء حالة الطوارئ لمبارك ماتبقى من قترة حكمه أن يقضيها على سدة الحكم ... فجاء تنحيه بالرغم لابالرضا ... من على شاشة التلفزيون المصري وعلى لسان نائبه عمر سليمان في خطاب مختصر أعلن فيه للمصرين في داخل ساحة التحرير وخارجها ولكل العالم في بقاع الدنيا اجمع ، إسدال الستار على نظام شغل العالم بأسره طوال الأيام المنصرمة ، وأعلن تمسكه بقوة الحكم مستندا على إرادته التي غلبتها إرادة الجماهير الغاضبة في نهاية المطاف ... رحل مبارك ولم ترحل معه تطلعات المصريين بحياة جديدة تضمن لهم نظام التكافل الاجتماعي ، والقضاء على حالة الفروقات الطبقية التي عانت منها مصر طويلا ، وإجراء الإصلاحات السياسية ، وإلغاء حالة الطوارئ التي كلفت المصريون الكثير .وفي الحادي عشر من فبراير سقط مبارك ، وهوت أسطورته المستوحاة من واقع الظلم المخيم على شعوب المنطقة المتطلعة توا لأبجدية الحياة ورفاهية العيش التي لاتاتي إلا من خلال الدماء التي ستبقى عنوان التغيير في كل مكان .
https://telegram.me/buratha