عباس المرياني
بين طهران والقاهرة مسافة واسعة وشاسعة من الجبال والبحار والمشاكل العالقة منذ أيام انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة العظيم الراحل الإمام الخميني واستقالة شاه إيران المخلوع ونزوله ضيفا مكرما في ارض الكنانة ووقوف مصر بكل تاريخها وغرورها مع نظام البعث المخلوع في حربه ضد الجارة إيران والتي استمرت طوال ثمانية سنوات أحرقت الحرث والنسل.ولم يتوقف توسع الفجوة الدبلوماسية والسياسية والعقائدية بين الدولتين فمصر حسني مبارك نظام علماني متمرد على القيم الإسلامية وعميل سوبر ستار عند الأمريكان وصديق وفي وودود للصهاينة ومعادي في كل الأوقات ومرعوب حد الهوس من الهلال الشيعي القادم من الشرق.على العكس من كل ذلك إيران الدولة الإسلامية الفتية بنشأتها العميقة بعقيدتها وتشيعها وتاريخها وعدائها لأمريكا وبريطانيا وإسرائيل.والأكثر من كل هذه المتناقضات التي تفرق بين الاثنين عوامل التحميل الخارجي والإقليمي التي تمكنت من تعميق الفجوة بين البلدين فمصر العروبة بعمقها العربي وثقلها الممتد من تزاوجها مع حلفائها لا تقبل ان يكون لها منافس في المنطقة العربية والشرق الأوسط خاصة وان شرق أوسط عربي بدون منافسة من إيران أفضل بكثير من شرق أوسط مرعوب من الهلال الشيعي واحتمالية التمرد على القوى الخارجية وإسرائيل ..كما ان إسرائيل جربت الصراع مع العرب واستطاعت ان تكسر شوكتهم في كل منازلة وفي نهاية المطاف فان مصر رأس الرمح في المنطقة من أفضل الأصدقاء والحلفاء للأمريكان والإسرائيليين وبينهم من المواثيق والعهود مالم توقعه الدول العربية بينها.كما ان الإعلام الغربي نجح في توصيف إيران ونجاح الثورة الإسلامية فيها بالمصدرة للثورة الشيعية وولاية الفقيه وسخرت من اجل ذلك الأموال والشعوب والحروب.اليوم وبعد أكثر من ثلاثين سنة على نجاح الثورة الإسلامية في إيران يخرج ملايين الإيرانيين الى ميدان طهران للاحتفال بذكرى انتصار الثورة الاسلامية وصمودها ضد كل المؤامرات الداخلية والخارجية في المقابل يخرج ملايين المصرين الى ميدان القاهرة للمطالبة بإسقاط حكومة مبارك المترنحة تلاشت معها كل المسافات التي صنعها الاستكبار العالمي وصدق بها وأرادها الخانعين والمجرمين والعملاء.الانتفاضة الشعبية في مصر ستطيح بكل الاتفاقيات السياسية والاقتصادية الموقعة من قبل مبارك مع أمريكا وإسرائيل ولن تتمكن أمريكا من فرض خياراتها على واقع الثورة الشبابية رغم تخليها عن صديق الأمس العزيز في محاولة منها لسباق الزمن ووضع قدم في المرحلة اللاحقة.وقد يكون أكثر خسارة من أمريكا في المنطقة من سقوط نظام مبارك هي الأنظمة العربية التي لم تترك لها مجالا للتراجع عن مواقفها السابقة ضد إيران والاعتماد الكلي على مصر في مواقفها السابقة.بدون ادنى شك سيكون العراق وايران فرس الرهان في الشرق الأوسط للمرحلة القادمة وعلى جميع من اساء وتنكر لمنطق الحق ان يعود الى بيت الطاعة ولن تكون مصر شرطي المنطقة في قادم السنوات المقبلة حتى تتمكن من إيجاد قوة اقتصادية تعينها على حل مشاكلها الكبيرة والتي لن تنتهي برحيل مبارك.
https://telegram.me/buratha