وليد المشرفاوي
تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام من 12-17 ربيع الأول أجواء مناسبة هي من أعظم المناسبات , حيث ولادة فخر البشرية , سيدنا ومنقذنا من ظلمات الجهل والتخلف ألقيمي , إلى نور العلم والهداية ,وسمو ورفعة الإنسانية. وإذا كان خالق الخلق عز وعلا , يشير إلى مقام المصطفى(ص) في كتابه العزيز , فان أي مظهر للتجزئة والتشتت وتقطيع لأوصال هذه الأمة الواحدة إنما يعبر عن خروج على الجادة السليمة...وعن حالة تخلف عن بلوغ الحالة المثلى المطلوبة لها... في أن تكون امة واحدة بما لهذه العبارة من معنى. وإذا كان جميع من انتسب إلى الإسلام يعبر عن حبه ومودته واقتداءه وتأسيه في رسول الله(ص) فان اصدق القائلين بذلك هو من لم يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض بكل تأكيد...أي بكلمة أخرى يتجاوز الحدود والسدود العرقية والقومية ويوطن نفسه لقبول الآخر والتخلص من العنعنات الجاهلية وتدريب النفس على المحبة التي تسع البشرية في إطار امة الإسلام الواحدة...ولعل من دعوا إلى تسمية الفترة ما بين يوم 12 من ربيع الأول بحسب رواية أهل السنة ويوم 17 منه بحسب رواية الشيعة عن ميلاد النبي الهادي أبي الزهراء محمد (ص) بأسبوع الوحدة هم السباقين لأدراك هذا المعنى ...لتكون هذه المناسبة مثابة لقراءة متأنية وموضوعية لغايات الإسلام السامية وكنقطة انطلاق بمسيرة تصحيحية وكرد موضوعي على الحالة التي تعيشها الأمة من تخلف وانحطاط وتجزئة إلى إعادة صياغة ثقافة موصولة الخيوط والوشائج بروح محمد(ص) والارتشاف من معينه الصافي الذي لاينضب أبدا ...والذي لا يعكر صفوه توالي الدهور ...ولا تغير من حقيقته البشرية القاصرة ...والأهواء والمصالح الآنية الضيقة , إن القران الكريم بشمولية معالجاته كتبيان لكل شئ والسيرة النبوية العطرة والسنة المطهرة بما هما ترجمة عملية لمفردات النظرية القرآنية الكريمة ... هما الشاهدان على كل اجتهاد ورؤية وسلوك وان من يؤكدهما كضمانة لإتباع هذا الاجتهاد والتمسك بهذه الرؤية والاقتداء بهذا السلوك هو من أصاب كبد الحقيقة وكم كان ذلك جليا في تذكير الإمام الصادق (ع) بقوله:(ما أتاكم عنا فاعرضوه على القران فما ائتلف معه فخذوا به وما تعارض معه فاضربوا به عرض الحائط) أما يعرض ذلك على المذهب المعين والشخصية المعينة والسلطان المعين فهذا ما يجعل من هذه المسميات هي الشاهد وليس القران والسنة وذلك أول الوهن...! لم يرد في القران الكريم مطلقا تفضيل لقوم على قوم مطلقا ولا تفضيل لفرد على آخر مطلقا إلا بالتقوى وحسب...ولم نجد في سيرة المصطفى(ص) إلا ما يتفق مع تلك الرؤية القرآنية بكل تأكيد وإذا كان إحياء المناسبة العظيمة هذه من خلال أسبوع الوحدة يتم في أوساط شعبية وحسب...إذ تبدو اغلب الأنظمة السياسية في المنطقة الإسلامية في منأى عن التفاعل مع هذا الطرح , وهذا يؤكد إن تلك الأنظمة هي جزء من المشكلة ... ولا يمكن لها أن تكون جزءا من الحل...فإذن هي مسيرة شعبية سيكون للمرجعيات الدينية والمراكز والجمعيات والمفكرين والكتاب والأدباء الدور الكبير في تجذير هذه الرؤية في النفوس... مع الأخذ في الحسبان معارضته مراكز القرار السياسية العالمية الشديدة لمثل هذا التوجه... وإنها لم تتوان أبدا في تسخير كل إمكاناتها لوأده...طاعة لإلهة المصالح الدائمة ...ولا مراهنة حينئذ إلا على وعي الأمة لواقعها ... فهي الوسيط الوحيد الذي به ومن خلاله تحيا وتموت المشاريع. والأمة في حالها الحاضر أمام مشروعين لا ثالث لهما فمشروع أسبوع الوحدة ومنطلقه محمد(ص) والمصالحة بين أبناء الأمة الواحدة ليعودوا إلى وحدتهم كما رسم القران الكريم صورتها وجسد سيد المرسلين (ص) واقعها... ومشروع المصالحة مع المشاكل والأمراض والاستعمار والتجزئة وإسرائيل الغاصبة منطلقها والغرب المستعمر من جسد واقعها...ولا اعتقد ان هناك من يتلبس عليه التقييم والتمييز بين ما هو حق وباطل وصالح وطالح ,وان كلا المشروعين في حالة اشتباك فعلي على مستويات متعددة , والحرب بينهما سجال ...ولهذه الحرب صفحات يومية على صعيد التحركات السياسية والعروض الإعلامية , ولا يمكن لأبناء الأمة الإسلامية تجاهل هذه الحرب القائمة والتي أتيح لأغلب الناس الاطلاع على تفاصيل جولاتها من خلال عشرات الفضائيات التي وجدت لها شاشة في كل بيت ... وبانحياز الناس الواعي وبتعاطف مع المشروع الحق هو الذي يؤشر انتصار الأمة ولو في أولى جولات مسيرة الصراع الماراثونية .... وإما صياغة الموقف على أساس اللاوعي أو اللامبالاة فلا يؤشر إلا إلى مزيد من تقهقر الأمة وانحطاطها ...هل يمكن لمسلم وعربي تجاهل الاهتمام الغربي بمنطقتنا الإسلامية والعربية منها بشكل خاص ...وهل يمكن له الغفلة عما وراء هذه الزيارات شبه اليومية للمنطقة بمقدار لم يوفق كل منا لزيارة أقرباءه وأعزاءه ...بمستوى ما يبدون من تفقد وتواصل ؟ لكن ما يدعو ابسط إنسان في وعيه إلى الريبة الكبيرة هي أنها تتم على شكل زيارة الإقطاعي لفلاحي مزرعته ...بدليل أنهم لم يكترثوا بمراعاة مشاعر الأمة ... حين يجاهرون وعلى مسمع ومرأى في حبهم لإسرائيل الغاصبة... وحرصهم على اعتبار أمنها من أمنهم الخاص... وعلى حساب ماساتنا وآلامنا غير إن حالة الوعي المطلوب تصطدم مسيرتها بحواجز منيعة تحول دون بلوغ المنى منها خافية الحرمان على كافة صعد حياة أبناء الأمة كفاتورة دفعتها نتيجة استسلامها لواقع سياسي ظالم تتجسد فيه التبعية والتخادم مع الأجانب من جهة والديكتاتورية والاستبداد والتجهيل لأبناء الأمة مما يورث انخفاضا في مستوى الوعي ومنها الأنظمة السياسية الحاكمة كما وصفت سلفا بأنها جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل واعتقد إن هذا الوصف يغني عن التفصيل ....وهناك مانع قوي آخر هو المانع الطائفي المرتبط جدليا بالمانعين السابقين والذي أفضى إلى صياغة مشاعر مضادة في الوسط الإسلامي ....فأني مثلا لا اتبع ذلك المشروع على صحته لان رأيته سنيا مثلا أو شيعيا , وليت الحال تقف عند هذا الحد ...أن لم أجد من يشرعن لي (الجهاد) ضد هذا المشروع وان استنجدت بالكافر على المسلم ...! إن هذا الثلاثي لهو أس داء فرقة الأمة وتخلفها وإحباطها ولا يمكن مطلقا لفكر سياسي ارضي من أن ينتصر ويأخذ بأيدي أبناء الأمة الإسلامية إلى تجاوز هذه الحواجز والبلوغ بها إلى حيث شواطئ النجاة .... ولم يعد تخريب الأفكار الأرضية إلا تعبيرا عن إفلاس التاجر ليحاول معالجته في تقليب دفاتره العتيقة ... وعلى فرض نجاح الأطروحات الأرضية في جانب فإنها ستفشل في جوانب أخرى بلا أدنى ريب.... فقد ينجح فكر ما بإكساب الأمة بعدا حضاريا غريبا... لكنه يفقدها أبعادها الأخرى لا سيما الجوهرية في وجودها ومستقبلها وأخراها ...ومنها بعديها العقائدي والأخلاقي وما يرتبط بهذا الفقدان من نقص مناعة وإصابة بإمراض فتاكة لم يكن لأحد قد حسب لها حسابا...!إذن ليس أمام الأمة إلا العودة الحقيقية إلى ذاتها ... ورسالتها الإلهية ذات الأبعاد الشمولية لكل زمان ومكان والواقعية المتسعة مع قابليات وقدرات الإنسان والربانية السامية المترفعة على جهل وخور وضعف الإنسان . وان أولى ما يولج من الأبواب لبلوغ هذه الغاية هو باب محمد (ص) انطلاقا من يوم ولادته ومن خلال أسبوع الوحدة ....أسبوع المحبة والتآخي... فليكن أسبوع الولوج إلى نبع الإخوة الإيمانية , وليكن منتدى الانفتاح على الآخر وقبوله ... وليكن باب تفهم لمعاناة الأخر ومواساته مشاعريا ... فتوحيد الرؤى مدين للمشاعر أن تنسجم ... والاثنان مدينان لفهم حقيقي لمدلول أسبوع الوحدة أسبوع إحياء ذكرى ولادة المصطفى (ص) لأنه دالة الهداية.
https://telegram.me/buratha