محمود الربيعي
يشهد العالم خلال المرحلة الراهنة تظاهرات وإعتصامات وثورات شعبية جماهيرية بيضاء رغم تباين وجهات النظر فيمن يقف وراء هذه الأحداث ورغم تجاوزات بعض العناصر المجرمة التي لاتتمتع بحصانة وطنية شعبية راح ضحيتها بعض الأبرياء من أبناء الوطن! فمن قائل يقول أن الولايات المتحدة والعالم الغربي يقف وراءها ليَسْتَبْدِلَ الأنظمة الدكتاتورية بأنظمة حكم تتبنى الحالة الديمقراطية ومعها الفوضى وذلك بالنظر لعدم جدوى السياسات الدكتاتورية للأصدقاء خصوصاً بعد أن أصبحت هذه الدكتاتوريات لاتلائم التغير الذي حصل لطبيعة الإنسان المعاصر، ولأن هذه الدكتاتوريات أصبحت مصدر نقمة على بعض الدول الكبرى.
ويبدو أن الدول الكبرى تسعى لإستبدال جميع الدكتاتوريات دفعة واحدة وعلى مراحل أملاً في كَنْسِها الواحدة بعد الأخرى و ليحل محل كل منها حكم ديمقراطي مبني على الشراكة والفوضى، وقد يكون في مثل هذا التحليل شئ من المنطق لأنهم جاؤوا بهم دفعة واحدة لكن ذلك التحليل ليس صائباً بالدرجة المقنعة، فمثل هذا التحليلات تبدو وكأنها تلغي دور التطلعات الشعبية وقدرة الشعوب على التغيير وهو القول الثاني الذي يرى أن الشعوب قد أَنَّت أنيناً وصرخت صراخاً بعد سكوت طويل قَضَّ مضجعها وقد أفلحت أخيراً في إسقاط تلك الأنظمة ، فهذه الشعوب لم تعد تحتمل الجوع والبطالة وفقدان الأبناء في السجون ولقد أضحت الحياة تافهة بدون حرية وعمل شريف، والحياة الخالية من قول كلمة الحق ليست بحياة ولأجل كل ذلك ثارت الشعوب ثوراتها البيضاء التي سَرَّت الناظرين وهي ترى عروش الطغاة تتهاوى الواحدة بعد الأخرى.
إن ماحدث في عراق مابين النهرين وتونس الخضراء وأرض الكنانة في مصر من التغيير جاءت بنتيجة الصرخات القوية كتلك الصرخات التي أطاحت بعروش عاد وثمود وبقية الجبابرة الطغاة ومأكثرهم وإن في ذلك لعبرة للمعتبرين.
إن مايجري اليوم وغداً من التغيير للأنظمة الدكتاتورية التي عاشت النعيم هي ومن كان معها، جاءها اليوم الذي لابد فيه أن تدفع الثمن، فالأنظمة الإفريقية والآسيوية العربية وغير العربية كنظام الشاه وصدام وبن علي ومبارك ثبت فشلها بعد أن أذاقت شعوبها المر والألم وحكمتهم بالنار والحديد وأصبح من غير الممكن السكوت على مايجري ولقد حان موعد الإستبدال وسيدفع كل من كان على شاكلتهم قائمة الحساب.
إننا وفي هذا الظرف الحساس نوجه ندائنا الى كافة مراتب الجيش في كل بلد ناهض أن يقفوا صفاً واحداً الى جانب شعوبهم ليدرؤا المفاسد عنهم ويوقفوا الظلم عن أهل البلاد ولتكن إرادة تلك الجيوش حرة كما أراد لها الله، وعليها أن لاتركن الى الذين ظلموا.. فإن من حق تلك الشعوب تقرير مصيرها ولقد آن موعد الحصاد ولبئس مثوى المتكبرين ولن ترحم المرحلة المقبلة كل جبار عنيد.
إننا في الوقت الذي نَتَوَقَّ الى النهوض والإستبدال فإننا نحذر من خطر الفوضى التي تخلقها تلك الأنظمة الإستبدادية قبل سقوطها بما يجري من إطلاق لسراح المجرمين من غير أصحاب الرأي أولئكم الذين يشاركون الظالمين ظلمهم في ذبح الناس مقابل الحرية العفنة التي ينالونها من ذلك الحاكم الباطل وهؤلاء هم الزمرة التي لاتستحق الحياة، وعلى الجيش أن يكون أكثر وعياً لمخططات أعدائه، وعليه أن يكون حَذِراً من سياسات بعض الدول الكبرى التي قد تقف وراء الستار تدفع بالناس الى الفوضى والشراكة المُخَرِّبَة.
إن مهزلة حل الجيوش بعد سقوط النظام الصدامي كانت مهزلة حقيقية أثبت الزمن عدم صلاحيتها فلقد كان لها من الآثار السيئة ماعمل على العزلة بين الجيش والشعب واصبح لزاماَ عليهما بعد كل مامر الإلتحام من جديد وأن يُفَوِّتا الفرصة أمام جبهة المنافقين، كما أن على الأجهزة الأمنية تغيير وجهة ولائها للحاكم الدكتاتور والحزب المستبد الى الولاء للشعب فلاحياة ولادولة من دونه ، فيا أيتها الجيوش الحرة الكريمة كوني مع الشعب وشاركيه المشاعر والآهات، وانزعي عنك رداء الخوف والكبرياء وتنازلي عن المصالح الضيقة لأجل المصالح العليا للبلاد.
وأعلموا ياأبناء الجيش في كل بلد من بلدان آسيا وأفريقيا أن من طبيعة الشعوب أن تولد طوائف وقد تختلف في الدين واللغة والمذهب وفي الفكر والعقيدة والإتجاه، إلاّ أن هذا التباين لايعد عيباً لكونه سُنَّةً من سنن الحياة ولايمنع من الإتحاد فيما بين الناس، ونحن كأبناء لهذا الشعب أو ذاك نُحَذِّر من أن يغلب الشعور بالخوف ويمنع من المساهمة في تحسين الأمن والدفاع فكونوا أبرار أوفياء يكن الله معكم.
إن شعوب المنطقة الإفريقية والآسيوية التي يعيش فيها العرب والكرد والتركمان والفرس وغيرهم من الشعوب والأقليات فيهم المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي والعلماني، وعلى جميع هؤلاء أن يفهموا أن الحياة للإنسان مهما تعددت اللغة والقومية والدين ومهما اختلفت الأفكار لابد لهم من التعايش وعليهم أن لايسمحوا للفوضى أن تَحِلَ بديارهم أو يحل العراك بينهم.
ومن المؤسف أن بعض الدول العظمى ليس بإستطاعتها التعايش مع غيرها بسلام فهي لاتُحْسِن غير سياسة الدسائس، وهي تلجأ الى ذلك جهلاً منها أنها قادرة على زرع الفوضى فأختارت ذلك الطريق وضَيَّعَت بذلك طريق السلام، ولقد ثبت لنا أن هذه الدول تتخوف كثيراً من الإسلام وهي منه على وجل رغم أن الإسلام يدعو الى السلام، وهي بهذا الشعور سوف تخسر الشعوب إذ لاتزال تعيش عقدة الذات التي تمنعها من الذوبان والإندماج مع الآخرين.
إن كثرة الأحزاب والحركات السياسية المعارضة في كل دولة من الدول تخلق جواً من الإضطراب السياسي يفسح المجال للعداء والإستعداء فيما بينها وقد لاتصلح الشراكة بين إثنين لايتمتعان بحسن النية فكيف بالشراكة بين كثيرين.
إنَّ ماجرى في العراق وأفغانستان وتونس ومصر يمكن أن يتكرر في دول أخرى مادام فيها طغاة، وسوف لن تنجو الحكومات المستبدة من حالات الإستنفار الشعبي وطوفان التغيير، وإن المحاولات الترقيعية والتجميلية لن تجدي نفعاً فلقد تعلمت الشعوب الدرس جيداً وأصبحت على وعي متصاعد لايحول بينها وبين الثورة حجاب.
وإن على جميع مؤسسات الدولة وخاصة مؤسسات الجيش والأمن الوقوف صفاً واحداً مع الشعوب لا مع الحاكم الجائر، وعلى الشعوب أن تكون أكثر حذرا بعد أن رأت بأم عينها ماحدث من مآسي في الحالة العراقية والأفغانية بعد التغيير.وبناءً على ماتقدم فإننا نسجل النقاط التالية إشارة الى تحديد الواجب والمسؤولية التي تقع على أبناء الشعوب المنتفضة:أولاً: تشجيع الشعوب على الإستمرار في الإنتفاضات الشعبية والسعي لقيام عملية إصلاح حقيقي.ثانياً: على المؤسسات العسكرية والأمنية الوقوف الى جانب الشعوب وأن تعمل على منع الفوضى والجريمة.ثالثاً: بذل الجهود لتأمين وتنظيم الحياة الدستورية وضمان حقوق المواطنين.رابعاً: التحلي بالنظام والحزم في مواجهة الفوضى.خامساً: الحذر من المشاركة مع المفسدين.سادساً: العمل من أجل إحلال التعايش السلمي بين الطوائف والقوميات وإعتبار ذلك الإختلاف سنة من السنن الإجتماعية الطبيعية، وعلى كل طائفة أن تحترم بقية الطوائف التي تعيش معها على أرض واحدة وأن يسعى كل منها لأجل إرساء الخطوط العامة للتعايش فيما بينها.سابعاً: على الحكام أن يعوا الدرس من الشعوب وأن يَتَعَلَّموا ويَعْلَموا أن لاهيبة لهم بدون الشعب وأن يكفوا عن ممارسة القتل والتعذيب والإعدام.ثامناً: إن من أهم الإصلاحات المنتظرة القضاء على البطالة والجوع ونقص الخدمات وتوفير فرص العيش الكريم لكل أبناء البلد، وعلى الحكام أن يستمعوا لنداءات شعوبهم وأن يعملوا على تحقيق الآمال المشروعة لهم.تاسعاً: إن الثورات البيضاء أفضل بكثير من الإنقلابات العسكرية وإن صناديق الإقتراع وحدها هي الحل الأمثل لإختيار الحكومات اللائقة.عاشراً: العمل على منع أي نوع من التغيير الديموغرافي السياسي كالذي حصل في بعض دول الخليج العربي وكان الغرض منه تكريس حكم الأقلية الحاكمة على الأكثرية الغالبة من سكان تلك البلاد الأصليين، حيث تم منح الجنسية لأجانب بلاضوابط ولاشروط سوى رغبة الحاكم في تغييب حقوق أبناء الوطن لإعتبارات طائفية، وإن من حق تلك الشعوب أن تسعى لإلغاء كافة الجنسيات الممنوحة التي تمت وفقاً لتلك الإعتبارات غير الموضوعية كالتي حصلت خلال العقود الأربعة الماضية وإعادة الحالة الديموغرافية الطبيعية الى ماكانت عليه قبل التغيير.أحد عشر: لم تعد تخفى على القاصي والداني أن جميع الترقيعات والحلول الجزئية لابد أن تنتهي وينتهي معها حكم الملكيات بكل أنواعها الفاسدة.إثنا عشر: وعلى الدول الكبرى أن تحترم إرادات الشعوب وأن تتعامل معها بحسن النية، وأن تسعى لإحلال السلام العادل، وعليها أن تعمل على منع نشوء الدكتاتوريات أو الديمقراطيات المزيفة.نتمنى أن يطل العالم على عصر جديد خالي من الظلم والإستبداد وأن يتعايش فيه الناس كأمة واحدة، ولايتم ذلك إلا بنبذ السياسات الإقصائية وسياسات التطرف، والحذر كل الحذر من العناصر الإنتهازية التي تخترق الصفوف وتشجع على الفوضى والعبث وتستهدف من خلال أعمالها المشينة ضرب الفئة الصالحة والله ولي التوفيق.
محمود الربيعي
https://telegram.me/buratha