*بقلم د. الفائزي
صباح كل يوم نفتح نحن المدنيون قنوات الفضائيات الإخبارية العربية والأجنبية لنطلع على أخبار هذه الأمة و نتابع التقارير المصورة المتعلقة بالانتفاضات والاعتراضات في المنطقة و كلنا أمل ان نرى رئيس نظام واحد شريف من أنظمة الدول العربية و الإسلامية يتنحى عن طيب خاطر و يترك السلطة دون مقتل المئات من الأبرياء والعزل من المعترضين خاصة و ان طبعنا نحن من مؤيدي إرساء المجتمعات المدنية نخشى و نغضب لإسالة دم شاب او اي إنسان دون ذنب، ليس لأننا جبناء أو لا نستطيع رؤية الدماء المهدرة هذه الأيام في دول المنطقة بل لأننا ملتزمون ومؤمنون بالحديث القدسي الذي ينص على ان (عرش الله يهتز غضبا في حالة إسالة قطرة دم واحدة دون ذنب) فما بالك ان قطرات دماء الأبرياء التي تهز عرش الأرض و السماء تسال هذه الأيام كالأنهار مدرارا و لا تجفن عين اي من زعماء المنطقة و لا يتثاءب حتى!. و كل ذلك بالطبع من اجل مقعد (كرسي) ومصالح حاكم او مسئول في نظام لا قيمة له عند الله و خلقه قدر و مكانة قشة او بعوضة. ورحم الله ذلك القائد التاريخي الذي قال لأنصاره الذين يصرون عليه بتمسكه للحكم و الدخول في حرب مع منافسيه من اجل الخلافة: والله يا قوم ان قيمة الحكم و كرسي الخلافة عندي اتفه من عفطة تيس!
و عودة لموضوع الانتفاضات في المنطقة والاعتراضات التي نشهدها الان و في آن واحد على الأقل في سبع دول في المنطقة.فقد رأينا بعض لفضائيات تنقل صورا حية عن توجه مئات من المدرعات و الدبابات في عاصمة البحرين المنامة الى الشوارع. و في مصر كانت طائرات الطنطاوي أف 16 الأمريكية المخصصة للحروب الشرسة تحوم فوق رؤوس المعترضين المدنيين في ميدان التحرير و تكسر حاجز الصوت و كأنها في مواجهة شاملة مع الأعداء و الغزاة. و في أفغانستان فجّر البعض أنفسهم بأحزمة ناسفة واتضح بعد ذلك مقتل المئات من الأفغان الأبرياء و ليس الأجانب المحتلين. و في الجزائر انزل النظام الحاكم بكامل القوات المسلحة المخصصة أساسا للدفاع عن ثغور البلاد لمنع اعتراضات آلاف فقط من المدنيين كانوا ينوون التجمهر في أحد ميادين العاصمة تأسيا بالمنتفضين في القاهرة. وفي تونس اعد النظام السابق و الحالي أيضا خطة لتجير مئات السيارات المفخخة لقتل الأبرياء و إثارة الفوضى بهدف خلق حالة من اليأس و دعوة بن علي للعودة مجددا الى البلاد. وفي اليمن دفع نظام علي عبدالله المستبد بقوى الأمن وأعضاء الحزب الحاكم و المرتزقة الى الشوارع حاملين معهم العصي و السيوف و الخناجر و البنادق لإرعاب المعترضين من الذين يطالبون بالإصلاح والتغيير وإنهاء التوريث و احتكار السلطة في الجمهورية اليمنية. و في ليبيا التي تسمى زيفا و بهتانا الجماهيرية الشعبية الاشتراكية العظمى فتح نظام القذافي الذي يحكم البلاد اكثر من 40 عاما دون انتخابات ودون إرادة من الجماهير النار على المعترضين والمطالبين بالتغيير. وفي العراق البلد النفطي الذي تفوق ثرواته الطبيعية اكثر من اي بلد نفطي من دول المنطقة تعاملت قوى الأمن المدعومة بقوات لاحتلال مع الفقراء (الذين يعيشون في أوضاع مأساوية أسوأ من فقراء الهند وبنغلادش) والمحرومين من ابسط الخدمات الاجتماعية بكل قسوة وإذلال في هذا البلد النفطي الذي هو ثالث بلد نفطي من حيث الاحتياطي و الإنتاج .وفي إيران لا يزال النظام يتعامل بكل شدة و دون رأفة مع أنصار القوى الإصلاحية و يدفع كل يوم بمئات آلاف من قوى الأمن و التعبئة المسلحة الى الشوارع لمواجهة بضع آلاف من المعارضين،حسب قول أجهزة إعلام الحكومة. و في دول أخرى يقال انها جهزت نفسها عسكريا و أمنيا بكافة المعدات و الأسلحة التي استوردت خصيصا من ألمانيا و اليابان و بريطانيا (الدول التي ترفع شعار التحضر و تنادي بعدم قمع المدنيين!) لمواجهة الأحداث و التطورات التي يمكن ان تحدث بشكل فجائي في اي بلد ،وأعلن عن تعاقد الكثير من أنظمة المنطقة مع دول مصدرة للسلاح مثل أمريكا و فرنسا وروسيا لشراء احدث المقاتلات و المروحيات القتالية و الأجهزة و العتاد بمليارات الدولارات.
و أصدرت بعض أنظمة هذه الدول بيانات بهذا المعنى:ان عملاء من إسرائيل وغرباء ( ربما جاءوا من المريخ و زحل) تغلغلوا في بلادنا و قد اصدر الحاكم الفلاني ابن الفلاني المعظم الذي هو أيضا القائد العام للقوات المسلحة قرارا بتصفية و قتل جميع هؤلاء العملاء و الغرباء تطبيقا للشرع و الدستور و تنازلا لارادة الشعب و الأجانب المقيمين! و ان كل ما يقال من ان مئات و آلاف من القتلى و الجرحى الذين سقطوا برصاص و قنابل قوى الأمن و القوات المسلحة الحكومية هم من أبناء الشعب و المواطنين العاديين مجرد خدع و أكاذيب تروجها أجهزة الصهيونية الحاقدة و الإمبريالية العالمية و بعض دول المنطقة!
وتصورنا نحن و الكثير منا ان هذه الأنظمة ربما أعدت نفسها حقا لطرد الأجانب المحتلين رسميا لاكثر البلدان العربية و الإسلامية و الناهبين لثروات وخيرات الشعوب او بهدف مواجهة إسرائيل و تحرير فلسطين التي كانت في السابق مقسمة على اثنين (إسرائيل و الفلسطينيين) و أضحت اليوم مقسمة على ثلاثة. و إسرائيل (المحتلة) والضفة (عباس) و القطاع (حماس).
على اي حال اثلج قادة الدول العربية و الإسلامية قلوبنا من خلال شراء كل هذه الأسلحة و المعدات من جيوب الشعوب و تجهيز نفسها بعشرات ملايين من القوات المسلحة التي تحصل في بعض الدول على اكثر من نصف ميزانية الدولة التي من المفترض ان تنفق على إزالة كل أنواع الفقر و الحرمان و على المشاريع الإنمائية والعمرانية ، و اعتقدنا ان اليوم الموعود قد حان و دقت ساعة الصفر و هاهي الأنظمة العربية و الإسلامية تعد نفسها للدفاع عن شرفها و تحرر أراضيها التي اغتصبت مثل فتاة يافعة بريئة من قبل إسرائيل و بمساعدة (القوادة) السابقة بريطانيا و الحالية أمريكا
و كما يقول المثل الشعبي (لو كنت امرأة لأطلقت زغروطه ـ هلهوله!) احتفاء بقرار قادة الدول العربية والإسلامية النشامى والأبطال لمواجهة إسرائيل او اتخاذ قرار طرد الأجانب المحتلين، و كنا نعد أنفسنا كما يفعل شعراء البلاط و المهرجين الإعلاميين عبيد و خدام الحكام، من خلال كتابة الأشعار و(الهوسات) الشعبية لهؤلاء القادة المتحدين في سلوكهم و أفعالهم في مجال تجهيز القوات المسلحة و كلاب الأمن البوليسية بكافة الأجهزة العسكرية و القمعية، و لكن سرعان ما أفقنا من حلمنا الجميل هذا مع إطلاق جنود باكستانيين و بنغلادشيين و أجانب يخدمون في القوات المسلحة البحرينية القذائف الحربية المروعة على ميدان اللؤلؤة وسط المنامة واتضح ان فيه عشرات آلاف من المعتصمين الذين كانوا يغطون في النوم في الساعة الثالثة فجرا. الحصيلة الأولية العشرات من القتلى و المئات من الجرحى الأبرياء و العزل من البحرينيين أصحاب الأرض الأصليين. و يخرج علينا وزير خارجية نظام الحاكم في البحرين يبشر الأسرة الحاكمة وقادة المنطقة بانتصار القوات المسلحة الملكية على الشعب في البحرين و يقول نصا: كان من الواجب الوطني قتل المعتصمين والمعترضين حفاظا على وحدة و أمن و مصلحة البلد (في الواقع مصلحة النظام الحاكم). والأكثر سخرية في هذا السياق يعرض علينا التلفزيون الحكومي صورا لسيوف و سكاكين ويقول:بهذه الأسلحة أرادوا إسقاط النظام الملكي والغدر بنا فغدرنا بهم و ردينا عليهم سريعا و دون رحمة بالقنابل والدبابات والطائرات!.و سارع النظام غير البحريني الحاكم في البحرين الذي ادعى الانتصار الوهمي على الشعب بدعوة من على شاكلته في الدول الأخرى للاجتماع في المنامة لإنقاذه و تخليصه من غضب أصحاب الأرض الأصليين وكأن لسان حاله يقول لهم: إذا غرقت فلن اغرق وحدي، بل سوف أسحبكم معي الى قاع البحر!
و في ليبيا التي يدعي نظامها من ان كل شئ ملك للجماهير و كان القذافي قد اصدر قرارا بخلع كل أبواب الوزارات الحكومية و السفارات الليبية لكي يدخل المواطنون مباشرة دون عقبات و موانع على المسئولين بزعمه انهم خدم لدى الجماهير،رأينا كيف خلع هذا النظام الإنسانية و الرحمة من رأسه الأجوف و بادر فورا و بلا تأخير بقتل المواطنين العزل دون رأفة و بالعشرات يوميا لمجرد انهم طالبوا بإطلاق سراح السجناء السياسيين و رددوا شعار المصريين المعروف:الشعب يريد إسقاط النظام!
وفي الجزائر كما هو الحال في الأردن و سوريا و دول أخرى أثبتت هذه الأنظمة عدم دخولها في مواجهة لا مع أمريكا و لا إسرائيل بل انها تخطط و تركز فقط و فقط على مواجهة الشعوب و شن حروب مفتوحة عليها و ان القوات المسلحة و عناصر الأمن والقوات الخاصة و قوات محاربة الإرهاب و الحرس الجمهوري و الحرس الملكي والقوات الشعبية وقوات الدرك والحدود و قوات الشرطة و المرور و حتى قوات الكشافة و الإطفاء والإنقاذ الوطني من وقوع الكوارث الطبيعية التي أعدتها الأنظمة العربية والإسلامية و أنفقت عليها سنويا المليارات من جيوب الشعوب،أعدّت بالأساس و خصيصا لمواجهة الشعوب و قمع المواطنين والدفاع عن المصالح المادية و الفئوية للحاكم و المسئولين من ناهبي ثروات الجماهير ولا نستثني من هؤلاء الحكام و المسئولين في المنطقة اي أحد منهم خاصة أولئك الحكام الذين يستبدون في مناصبهم اكثر من 10 أعوام لانهم خانوا الأمانة و نكثوا بعهودهم للناس و نافقوا عليه و استغبوا الشعب و ضحكوا على الناس او هكذا تصورا من خلال احتكار السلطة والاستبداد في الرأي والحكم لعدة عقود خلت، و لكن قسما بالله لو سمح للمواطنين لساعة حرة واحدة للنزول للشوارع دون قمعهم او قتلهم، لرأى و سمع جميع الحكام صرخات الإطاحة بهم و هتافات التبرؤ منهم و شعارات السخط و مدى غضب الجماهير عليهم و انه لا مكانة لهم بين 95 بالمئة من الجماهير وحتى من اقرب الأشخاص لهم اذا كان هؤلاء غير منتفعين ماديا بالكامل من أركان النظام.
ومع هذا و حتى و ان لم تتحقق إرادة الجماهير بإسقاط الأنظمة المستبدة و إنهاء احتار سلطتهم الدكتاتورية في الوقت الراهن، فليعلم هؤلاء إننا نعيش اليوم في عالم اليقظة الفكرية و نضج العقول و تنور المواقف و اتضاح الحقائق و عصر الإنترنت. فقد سقطت ورقة التوت عن عرى الحكام المستبدين واتضح للجميع مدى حقدهم لشعوبهم و استبدادهم في الرأي والموقف و ان مصلحتهم المادية فوق الجميع حتى فوق الشرع و الدستور و ان لا نهج و لا هدف لهم سوى حفظ أنفسهم و حماية تيجانهم وعروشهم و التلذذ بقتل و إذلال خلق الله و لا يرف لهم جفن حتى في حالة قتل الآلاف او مئات آلاف من الأبرياء غير الموالين لهم خلافا لارادة الله و سنّة الكون، و مع هذا فقد سقطت قدسيتهم المزعومة اليوم و تبددت مكانتهم التي كانوا يتفاخرون بها و سلبت منهم بالتأكيد حالة توريث الحكم لأنجالهم خشية و هلعا من غضب الجماهير و تأسيا من تجارب أسلافهم من الحكام ومن على شاكلتهم الذين سقطوا و ضربوا بالأحذية خلال أيام فقط من بدأ و انتصار انتفاضات الجماهير الغاضبة في تونس و مصر
قسما بالله ان الصور والمشاهد التي نراها الان من التعامل الدموي والقمعي والاستبدادي الذي تمارسه الأنظمة العربية والإسلامية مع شعوبها في الوقت الراهن من خلال القتل بالقنابل و الرصاص الفتاك و تحليق الطائرات الحربية و المقاتلات النفاذة و إنزال الدبابات والمدرعات الى الشوارع لمواجهة الاعتراضات السلمية والانتفاضات العفوية التي تطالب بالإصلاح و التغيير، لم نشهده و لم نسمع به حتى من تعامل أسوء الأنظمة المستبدة و أكثرها قمعا على مدى التاريخ بل و ان أساليب إسرائيل مع الفلسطينيين هي اشرف و أنبل و اكثر رحمة من أساليب الأنظمة العربية والإسلامية و قمعها لشعوبها لا سيما و ان إسرائيل التي نصفها بالعنصرية والوحشية كانت و لازالت تستخدم الرصاص المطاطي فقط في إطلاق النار على الفلسطينيين المنتفضين لمنع وقوع المجازر في حين تستخدم كلاب الأنظمة البوليسية و العناصر العسكرية و الأمنية في الدول العربية و الإسلامية الرصاص الحي و القنابل والقذائف و الطائرات و شتى أنواع الأسلحة الحربية والفتاكة و المخصصة أساسا للحروب التقليدية لقتل المزيد من أبناء الشعب لمجرد انهم معترضون او يطالبون بإنهاء حالات احتكار السلطة و الاستبداد و الكبت ومصادرة الحريات ،مما جعل الكثير من الناس في الأوطان العربية و الإسلامية يتمنون لو كان أنظمتهم مثل إسرائيل تحتل بلدانهم و تطلق الرصاص المطاطي عليهم بدلا من ممارسات وإجراءات الأنظمة العربية والإسلامية الإجرامية المصرّة و الراغبة بقتل العشرات من الأبرياء والعزل يوميا و ربما بالمئات قريبا في هذه البلدان وعلى مدى عدة أسابيع متتالية، في حين إننا لم نسمع و منذ اكثر من عام عن جرائم ارتكبتها حكومة إسرائيل ضد الفلسطينيين و ليس ضد مواطنيها على الأقل بعد ضرب غزة و حتى الان سوى هذا الخبر الذي تناقلته أجهزة إعلام الدول العربية و الإسلامية نصا بالأمس: بعد مرور اكثر من عام على توقف المجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين أعلن في القطاع عن مقتل 3 من الصيادين الفلسطينيين في البحر بشكل غير متعمد على يد القوات الإسرائيلية!.فهل يتجرأ اي نظام عربي و إسلامي الاعتراف من انه قتل أبناء شعبه و لو عن طريق الخطأ او حتى الاعتراف بارتكاب كل هذه الجرائم التي نشاهدها و نسمعها ضد المعترضين و المنتفضين على يد عناصر أمنية غير مسئولة و غير ممتثلة لأوامر و قرارات الحكام و المسئولين ام اننا سنظل نسمع الذرائع و التبريرات بإصرار الأنظمة المستبدة على قتل الأبرياء والعزل و اتهامهم من انهم كفرة و فجرة و خارجون عن القانون و عملاء لإسرائيل او انهم جاءوا من زحل و المريخ. و اكثر سخرية في هذا سياق المهازل الإعلامية لهذه الأنظمة المشتركة و المتشابهة بقمع المعارضين و المنتفضين ان الحكومة الإيرانية وعلى لسان قائد قوات الباسيج الحكومية المسلحة اتهم مؤخرا دولا عربية لاسيما النفطية بتحريض المعارضة الإصلاحية لمواجهة الباسيج بهدف إثارة الفتنة والشغب في إيران، و في اللحظة ذاتها أعلن مسئولو النظام الحاكم في البحرين من ان النظام الإيراني وراء تحريض الشعب البحريني و إنزاله للشوارع بهدف استبدال النظام الملكي بنظام جمهوري ديني على غرار النظام الإيراني!
* إعلامي و صحفي/ السويد
https://telegram.me/buratha