قاسم السيد
هناك حكمة تقول ـ اذا دام الظلم دمر ـ وبالتأكيد ليس المقصود من التدمير المعني بهذه الحكمة هو الشجر والحجر ولا الزرع والضرع والذين قد ينولهما من التدمير نصيب ولكن المقصود بهذه المقولة الحكمة هو الأنسان وأول مايستهدفه الظالمون أينما كانوا وحيثما كانوا من هذا الأنسان هو ارادته فلن يهدأ لهم بال ولن يقر لهم قرار ولن يغمض لهم جفن حتى يكسروا هذه الأرادة ويمرغوا كبرياء صاحبها بالوحل .تغني الوليد بن يزيد الأموي يوما بهذه الأبيات
فدع عنك أدكارك آل سعدى ـــــ فنحن الأكثرون حصى ومالاونحن المالكون الناس قسرا ـــــ نسومهم المذلة والنكالانوردهم حياض الخسف ذلا ـــــ وما نألوهـــم إلا خبـــالا
وهذا النهج في اذلال الكبرياء وكسر الأرادات وتفريغ النفوس من العنفوان حتى تطأطأ الهامات هو سلوك لايتخلف الظالمون عن انتهاجه على طول المسيرة الأنسانية حتى يتخلق المجتمع بطباع الخسة وانحطاط في القيم والثوابت وحتى يخلو الضمير الجمعي للأمة من الهم الأنساني المشترك حينها تصبح قيادة الأمة اهون على الظالم من قيادة الراعي لقطيع ماشيته حيث يقول الكواكبي في كتابه ــ طبائع الإستبداد ومصارع الأستعباد ــ ان دوام الإستبداد يورث التسفل .هذا النهج لم يكن غائبا عن تفكير النماذج الأستبدادية التي امتلكت البلاد والعباد في منطقتنا العربية أمثال صدام والقذافي وهم يعدون عدتهم للأستيلاء على السلطة فالرجلين يدعيان قرائتهما الجيدة للتاريخ العربي المليء بسير الطغاة والفاتكين وهما يفتخران بالسير على خطا الأجداد
مايرتكبه نظام العقيد الليبي من جرائم ابادة تجاه شعبه هو امر غير مستغرب خصوصا لنا نحن العراقيين فنحن تعاملنا مع نظام ظالم تجمعه مع نظام العقيد وشائج كثيرة لكنه رغم اخبار جرائم العقيد التي تتناقلها وسائل الأنباء هذه الأيام تبقى متواضعة جدا قياسا لما تعرض له الشعب العراقي على يد نظام صدام الذي فاق ظلمه تجاه شعبه مافعله الأولون وما يمكن ان يفعله بعده الأخرون.
من المشتركات التي تجمع كل من نظامي صدام والقذافي هو هذا الطلاق بالثلاث بينهما وبين الشعببين العراقي والليبي فكلا الرجلين يعتبر نفسه اكبر من الشعب ومن يخرج عن طاعة طاغوتيهما فلائحة الأتهام جاهزة لأن تلصق به صفات الخيانة والتآمر والعمالة للأجنبي حتى لو كان يمثل غالبية الشعب بل حتى ولو كان الشعب بأكمله فالرجلين ينظر لنفسه بأنه منة السماء على بلديهما وعلى العرب وعلى الأنسانية جمعاء وكليهما يظن في نفسه بـأنه لم تلد مثله ولادة .
الرجلين استعانا بالأجنبي لأذلال مواطنيهم بل لعل مامورس ضد العراقيين من اضطهاد وتنكيل ابان الفترة الصدامية لاتضاهيه ولاتقترب منه أي من الممارسات القمعية لكل دكتاتوريات الدنيا مجتمعة فصدام فاق فراعنة الماضي والحاضر وتميز عنهم جميعا لكون كل مؤهلات الظالمين متوفرة فيه فمن مركبات النقص في الشخصية وتواضع المؤهل العلمي وضحالة الثقافة وإنعدام الخلق من مروءة وشهامة والشخصية المهزوزة غير الواثقة من النفس والتي لاتطيق المخالف ولاتطيق التعامل معه بل لاتتحمل وجوده في الحياة وبالتأكيد فإن الطبع العراقي ذي النزعة البدويه المعروف بالحدة والتطرف والذي لايعرف الوسطيه قد لعب دورا في أن يبلغ صدام في القسوة والظلم شأوا لاأظن ان بإمكان أحدا غيره بقادر ان يصله فالعراقي يكره ان يكون رقما من الأرقام لهذا فهو يصر على التمييز فإن حالت الأمكانيات والقدرات في إحرازه مراتب متقدمة في الرقي والتطور والنجاح فلا يهم فهو يقلب سلم الترتيب حتى يحرز مراتب متقدمة في التسفل والتردي بحيث نحن الان وفي ظل العهد الديمقراطي نحتل مراكز مرموقة في الفساد المالي والاداري . تعامل كل من صدام والقذافي مع شعبيهما على انهما مجموعة من العبيد وليس مواطنين اصحاب وطن فصدام عندما استخدم العراقيين في حربه ضد ايران لم تأخذ هذه الحرب اسما وطنيا بل اقترنت بإسم صدام حين اطلق عليها قادسية صدام المجيدة في حين ان الطرف الأخر أي ايران اطلقت على هذه الحرب تسمية حرب الدفاع المقدس ولم يبقي صدام أي رجل عراقي يسير على قدميه له قدرة على حمل السلاح إلا وجنده في هذه الحرب الى الدرجة التي تم فيها تفريغ المجتمع العراقي من رجاله ليستعيض عنهم بسبعة ملايين مصري حيث كان هؤلاء المصريين يتمتعون بهامش من الحرية لايتمتع به العراقيين اصحاب الأرض لدرجة ان المواطن العراقي كان يتفادى أي نزاع او خصومة مع الشخص المصري مهما كان مبلغ الضرر الذي يلحقه به هذا الشخص بسبب التوصية الصدامية لكل اجهزة الدولة خصوصا الأمنية منها بضرورة الترفق بالمصريين على حساب العراقيين حيث اصبح اكثر هؤلاء المصريين مخبرين سريين بالجملة للمخابرات العراقية وبقية الأجهزة الأمنية الأخرى . تصرف كل من صدام والقذافي كأمبراطور يملك البلاد والعباد وبالتالي ورث الاولاد هذا الملك عن الاباء لذا نراهم يتصرفون مع الشعب بإعتبارهم مالكين للوطن وساكنيه وليسوا كمواطنيين اصحاب حضوة.
عندما احتاج صدام ان يحشد قوته لقمع انتفاضة عام 1991 استعان باللاجيئن الأيرانيين من مقاتلي مجاهدي خلق لقمع هذه الأنتفاضة إضافة لما كان يملكه من موارد قوى البطش الأخرى.نفس الشيء يفعله القذافي الان مع الشعب الليبي حينما استعان بالمرتزقة الغانيين والتشاديين ليقمع الأنتفاضة الشعبية كذلك استعان ببعض الطيارين الأوكرانيين لقصف المناطق الأمنه بعد ان رفض الطيارون الليبيون المشاركة في هذه المجزرة .
وبينما تعمل أغلب المنظومات الدكتاتورية في العالم على التستر على خروقاتها او على الأقل تبريرها اما في ظل دكتاتورية صدام تعد تلك الخروقات مدعاة للفخر ونوعا من الأنجاز الذي يستحق نشره والتبشير به بل والأعلان عنه .والخروقات الصدامية ليست مجرد قوانين تنتهك حقوق الأنسان وكرامته فهذا امر يمكن السكوت عنه لكون لها مايماثلها في بقية المنظومة السياسية العربية حيث نظام صدام يعد صاحب الألمعية فيها لكن تلك الخروقات هي عبارة عن قرارات شخصيه شفاهية يصدرها صدام نفسه في فورات الغضب المقدس والتي لانضير لها ولامثيل لافي العصر الراهن ولا في عصر السلف التليد الذي لو قدر لصدام العيش فيه لكان احد فرسانه المرموقين الذين تلهج بذكر امجادهم كتب التاريخ المكتوب دائما على مقاسات السلاطين الذين كل مازاد طغيانهم كان ذلك دليلا على عظمتهم وعلو كعبهم .فبتر اصابع الكف وقطع اللسان وجدع الأنف وإزالة صوان الأذن ووشم الجبين بالنار وترك الخصوم للكلاب المسعورة هي قليل من كثير مما اقترفه صدام بحق العراقيين وانا هنا لااميط اللثام عن سر مكنون بل هي امور يعرفها القاصي والداني وهي غيض من فيض مما تفتق عنه عقل صدام شخصيا لأنزال العقاب ممن توهم بأنهم اعداءه ليتبين بعد حين ان كثير من هولاء المساكين بريئون مما نسب اليهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب اما من انزل بهم عقوبة الموت وتبين ان الحيف قد الحق بهم فهم سيدخلون في خانة جديدة من تسميات الشهداء الكثيرة التي كان يحلوا لصدام اطلاقها على قسم من ضحاياه حيث اطلق على هؤلاء تسمية شهداء الغضب .أما عمليات التطهير العرقي في المناطق الكردية شمال العراق فلك ان تحدث عنها ولا حرج فمن طمر قرى بكاملها او ابادة شاملة لسكان مدن كما حصل لحلبجه التي تم ابادة سكانها بالأسلحة الكمياوية أما في الجنوب فقد وصل الأمر ان تتجاوز الأجراءات الأنتقامية الأنسان لتطال البيئة في اوسع عملية تخريب بيئي حدثت في التاريخ حينما أمر صدام بتجفيف الأهوار التي تعد من المسطحات المائية الطبيعية النادرة لغرض القضاء على الثوار الذين اتخذوا من الأهوار ملاذا .ولااظن ان شعبا على وجه البسيطة قد أوذي بهذه الدرجة مثلما أوذي بها الشعب العراقي ورغم ذلك لم تتوقف مقارعتة للنظام الذي كان سقوطه وشيكا حيث بات ذلك واضحا حين لجأ تنتظيمه الأمني الذي يطلق عليه تسمية حزب البعث الى العمل السري في كثير من مناطق الجنوب العراقي كذلك تعرض الكثير من كوادر وقيادات هذا التنظيم للأغتيال في مختلف المدن العراقية وخصوصا العاصمة بغداد على يدي مواطنين لاينتسبون لأي من القوى السياسية ممن تعرضوا هم او ذويهم للقمع الصدامي فأخذوا على عاتقهم الثأر لأنفسهم او لأقاربهم اضافة لما كانت تقوم به كثير من الحركات السياسية التي كانت تقاتل لأسقاط النظام والتي كانت قد اقتربت جدا من اسقاطه حتى ان القصر الجمهوري نفسه كان يتعرض بإستمرار للقصف بالهاونات وقذائف الكاتيوشا مما دفع الولايات المتحدة لأتخاذ قرار اسقاط صدام للحيلولة دون وصول قوى وطنية قادرة على بناء دولة وطنية لاتدور في الفلك الأمريكي .حاول بعض العسكريين حفظ البقية الباقية من النظام من خلال التخلص من صدام حيث تم كشف محاولات اغتيال عديدة لم يتح لأي منها أي فرصة للتنفيذ رغم الاعداد الجيد لها حيث استطاعت المخابرات المركزية الأمريكية كشفها لصدام لغاية في نفس يعقوب قضاها حيث كان مصير هؤلاء العسكريين الموت الزؤام . هناك بعض المحللين السياسين يفصلون بين صدام والبعثيين حين يضيفونهم الى خانة ضحاياه ورغم مافعله الكثير منهم بالعراقيين بعد سقوط نظام صدام من خلال وقوفهم وراء الكثير من العمليات الأرهابية التي تعرض لها المدنيين الأمنيين ظل هذا البعض يختلق لهولاء التبريرات من ان هدف هؤلاء البعثيين هو مقاومة الأحتلال وما يتعرض له المواطنون من أذى هو بفعل تواجد الأحتلال في المدن والان كيف يصف هؤلاء المحللين الأنباء الواردة من ليبيا والتي تقول ان البعثيين الذين اتخذوا من ليبيا مقرا لأقامتهم يضعون أنفسهم في خدمة النظام الليبي ويساهموا في قمع انتفاضة الجماهير الليبية أليس ذلك دليل على الأفلاس الأخلاقي لهذا التنظيم حين يتحول منتسبوه الى مجرد مرتزقة يدافعون عن الطغاة .الان تفعل الولايات المتحدة مع الشعب الليبي كما سبق وان فعلته مع الشعب العراقي حينما تركت صدام يقضي على انتفاضة 1991 مرتكبا اكبر مجزرة في التاريخ عندما قتل خلال مايربو على الشهر مايزيد على اربعمائة الف عراقي دون أي تشهير اعلامي غربي بهذه الجريمة وهاي الان ايضا تدع القذافي يدك المدن الليبيه بالطائرات والمدفعية الثقيلة دون ان تسمح لمجلس الأمن اتخاذ قرارات من شأنها حمل القذافي على التوقف في ترويع المواطنين الأمنين وهي بذلك تريد استمراره في ارتكاب جرائمه دون أي اعتبار لدماء الأبرياء التي تسفك في شوارع المدن الليبية لغرض اسقاطه اخلاقيا تمهيدا لأحتلال ليبيا مباشرة بحجة ان العقيد يشكل خطرا على السلم والأمن العالميين وهو الأمر نفسه الذي فعلته مع صدام عندما قررت احتلال العراق .
https://telegram.me/buratha