حسن الهاشمي
إضاءة: من صدق لسانه، زكا عمله، ومن حسنت نيته، زيد في رزقه، ومن حسن بره بأهل بيته، زيد في عمره.
كان طارق ونورس في بداية زواجهما مندفعان متدفقان تطوي حياتهما حيوية ناضرة واندفاعة طامحة ورغبات لا يحدها حد ولا يعيقها عائق أو سد، وبالرغم من الميول الغريزية التي تستحوذ على قلبيهما كما تستحوذ الشرنقة على دودة القز، كان يحدوهما عنفوان الشباب وسطوة الشخصية والاعتداد بالرأي حتى لو كان مجافيا للحقيقة. نورس ترى في شخصيتها تلك الفتاة الجذابة المفتانة التي تتحطم على أعتابها غرور الرجل وكبرياءه، وتتوقع منه أن ينساق وراء طلباتها وتوقعاتها ريثما يحصل على مراده ويطفأ غيض أواره الملتهب منها!! ويعاضدها في ذلك ما ترامى إلى مسمعها من إن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، وإنه لا محالة ولكي يشتري غنجها ودلالها وطيبها وجمالها، عليه أن يتطبع على طباعها ويلبي رغباتها مهما كلف الثمن!!. وفي المقابل إن طارقا ربما فهم مسألة القوامة على إنها أوامر عسكرية ليس على المرأة إلا تنفيذها بحذافيرها وإلا إنها حشرت نفسها في خانة النشوز والعصيان والتمرد، وكلما عصفت رياح عاتية على هضاب محبتهما يضل يمطرها بوابل من كلمات التقريع واللوم بأنها حيثما تتمرد على طاعة زوجها كإنما تتمرد على طاعة ربها؟! يؤيده في ذلك نزعة السطوة والقوة التي تلف الشباب في مقتبل عمرهم، وإنه يحاول مناغاة تلك النزعة في مقتبل الزواج لكي يذبح القطة في الحجلة كما يقول المثل، ولكي يؤصل بأنه صاحب حزم وعزم وإصرار على موقفه من دون معارضة أو إبداء لرأي مغاير أو معارض.مع استمرار حياتهما الزوجية وتفاقم المشاكل بينهما فقد تحولت تلك الحياة التي أراد الله لها دفئا وسكنا ومودة واستقرارا إلى جحيم لا يطاق، وكل منهما ينظر للآخر بمنظار نفسه من دون الإطلاع على حقوق غيره إما تقصيرا أو قصورا أو إغضاء أو أنانية وعلوا وتكبرا وغرورا، وجدا نفسيهما غريبين أحدهما عن الآخر، فإنهما لا يكترثان ولا يلتزمان بالقيم بقدر التزام كل منهما برأيه وما يراه حقا من وجهة نظره هو دون الآخر.لقد ضاقت أحوالهما ونفر كل واحد من الآخر وأصبحت أيامهما ولياليهما يلفها الخصام ويدمغها العراك، وفكرا في الطلاق والانفصال رغم وجود ثلاثة أولاد بينهما.وبعد أن باءت جهود جميع الأهل والأقرباء بالفشل الذريع لإرجاع الماء إلى مجاريها، قرر طارق استفتاء عالم الدين في تطليقها, وعندما سأله عن السبب؟! قال والغضب باد على وجهه: إنها لا تلتزم بالصلاة وتتهاون بارتداء الحجاب!! أجابه العالم: إن هذا الأمر لا يسوغ تطليقها، فإنها مسلمة مكلفة مثلك تماماً وحسابها على الله, ولكن واجبك أن تدلها وتعلمها إن جهلت ذلك، أما أن تطلقها وتحطم أسرتك وتضيع أولادك فلا يجوز لك ذلك، فإن أبغض الحلال عند الله الطلاق.حاول طارق أن يجد مخرجاً آخراً للطلاق فقال: سيدي إنها مقصرة في واجباتها. رد عليه العالم وفي أي شيء؟! قال: عندما أرجع إلى البيت فلا أجد الطعام حاضراً ويأتيني الضيوف فتنفر وتتأفف!! فقاطعه العالم قائلاً: الإسلام أوضح حقوق المرأة وواجباتها, فإنها مقتصرة على أمور ثلاثة:أولاً: حق الفراش.ثانياً: أن لا تخرج من البيت إلا بإذنك.ثالثاً: أن لا تدخل في بيتك من لا تحب.أما حقوقها عليك فكثيرة وكل ما تفعله الزوجة من خدمة البيت وطبخ الطعام وغسل الثياب كله بفضلها وحريتها ولو شاءت طالبتك بالأجر.إندهش طارق عندما سمع ذلك وقال متحيراً حتى طبخ الطعام هو من فضلها؟! قال العالم: نعم, فلو قالت لك زوجتك بوجوب شراء الطعام من المطعم أو جلب خادم لطبخ الطعام وجب عليك ذلك!! ولما رأى العالم حيرته واندهاشه ابتسم وقال: ومن حقها أيضاً أن تطلب منك أجرة الرضاعة لأولادك. قال طارق وهم أيضاً أولادها! قال العالم: نعم, ولكنهم يحملون اسمك ولا يحملون اسمها, والقرآن قد أوضح كل هذه الأمور بإجمال ورسول الله والأئمة من عترته عليهم الصلاة والسلام بينوا كل الأمور بالتفصيل.وبعد ذلك أخذ العالم ينصحه في دعابة وابتسام وطالبه بأن يغير رأيه ويحتفظ بزوجته فعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم, وأمره بأن يحسن إليها بالهدايا والمعاملة الكريمة، وذكـّره بأن يبتعد عن وساوس الشيطان وأهواء النفس الأمارة بالسوء، وإذا ما أراد التوسعة في الرزق والزيادة في العمر عليه بصدق الحديث والبر بأهل بيته خاصة.رجع طارق إلى بيته بفكر جديد وبعقلية متفتحة وبصدر مملوء بالتسامح والمحبة والانشراح بعيدا عن التشنج والتعصب والبغضاء، وعاشر زوجته معاشرة المسلم الحقيقي وبدأ يلاطفها وبدأت تتغير ولم تمض سنة واحدة إلا وعرف كل منهما ما له وما عليه، وأصبحت حياتهما كلها محبة وسعادة، بعدما كانت بغضاً وتعاسة, ولم يمر شهر في حياتهما إلا وتزداد ألفة ووئاماً. يقول طارق كلما تذكرت كلام العالم أدعو له بكل جوارحي، فلولاه لم أكن لأتذوق طعم الحياة الآمنة والنفس المطمئنة وأنني لم أكتف بنصائحه الثمينة واستغلها لنفسي فحسب، بل روجتها عند كل المسلمين وغيرهم وأصلحت ذات البين في كثير من العائلات التي كانت تعيش نفس المشاكل الوهمية التي هي نتيجة الأنانية ويلعب الشيطان فيها دوره ليأجج البيت جحيماً لا يطاق. وبتعاليم ديننا الحنيف ساد التفاهم والتوادد بين كثير من الأزواج ونساءهم، وصلحت سرائر وردمت هفوات وتحولت أراض جدباء إلى واحات ماء عذبة لا يتدفق منها سوى الجمال والطيب والتجدد والنظارة والانبساط، وهكذا يكون العلماء المخلصون سباقين في العمل بقول رسول الله (ص) "الدين النصيحة". وأي نصيحة أفضل وأثمر وأنفع من نصيحة تؤدي إلى صلة رحم، وجمع فرط عقد آيل إلى ضياع؟!.
https://telegram.me/buratha