قاسم السيد
وأخيرا جاء يوم الخامس والعشرون واندلعت التظاهرات ... سماها البعض الأنتفاضة واطلق الأخر عليها تسمية الأحتجاج السلمي وكذلك تداول البعض اسم الثورة !!!هل ماجرى كان بمستوى التوقع ...؟يمكن تكون الأجابة كلا !!! بل كانت اكبر من المتوقع اذا اخذنا بالنظر دعوات التخذيل عن المشاركة من قبل جهات عديدة والتي كانت متخوفة من استثمار هذه التظاهرات لأغراض سياسية وتصفية الحساب خصوصا بعدما انطلقت بعض الدعوات من قبل جهات لها علاقة بالبعث خصوصا هيئة علماء المسلمين .هل اوصلت التظاهرات الرسالة ...؟ نعم وبأروع مما توقعناكيف تصرفت السلطات تجاه الجماهير المشاركة في هذه الفعالية الدستورية ...!!!طبعا تراوحت مواقف السلطات حسب المناطق وحسب الأنتماء السياسيابشع رد دموي حدث في الموصل من قبل حماية المحافظ اثيل النجيفي شقيق رئيس مجلس النواب والمنتمي للقائمة العراقية حيث وصل عدد الضحايا الى عشرة اشخاص وحين طالب المتظاهرون استقالة المحافظ رفض الأستجابة لهكذا مطلب مدعيا انه جاء وفق اليات الديمقراطية ولن يترك منصبه الا بهذه الاليات .وفي اقصى الجنوب أي في البصرة كان التصرف من السلطات مختلفا تماما وان حدثت بعض الاصابات لكن حجمها كان اقل لكن المحافظ استجاب للمطالبات وقدم استقالته .وعلى وقع اثار التظاهرات ايضا التحق محافظ بابل بركب المستقيلين ليصبح عدد المحافظين المستقيلين ثلاثة اذ ان محافظ واسط قد سبق زميليه بالأستقالة على خلفية تظاهرات الكوت مركز محافظة واسط التي سبقت تظاهرات الخامس والعشرين من شباط .في قضاء الحويجة التابع الى محافظة كركوك الملحقة عمليا بإقليم كردستان واداريا للدولة العراقية قد تحولت التظاهرات الى اعمال شغب واسعة حيث توجت بإطلاق بعض المعتقلين الخطرين .لم ترفع أي شعارات ذات منطلق سياسي رغم بعض الهتافات العفوية المرتجلة وبالتالي كان طابع التظاهر مطلبي .هل رفع الشعارات السياسية تجاوز على السلوك الديمقراطي وانتهاكا للدستور ...؟ابدا فحتى الشعارات المطلبية هي اساسا شعارات سياسية غير مباشرة !!!اذن علام التخوف من رفع الشعار السياسي المباشر !!!موقف الحكومة من التظاهرات كان متباينا حسب الفرقاء وانتماءاتهم الحزبية الشرخ في السلطة كان واضحا حينما انبرت بعض الأطراف من القائمة العراقية وكأنها قد نفضت يدها من التحالف مع المالكي خلال تبنيها مواقف مناوئة .ولم يقتصر الموقف على العراقية وحدها بل تعدى ذلك ليصل الى بيت التحالف الوطني الذي ينتمي اليه المالكي والذي يضم ائتلافي دولة القانون الذي يرأسه المالكي والأتلاف الوطني .اشرت التظاهرات ان اغلب القوى السياسية المشاركة في السلطة لاتمتلك موقفا ناضجا وواضحا وثابتا وهي مستعدة لتبديل شكلها ولونها وتصريحاتها مع حركة نبض الشارع بإنتهازية فجة وبعيده كل البعد عن المهنية السياسية .كل شركاء المالكي من بقية القوى السياسية اعتبروا انفسهم ليسوا مستهدفين بالتظاهرات وكأنهم ليسوا جزءا من السلطة وغمزوا بطرف خفي ان هدف هذه التظاهرات هو المالكي وجماعته حيث جاءت تصريحات صالح المطلك لبعض وكالات الأنباء وكأنه مواطن عادي كبقية المواطنين وليس مسؤولا يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ولعل اكثر هذه التصريحات مدعات للسخرية التي اطلقها اسامة النجيفي رئيس مجلس النواب والذي كان في حينها برفقة اخيه اثيل النجيفي محافظ نينوى والذين حاصرهم المتظاهرون داخل مبنى المحافظة حينما حمل نوري المالكي مسؤولية القتلى من المتظاهرين الذين سقطوا برصاص حماية اخيه .ظهور منشور ملقى على قارعة بعض الطرق الذي سلكها بعض المتظاهرين صادر من قيادة حزب البعث يحمل دعوة للمشاركة الواسعة في التظاهر حتى اسقاط الحكومة العملية للأحتلال لكن لم يشاهد للبعثيين حضور لهذا اكتفوا بالمنشور عن الحضور.حاول بعض النواب ركوب موجة التظاهر للمتاجرة بهموم الجماهير ومن هؤلاء النائب فتاح الشيخ احد نواب القائمة العراقية حيث حضر الى ساحة الجماهير وهو يختال بمسيرته وسط الجماهير فما كان من الجماهير الا ان رشقته بالحجارة والأحذية مما اضطره الى اللجوء الى القوات الأمنية لحمايته من غضب الجماهير .صرحت النائبة مها الدوري النائبة عن التيار الصدري ـ حضرت الى ساحة التحرير ولم أرى البعثيين لكني رأيت قمعا بعثيا للمتظاهرين !!! بربك يامها الدوري هل حقا يتعامل البعثيين مع المتظاهرين هكذا ان كانوا اصلا وسمحوا لشيء اسمه تظاهرة ان تقوم حيث لازال الناس من سكنة مدينة الصدر والتي من المفروض انك احد ممثليها يتذكرون جيدا كيف تصرف النظام البائد مع تظاهرة آل المبرقع حين اعاد هؤلاء المتظاهرين جميعا الى اهلهم جثث قد سلبت منها الحياة .المجاميع الأرهابية القريبة من القاعدة اعلنت بشكل صريح على مواقعها الألكترونية ايقافـها كـل عملياتها الأرهابية حتى لاتعرقـل سير المظاهرات ولعل هذا الأعلان كان احد المكاسب المركبـة والتي تحسب للتظاهرات والتي نالت من جرف من اصدره لكن لم يفطن لها الكثير ومن ضمنهم دهاقنة القاعدة .كان البعثيون من اشد المتحمسين لقيام هذه التظاهرات ولتواضع حضورهم في الشارع السياسي العراقي ولحرص المتظاهرين على ابعاد تظاهراتهم عن نهازي الفرص والحرص على ابراز هموم الجماهير ومعاناتها خلق حالة من الفرز التي وان بدت عفوية لكنها حالت بين هؤلاء وبين استثمار هذه التظاهرات لأجنداتهم لهذا بدأت لهجة البعثيين تتغير كثيرا عما كانت عليه قبل قيام هذه التظاهرات حيث بدت اكثر تخوفا من تأخذ المطالبات صيغة اكثر تطورا تنجح من خلالها اما تحقيق مطالباتها وبالتالي سيكون نقطة ايجابية في رصيد الحكومة او تتصاعد التظاهرات لأحداث التغيير السياسي الكفيل بتحقيق مطالباتها وهذا من شأنه وأد احلامهم في الرجوع الى السلطة في يوم من الأيام .الصفحة الثانية من المخطط الذي كان ينوي استثمار التظاهرات الجماهيرية والذي بنى حساباته على حشود مليونية بحكم حجم الدعوات الكثيرة التي ظهرت حيث كان من المتوقع ان تبقى الأعتصامات تصل الليل بالنهار اسوة بميدان تحرير القاهرة الا ان ماحدث كان مخيبا لأمال الكثيرين فخرجت الألاف بدلا من الملايين وانتهت اطول تظاهرة بقيت في الشارع الى عصر اليوم نفسه اما بقية التظاهرات فانتهت بتسليم المتظاهرين لمطالباتهم للجهات المسؤولة وبالتالي لم يتحقق الهدف المطلوب من تفجير كل من مصافي بيجي والسماوة والذي جرى لكل واحد منهما بطريقة مختلفة فالأول تم تفجيره بواسطة هجوم مسلح والثاني حدث بواسطة مس كهربائي تسبب بحريق هائل ادى الى تعطل انتاجه ولو كان هذين الأنفجارين قد وقعا والتظاهرات قائمة لكان له وقعا اخر .نتائج هذه التظاهرات كانت اكثر من رائعة فلقد ولدت حراكا غير مسبوق لدى اجهزة الدولة سواء كانت تشريعية ام تنفيذية لم نعهده على مدى سنين التجربة السياسية الحالية مما خلق حالة خيبة امل لكثير من اجهزة المخابرات العربية التي كانت تأمل ان تكون تظاهرات يوم الخامس والعشرون من شباط اليوم الأول لبداية العد التنازلي للتجربة العراقية التي كانت تعد في محيطها العربي عروسا وسط عوانس لأن الشعارات المرفوعة في هذه التظاهرة كانت مطلبية وليست سياسية.غياب البرنامج الواضح والقيادة العلنية للدعوة للتظاهر سهل أمر التشكيك بنوايا التظاهر مما حال بين الكثيرين وبين المشاركة فيها فمثل هكذا ممارسة على هذا المستوى المرموق من الأهمية تحتاج الى وجوه مكشوفة ومعروفة لقيادتها وان لا تكون مجرد دعوات منطلقة على صفحات الفيس بوك ذي الأسماء المستعارة والوجوه المختفية وراء اقنعة فالعراق لايعيش تحت سطوة امنية وان تعاملت بعض هذه الأجهزة مع المتظاهرين في بعض المواقع بنوع من القسوة غير المبررة لكنها رغم ذلك يبقى بينها وبقية الأجهزة الأمنية العربية مسافة فاصلة إضافة الى ان الأجهزة الأمنية الحالية هي ليست امتداد للأجهزة الأمنية لنظام صدام المعروفة بالفتك الشديد لهذا نحتاج وجوه تظهر في رابعة النهار حتى يثق الشارع بما يجري ولايلجأ الممهدون لهذه التظاهرات لمحكاة الأخرين في تقليد واضح لما حدث ويحدث في كل من مصر وتونس فظروفنا رغم كل مايكتنفها من سلبيات هي افضل لدرجة لايمكن عقد أي مقارنة بينها وبين ظروف الأخرين .تعامل الفضائيات العربية او المحلية مع التظاهرات العراقية كان متفاوتا فمن شامت ينفتل فرحا وهو يقضي دينه من النظام السياسي الى المشفق الخائف على التجربة الديمقراطية من الأنهيار وهو يرى في الوقت نفسه ان التظاهر واجهة من واجهات الديمقراطية واداة مهمة من ادواتها بينما تعاملت بعض الفضائيات مع هذه التظاهرات كونها مجرد خبر لايعنيها . لاادري لماذا اصاب الذعر السلطات الأمنية العراقية من النقل المباشر لفضائية الديار لتظاهرة ساحة التحرير مستفيدة من قرب موقعها من مركز الحدث حيث قامت هذه السلطات بإغلاق القناة بعد التعدي على منتسبيها واعتقال بعضهم .الفضائية الليبية وهي تحاول معالجة نتائج الأنتفاضة الشعبية الليبية التي اوشكت على الأجهاز على طاغية ليبيا معمر القذافي خرجت على الناس بلقاء مع مشعان الجبوري وهو يكيل المديح لولي نعمته معمر حين رفض مقارنته بحسني مبارك وزين العابدين بن علي معتبرا القذافي أعظم من الرؤساء العرب قاطبة لكن المفاجئة كانت حينما توعد الجبوري بإسقاط النظام السياسي في العراق في تظاهرات الخامس والعشرين من شباط ولاادري لماذا يكون اسقاط النظام العراقي جائزا والنظام الليبي باطلا .بعض الفضائيات دخلت على الخط في تغطيتها لتظاهرات الجمعة بخبر عاجل كشف بشكل فاضح من اننا لازلنا لانملك اعلاما مهنيا يتعامل مع الحدث بحيادية وحتى لو كان هذا الأعلام موجها فعلى الأقل عليه ان لايتعامل بفجاجة تثير السخرية وما اوردته هذه الفضائية والساعة كانت تشير الى الثانية عشر ظهرا والمتظاهرون لازال البعض منهم يتقاطر على ساحة التحرير حيث جاء في خبر هذه القناة من ان السلطات الأمنية منعت عن المتظاهرين الماء والغذاء وقطعت التيار الكهربائي وفاتها ان الوقت كان ظهرا والمتظاهرين يبصرون طريقهم في غنى عن الكهرباء .طبعا الفضائيات السلفية لم يفتها المشهد العراقي فدخلت على الخط وهي تصور المتظاهرين وكأنهم ابناء السنة ينتفضون على الروافض غاصبي السلطة .
https://telegram.me/buratha