ابراهيم احمد الغانمي
قبل ايام قلائل اعلن رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي عن تشكيل لجنتي تحقيق لمعرفة مصير أربعين مليار دولار سحبت من صندوق تنمية العراق في السنوات القليلة السابقة ومازال مصيرها مجهولا ولم تعرف اوجه صرفها والجهة التي صرفتها.وفي مؤتمر صحفي اشار رئيس مجلس النواب الى تشكيل عدد من لجان التحقيق لمتابعة ملفات الفساد، قائلا بالنص "لقد شكلنا اليوم لجنتي تحقيق حول مبلغ غائب يقرب من أربعين مليار دولار سحب من صندوق التنمية العراقي ولا نعرف أين ذهب"، مؤكدا انه "لا توجد حسابات ختامية حتى الآن يجب أن نعرف بدقة ما مصير هذه الأموال بالتعاون مع ديوان الرقابة المالية الحكومية ووزارة المالية".وفي الواقع ان عدم وضوح مصير مبلغ كبير جدا مثل هذا يثير جملة من التساؤلات والاستفهامات الخطيرة التي لايمكن بأي حال من الاحوال ان تمر مرور الكرام ويتم غض الطرف عنها وتمييعها.واول ما يثيره ويؤشر عليه ضياع او غياب اربعين مليار دولار، هو حجم الفساد الاداري والمالي الهائل في بنية الدولة العراقية بعد عام 2003، دون ان يعني ذلك ان ماقبل هذا العام كانت الامور تسير على مايرام ، بل ان كل ماحفلت به مرحلة مابعد سقوط نظام صدام هو جزء من تركة ذلك الاخير ، سياسيا وامنيا واقتصاديا وثقافيا.ومن دون ادنى شك فأن الارقام التي ظهرت وانكشفت للرأي العام خلال الثمانية اعوام السابقة اشرت بكل وضوح الى ان تبديد ونهب المال العام قائم على قدم وساق، وخطورة هذا الامر تكمن في انه يتم على اعلى مستويات الدولة ومن خلال مسؤولين كبار، فمثلا استحوذ وزير الدفاع الاسبق حازم الشعلان على اكثر من مليار دولار وحولها الى مصارف اجنبية، ونجح في الافلات من قبضة العدالة، ونفس الشيء بالنسبة لوزير الكهرباء الاسبق ايهم السامرائي وخلفه محسن شلاش، والنائب السابق مشعان الجبوري، ووزير التجارة الاسابق عبد فلاح السوداني، واسماء اخرى كثيرة ، بعضهم وزراء وبعضهم اعضاء برلمان، وبعضهم في مواقع مهمة وحساسة ومؤثرة.واذا كانت ملفات الفساد والنهب والسلب لهؤلاء قد اتضحت فأن هناك مئات الملفات لاشخاص اخرين مازالوا يشغلون مناصب حكومية، ويجدون من يغطي على فسادهم.ومن المؤكد ان اللجنتين اللتان تم تشكيلهما بأيعاز من رئيس مجلس النواب ستواجهان مصاعب وعقبات شتى من قبل اطراف مختلفة للتغطية على كثير من الحقائق والارقام ومنع كشفها ووصول الى الجهات القضائية والرأي العام، لكن ماينبغي قوله والتأكيد عليه هو انه ما لم تفتح ملفات الفساد الكبرى وعلى اعلى المستويات فأن أي كلام عن النجاح في محاربة الفساد يكون مضيعة للوقت والجهد وقضية عبثية لاطائل منها. ولايخلو الامر من وجود ودلائل على فساد في الدوائر والمفاصل العليا والحساسة مثل رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان والقيادة العامة للقوات المسلحة، ومختلف الوزارات لاسيما وزارات النفط والكهرباء والبلديات وامانة بغداد.والفساد اليوم لايتمثل بالصفقات المشبوهة والعقود غير القانونية والعمولات الخيالية، بل يتمثل في انعدام الكفاءة لدى المسؤولين، ومنح الامتيازات والمواقع الوظيفية المهمة للاقارب والحواشي، والرواتب الكبيرة جدا التي يتقاضاها المسؤولين الكبار ليس خلال فترة خدمتهم الفعلية، وانما بعد احالتهم على التقاعد بعد اعوام قليلة جدا من الخدمة الفعلية مقارنة بالموظفيين العاديين الذين لايحصلون على التقاعد الا بعد ان يفنوا اعمارهم في الوظيفة. ان المشكلة كببرة جدا جدا، وحلها لايمكن ان يتحقق بتشكيل لجنة او لجنتين من قبل مجلس النواب او أي مفصل حكومي اخر، تشكيل اللجان والمتابعة خطوة اولى لابد منها، يجب ان تتبعها خطوات وخطوات تغيب فيها المجاملات والمهادنات والمساومات.
https://telegram.me/buratha