حسن الهاشمي
طالما يستبد الظالم بحكمه ويتخذ عباد الله خولا وخدما وعبيدا ومال الله دولا يتداوله في غيه وفساده وظلمه وإطالة حكمه الجائر، خلافا للحاكم العادل فإنه يتصدى لخدمة العباد وحفظ الأموال وتبديدها على مستحقيها وتطوير حالهم وبلادهم نحو الأفضل والأحسن، وهذا نبي الله عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا محمد أفضل التحية والسلام، قد ضرب لنا أروع الأمثلة فيما يجب عليه أن يكون الحاكم العادل في تواضعه وسمو أخلاقه ورفعته وخدمته للعباد، إذ قال عليه السلام للحواريين: لي إليكم حاجة، فإن عاهدتموني على أن تقضوها لي قلتها لكم، فقال الحواريون: قضيت حاجتك يا روح الله، الأمر منك والطاعة علينا.فقام عيسى عليه السلام وغسل أقدامهم واحدا واحدا، فقالوا: كنا أحق منك بهذا!! فقال عليه السلام، إن أحق الناس بالخدمة العالم، إنما تواضعت هكذا لكي تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم، ثم قال عليه السلام: بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر، وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل... وما أحلى أن يتحلى الناس مواطنون وحكام بهذه الخصال التي بها نسود على الأمم وبدونها نسقط. مثلما رفعت تلك الخصلة الجليلة نبي الله عيسى عليه السلام في أعلى عليين وأضحى من أنبياء أولي العزم بتواضعه وخدمته للبشرية بكل شغف وبدون مقابل سوى حبه للطبيعة البشرية وذوبانه بما أوصى رب العزة بخدمة مخلوقاته وعياله، فإنها ترفع من تقمصها لاسيما المتصدون للأمور التنفيذية، وكم نحن بحاجة إلى هذا النمط في وقتنا الحاضر لكي يقوم بتوفير الخدمات لشعب تلوى تحت سياط الظالمين طيلة عقود طويلة من الزمن وحرم من أبسط حقوقه؟! وليعلم الذين بيدهم أزمة الأمور إن الشعب انتخبهم لخدمته وإذا حاد أي منهم عما أوكل إليه فإنه ينعزل تلقائيا ويكون وجوده كعدمه أو أتعس من ذلك، لأنه خان العهود وأخل ببنود الوكالة، وآن الأوان لرفع الحيف عن عامة الناس وتقديم الخدمات لاسيما الطبقات المحرومة فإنها من أعظم الأعمال قاطبة ومن أقرب القربات إلى الله تعالى. بناء الدولة الديمقراطية هو بناء للحضارة من أوسع أبوابها، حيث إن النظام الجماهيري الحقيقي يفسح المجال أمام جميع شرائح المجتمع - بغض النظر عن انتمائه القومي أو الديني أو المذهبي - لبنائه وتطويره، وتكون فيه فرص العمل والتعليم والتجارة والصناعة... متكافئة بين الجميع وليست مقتصرة على أفراد العائلة المالكة في النظام المستبد أو من يسبحون في فلكه!!. ولا تزال الحضارة مشتقة من الحضور الفاعل لتطوير البلاد وإنعاش الاقتصاد ورفاهية العباد، فالحضور الشامل والكامل متوفر في الأنظمة الديمقراطية أكثر مما هو عليه في الأنظمة المستبدة، لأن في الأول الكل في خدمة الكل، وفي الثاني الكل في خدمة الفرد، وهكذا فإن مقومات النهوض الحضاري في الديمقراطية تكون متاحة ومتوفرة بالفعل وبالقوة وللجميع، في حين إنها مخدوشة في الديكتاتورية إن لم نقل إنها معدومة.إذن نحن بحاجة إلى إصلاح يتمثل بالابتعاد عن التكالب على المناصب والسلطة، والسعي الحثيث من اجل خدمة الشعب وليس من أجل تحصيل مكاسب خاصة أو مكاسب سياسية ضيقة، وما يتضمن ذلك من اتخاذ الوسائل الجادة والعملية لمحاربة الفساد المالي والإداري ومن أي موقع يحصل ومن أي مسؤول يصدر.ومن مقومات الإصلاح أن يتمثل المتصدي بنكران الذات والشعور بمعاناة الآخرين وتفهم مطالبهم المشروعة من اجل تحقيق الاستقرار السياسي والتداول السلمي للسلطة والقيام بخدمة الشعب وتوفير احتياجاته الأساسية، وان تكون مستوى معيشة المسؤول بمستوى لا يفوق كثيراً عن مستوى اغلب المواطنين بحيث لا يكون هناك فارق فاحش بين الحالتين.فالخدمة شرف لا يضاهيه شرف، وكما قال الإمام الحسين عليه السلام: حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، وكما جاء في أدبياتنا إن قضاء حوائج الناس خير من عامة الصلاة والصيام، إذ إن الإسلام دين يفضل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، والأفضلية جاءت لأجل إن منافع الصلاة يحصدها المصلي لنفسه بينما قضاء حواء المحتاجين وخدمة عامة الناس تسري فيوضاتها لعامة الناس، وهكذا فبالخدمة نستطيع أن نحقق التكامل والتكافل والرفاه لعامة الناس وردم الفواصل المهولة بين الطبقات، ريثما نصل إلى مجتمع تسوده المحبة والألفة بعيدا عن منغصات الظلم والتفرقة.
https://telegram.me/buratha