حافظ آل بشارة
يعتبر التحول في الشارع العربي باتجاه المطالبة باسقاط الحكام تحولا في غاية الاهمية الا ان الأهم منه طريقة تفكير الجمهور وغفلته عن البديل المطلوب ، فالناس يرفعون في تظاهراتهم شعار اسقاط انظمة الحكم مبررين مطالبتهم بما لحقهم من الفقر والفساد والبطالة والقمع لكنهم لا يقدمون بديلا للانظمة القائمة ، ومع ان كلا من مصر وتونس وليبيا لديها معارضون اسلاميون الا ان أحدا لم يتقدم لطرح البديل الاسلامي في البلدان الثلاثة ، حتى الاسلاميون الذين اشتركوا في التظاهرات لم يروجوا لبديلهم المفترض ، ربما اصبحت الديمقراطية بعنوانها العام هي البديل الذي يريده الجميع بغض النظر عن الشيطان الذي يكمن في التفاصيل . الغرب يراقب ظاهرة غياب البديل الاسلامي في التظاهرات الانقلابية في العالم العربي ويطرب لسماع الشعارات الديمقراطية ، ولكن حكام المنطقة اكثر اسفا على الغياب الاسلامي لأنهم كانوا دائما يستخدمونه دمية لتخويف الغرب من سيطرة انظمة حكم اسلامية طالبانية قاعدية متشددة على البلدان العربية ، ويصورون انفسهم كحراس بوابات شرقية في وجه الزحف الطالباني ، فقد الحكام هذا الغطاء فجأة ، القذافي وحده أصر على ان القاعدة وبن لادن يريدان اسقاطه والمخابرات الامريكية اشد الناس ضحكا لهذه الاقاويل لأنها صنعت بن لادن وحركته وتعرف ما تحت الطاولة وما فوقها ، القذافي في ايام هلعه يتصرف كمن يختلق ضريحا ويطوف حوله مبتهلا ، غياب البديل الاسلامي حتى على مستوى الشعار يؤشر وجود ازمة اديولوجية في اوساط الاسلاميين انفسهم وقد تركوا مشروع الحاكمية الخاص لصالح الرؤية التي تقدم مبدأ مصلحة الناس على مصلحة المشروع ، اي الايمان بامكانية تعديل المشروع بناء على الواقع الاجتماعي ، وتقدير المصالح والمفاسد في تطبيق الافكار ، ومن يمارس السلطة عمليا يستطيع فهم الواقعيات وتقدير موقف المشروع السياسي الاسلامي اكثر من الذين يعيشون معارضين يتقلبون بين النصوص والخطابات سنوات عديدة ، فالواضح ان نموذج الحكم الاسلامي قريب من النموذج الديمقراطي ، فالحكومة مؤسسة خدمة للناس وليست مؤسسة للامامة والزعامة ، الحكومة الدينية او اللادينية كلاهما يقدمان خدمات متماثلة للناس اذ لا يوجد فرق بين الديني واللاديني في الزراعة والصناعة والتجارة والصحة والنفط والكهرباء ، هناك هوامش صغيرة لكنها مهمة في قضية الحكومة يختلف عليها الاثنان ، مثل النسبية في الحريات ومنع الاختلاط والسفور ومنع المعاملات الربوية في الاقتصاد . لكن القضية الفاصلة في هذا السياق ان البديل الاسلامي وما يتعلق به من نموذج اجتماعي امور تنبعث من داخل الشعب وطبق ارادته ولا تستطيع اي نخبة فرضها في هذه الظروف ، والشعوب العربية عموما معروفة بالفهم الشكلي والسطحي للدين بمستوى لا يسمح بتكوين قاعدة اديولوجية او يصنع ثورة او يجعل للدين التقليدي بعدا سياسيا ، كما ان الغرب بتطوره يسحر شعوب المنطقة ، يقابله ماحققه الارهابيون المتشددون من نجاح في رسم صورة الاسلام الانتحاري المفخخ المرفوضة لدى المسلمين قبل غيرهم ، يضاف الى ذلك تشتت الرؤى لدى الاسلاميين الحركيين فمنهم السلفي الذي يدعو للتعايش مع الحكام ونصحهم واتخاذهم اولياء أمر ومنهم الصوفي الذي لا شأن له بالسياسة ومنهم الاصلاحي ومنهم الثوري الشمولي ، وجميع هذه النماذج لم تصنع قاعدة شعبية واعية تبلور البديل او تدعو اليه .
https://telegram.me/buratha