عبد الناصر السهلاني
فاجأني احد العلماء (الذي نكن له احتراما وتقديرا كبيرا لما يعرضه من ابحاث عقائدية انتفعنا منها كثيرا ولما اثرى به الحركة العلمية من خلال مؤلفاته القيمة) يوم الخميس الماضي على احد القنوات الفضائية عندما وصف بيان المرجعية الدينية في النجف الاشرف الاخير (بخصوص المشاكل الاجتماعية والمعيشية التي يعاني منها الشعب العراقي) بانه جاء متأخرا، وأصر على وصف (المتأخر) بأن كرره مرتين في موضع من حديثه وأعاده ثالثة في موضع آخر فأثار في نفسي استغرابا شديدا، وأسفا بالغا، فبيان سماحة السيد السيستاني (حفظه الله) لم يكن متأخرا بل كان في وقته المناسب، فكل شيء لا يكون في وقته المناسب لا يكون مؤثرا ومنتجا، ونحن نجد الآن الاهتمام البالغ من أعلى السلطات في الدولة ببيان سماحة السيد (حفظه الله) بل دعى بعض اعضاء الحكومة وبعض البرلمانيين الى اعتباره خطة عمل للحكومة في المرحلة القادمة، وما هذا الا لأنه جاء في وقته ولا يمكن تجاوزه لان تجاوز المرجعية العليا في هذا الظرف بالخصوص غير ممكن مع ضغط الشارع، ونفاذ صبر الناس، ولولا الاشارات لتي بعثتها المرجعية للمواطنين وكذلك بعض الشخصيات من الحذر من والنوايا المبيته لبعض الاتجاهات التي قد تشوه المظاهرات لوجدنا الذين ذهبوا لزيارة الاربعين كلهم في الشارع .ومن هنا نعرف الحكمة البالغة للمرجعية الدينية في اصدار هذا البيان في هذا الوقت، فلو اصدرت المرجعية مثل هذا البيان قبل هذا الوقت لما توانى البعض بوصف المرجعية بانها تغرد خارج السرب، ولاحتجوا بان الناس ساكتون وراضون فهم الذين انتخبوا هذه الحكومة المركزية والحكومات المحلية فهذه حكومات شرعية انطلقت من رحم الشعب و... و... وبالتالي انتقادها بالصورة التي ظهر عليها البيان يكون فتنة بين الشعب والسلطة، هذا وصف لا يتورع عنه كثير ممن في السلطة اما الآن فلا يستطيع احد ان يقول مثل هذا الكلام بعد ان خرجت شريحة من الشعب تطالب بحقوقها المشروعة من كبح الفساد وتحسين الخدمات وهذه هي مطالب حتى الذين لم يخرجوا، مع العلم ان المرجعية الدينية وخاصة سماحة السيد السيستاني(حفظه الله) لم يتوانى يوما بالمطالبة بجميع فقرات البيان امام المسؤولين الذين كانوا يفدون عليه وذلك بتصريحاتهم هم فما من احد من المسؤولين خرج من زيارة سماحة السيد السيستاني الا وصرح بان سماحة السيد أوصى بخدمة هذا الشعب وتحسين الخدمات ومحاربة الفساد وانصاف المظلومين .اذن فالمرجعية الدينية لم تكن متأخرة بل كانت سباقة للمطالبة بحقوق الناس ولكون المرجعية تعيش بين الناس ومطلعة على معاناة الناس في هذه البلاد تعرف متى تتكلم ومتى تسكت، وعندما تتكلم تعرف بأي اسلوب تتكلم فمقام المرجعية الدينية لا يناسب ان تقول كلمة ويضرب بها عرض الجدار او يستهزء بها لان نتائج مثل هذا الأمر تكون وخيمة وتزيد الامور سوءا بدل الانفراج، فكان من الحكمة ان تقول المرجعية كلمتها بهذا الشكل الذي صدر عليه البيان في ظرف لا يمكن لمن تسول له نفسه مخالفة المرجعية مخالفتها .وكثير من الناس وانا منهم كنا نستغرب لعدم بروز موقف حاسم للمرجعية في التردي الواضح في الخدمات وما هو سر عدم اتخاذ مثل هذا الموقف والاكتفاء فقط بحث المسؤولين الوافدين اليها وتذكيرهم، ولكن الآن عرفنا متى حكمة المرجعية الدينية في التكلم في الوقت المناسب ولتكن هذه الحادثة درسا لي ولأمثالي في عدم التسرع في اطلاق الاحكام لان نظري ونظر أمثالي لا ينطلق من مسؤولية شرعية أبوية قيادية كما ينطلق منها المرجع في جمع تصرفاته.حفظ الله مرجعيتنا العظيمة الحكيمة لا سيما سماحة الامام السيستاني (ادام الله وجوده الشريف) ومتعنا بطول بقائه انه سميع مجيب.
https://telegram.me/buratha