حيدر قاسم الحجامي
يقال ومن باب الفكاهة إن الرئيس المصري حسني مبارك سـأل وزير داخليته ُ حبيب العادلي قبيل انطلاق ثورة الـ25 يناير عن هولاء الشباب الذين يسعون لتنظيم اعتصام لإسقاطه على صفحات الفيس بوك ،فأجابهُ العادلي وقد غطت وجهه ابتسامة مغرورة " دول شوية عيال صيع يفندم "واستطرد بشيء من الوجوم كما فعل رئيس المخابرات في مسرحية الزعيم " إحنا مسيطرين على الموقف "، فعلاً يشبه هذا الافتراض الواقع كثيراً.
هكذا ظلت الأنظمة العربية القمعية " أمنية "بامتياز ومتعالية عن الطبقات الاجتماعية لان الطبقة "السلطوية بقيمها الهابطة وهمومها " تنظر الى الشباب العربي بازدراء وتتعامل معهم على أنهم مجاميع "صايعة ضائعة " وهم مجاميع لا تحسن سوى العيش على هامش الكبار والتمترس خلف علاقات هامشية عبر برامج الاتصالات الحديثة والاستغراق بالميوعة والتقليد الأعمى .
لكنها لم تدرك إن بذرة الغضب الشبابي كانت تنمو بصورة مضطردة كلما أوغلت الأنظمة بالقمع والفساد الذي أتى على شكل موجات من رجال الإعمال الذين انتقلوا الى السياسة ليتكلل التزاوج اللا شرعي بين السلطة والمال في البلدان العربية المحكومة بأنظمة بوليسية "عتيقة" وان تسونامي مدمر كان يتشكل هناك على صفحات الانترنت دون تتحسسه مقاييس ريختر الأمنية ! .
في ثورة الشباب المصري كنا نتابع ونراقب صوراً عدة ، فأجهزة الأعلام المصرية الرسمية كانت تعمل بأسلوب الخمسينات والستينات من القرن الماضي وذكرت المتلقي كيف كانت تلك الوسائل الإعلامية تحتكر مصادر الإخبار وتوجهها حسب ايدوجيا السلطة ورغبة الحاكم ليلوكها المواطن دون إن يمحص ما يلوك .! فتجاهلت المظاهرات بادئ الأمر .
وتناست إننا وبضغطة زر بسيطة على الريموت كنترول يمكننا إن نشاهد البث الحي للقنوات الفضائية التي تنقل مشاهد المظاهرات وأصوات المتظاهرين كأنهم بيننا ، وبينما كانت تلك القنوات الحكومية تصف المتظاهرين بأنهم مجاميع من "البلطجية" كنا نرى "بلطجية " السلطة هم من يهاجمون المتظاهرين بالخيول والجمال في قنوات أخرى .أي خطاب إعلامي بائس يمكن إن يصمد إمام موجات هائلة من الأصابع الشبابية التي تدون على صفحات تجمع مجاني عملاق اسمه "فيس بوك" تدون ما تشاهده وتناقش مستقبل البلاد بعد الدكتاتورية والدكتاتور كان منشغلاً بتذكر أمجاده ، والى جنبها كانت مجاميع شبابية أخرى تلتقط ما حاولت كاميرات السلطة إن تحجبه من خلال أجهزة "الموبايل " الشخصية وتبث إحداث صغيرة ومفصلة عن يوميات ثورة الشباب عبر موقع مجاني أخر اسمه "يوتيوب " .كنا جميعاً متفاعلين مع تدوينات إسراء عبد الفتاح التي ألجمت ومعها شباب مؤمنين بقدرتهم على التغيير كل أجهزة انس الفقي الذي ذكرنا كثيراً بزميله صحاف صدام ، كنا نتابع إخبار وائل غنيم وتصريحاته وكأننا نتابع قائد أسطوري انبعث من رماد المهمشين من شباب مصر ليقول ما عجزت قوى المعارضة الكارتونية قوله طيلة العقود الماضية بعد موت أيدلوجياتها القديمة وتكدس شعاراتها في مخازن أدبيات تلك الأحزاب .
تسونامي الفيس بوك كان إعصارا عاصفاً لم تنفع معه سياسة طأطأة الرؤوس التي أدمنت الأنظمة الدكتاتورية إتباعها مع كل عاصفة تواجهها ، بل كان شباب الفيس بوك أكثر إصراراً وأكثر ثباتاً على المطالبة اختصروها بعبارة مقتضبة واسعة المعنى والدلالة بــ"الشعب يريد إسقاط النظام " لا غير ، الاقتلاع من الجذور و لن نقبل بإنصاف الحلول لا تفيد معنا الوعود التي تشبه كثيراً جرعات المخدر الموضوعي التي تزول ويبقى الوجع إن لم يزد .ظللننا نحن الذين شغفنا الفيس بوك حباً نتابع إحداث الثورة المصرية وأيدينا على قلوبنا خوف من إن نفشل في إن نقنع من هم اكبر من أعمارنا بان ما نقوم به ليس لعباً وكلام فارغ في عالم افتراضي مفصول عن الواقع بل إننا جادون في ما نقول ومُصرين على إن نغير ، كانت تلك التجربة بمثابة امتحان لهذه التجمعات الشبابية المليونية في إنحاء عالمنا الناطق بالضاد وليس لشباب مصر فقط .فالنجاح سيعني إن عالمنا العربي قد دخل مرحلة أخرى بالفعل وحان وقت إسدال الستار على حقبة الجنرالات المعمرين بالسلطة الى الأبد ، نجاح المدونين كان يعني إن رصاصة الرحمة أطلقت على كل وزارت الإعلام الرسمية التي كان مهمتها محصورة بمهمتين اساسيتن " التلميع والتشويه" تلميع الحاكم وتشويه معارضيه ، نجاح تجمعات الفيس بوك كانت يعني إن مفاهيم التعتيم والتهميش قد دخلت الى متحف التاريخ السياسي فلم يعد بإمكان أي شخص أو سلطة إن يحجب الحقيقة عن الناس ، نجاح ثوار الفيس بوك كان يعني إن معنى الثورة قد تغير ، وأنها بدأت تخلع عنها لبوس العسكر وأصوات الدبابات والبيان رقم واحد والاهم من ذلك كان يعني تبدل لون الثورة من الأحمر الى الأزرق ، فهل نجح عشاق الفيس بوك في تحقيق أحلامهم ؟ اترك الإجابة لكم .
https://telegram.me/buratha