الكاتب والإعلامي قاسم العجرش
يختلف ما يقال عند تقديم واجب العزاء باختلاف المصاب و نوع المصيبة، فنقول للثاكل شهيدا: لقد قدمت بين يديك شفيعا يشفع لك يوم الحساب بين يدي ربك...وللباكي أباه: ما مات من خلف مثلك...وللباكي أخاه: إن في الباقي عزاء عن الماضي...وللباكية زوجها: الشباب غض والرجال كثير..وللفاقد بصره: حسبك من ما فقدت من نور بصرك ما أبقى لك الله من نور بصيرتك..وللمحتضر المشرف على الموت: إن في لقاء ربك عوضا من لقاء الدنيا وأمامك الحور العين في الأنتظار!...لكن ماذا نقول لمن له وطن يحتضر؟! ربما من عظمة المفقود، أو من حكم اشتراك المصيبة...ورغم مواقفنا السياسية المتباينة، إلا أننا نشترك في أن كل زفرة حزن على الوطن، هي من زفرات الحب، أو نفثه من نفثات الود.. وإن أشد المواطنين كراهة للوطن، وأنعمهم عيشا في الغربة، و أقساهم قلبا و أصلبهم فؤادا، و أكثرهم غباء، لو ساومه مساوم في وطنه، ووضع تحت يديه خزائن الأرض وحور الجنة، لكان رأيه في ذلك رأي ابن الرومي في قوله: وما سرني أن بعته بثوابه ولو أنه التخليد في جنة الخلد.لكن ماذا نقول من عزاء لأنفسنا ؟ والسياسة باتت اجتماعات و خطابات وزيارات ومساعدات، وكلها مهدءات وأفيون لوطن اجتمعت فيه وعليه جميع مظاهر الشقاء و النكبات، كلها أقراص "فولتارين" مهدئة لآلام المفاصل التي جعلت الواقع مظلم وقاتم،هذا ما استقرت عليه أوضاع هذا الوطن البائس المنكوب، بدء من ماضيه الحزين و انتهاء عند مستقبله الذي تشير جميع المعطيات على أنه لن يكون أحسن من ماضيه، ولن يكون إلا امتدادا لحاضره الذي يحتضر، فلا نملك له إلا العزاء . وطن هذا حاله لن يسعد فيه الضعفاء، ولن يسلم من شر الأقوياء، ولن يأمن الجائع فيه من الصائع ، ولن تنفعه أسماك مثلجة رفضتها الأسواق الدولية،ولا يحتاج إلى دكاكين ببضائع صينية كهربائية مغشوشة....سلام....
https://telegram.me/buratha