هشام حيدر
لازال البعض حتى الان يعتقد ,او يروج فحسب, ان المرجعية كانت قد اخطأت حين حرمت الدخول الى المدارس التي انشئها الاحتلال البريطاني في عشرينيات القرن المنصرم .....واذا كان معظم هؤلاء هم مجرد انصاف متعلمين فلاعتب عليهم اذن ولاعجب فهم مقلدون لاغير لاسيما اذا سبقهم في هذا التقليد من قيل عنه انه علامة ودكتور وعالم الاجتماع الاول واعني به الدكتورعلي الوردي تحديدا!هذا (الوردي) الذي كلما تعمقت في مؤلفاته زادني حيرة, فيه اولا,وفي هذا الوسط الذي رفع من شأنه وعظمه وهو بهذا المستوى من التفكير الضحل والمتناقض في كثير من الاحيان , لمجرد انه اول من ألف في علم الاجتماع !في كتابه (وعاظ السلاطين) يتطرق الوردي لاعلان الثورة ضد الانكليز من قبل المرجعيات الشيعية وفتوى وجوب انفاق الناس اموال الزكاة على امور الجهاد وذلك في الصفحة 259 , وكان قد اكد في الصفحة السابقة ان علماء الشيعة عضدوا مختلف الثورات في ايران والعراق وبلاد الشام , وهذا يعني المساس باموال الناس وانفسهم وارغامهم على تقديمها رخيصة طاعة لفتوى المرجع التي تمثل الواجب الشرعي , والمثير للسخرية ان الوردي وقبل صفحتين فقط يدعي ان (الفقيه الشيعي -تحرر- من عبودية الحكومة.ولكنه أمسى في نفس الوقت عبدا طيعا لاهواء العامة وخرافاتها).وان الفقيه الشيعي لم يقدم على الاستفادة من فتح باب الاجتهاد لان العامة لاتحب التجديد و(الفقهاء يعتمدون في ارزاقهم على العامة) فيخشى الفقيه الشيعي ان (تثور عليه العامة فتقطع رزقه)!!مع ان التاريخ لم يقدم لنا (ثورة) لعامة الشيعة على مراجعهم ....ولو كان لعامة الشيعة التمرد والثورة والعصيان على المرجعية فان الاولى ان تكون هذه (الثورة) لاجل الحفاظ على النفس او المال , فكيف يخشى من يفتي بالجهاد وانفاق المال في سبيله من الافتاء بما هو اقل شأنا من هذه التكاليف العظيمة في خطرها؟؟!ويدعي الوردي ان (اكثر الناس لايتركون دنياهم لارضاء رجال الدين فهم يلتزمون الدين عادة حين يرونه ملائما لمصالحهم الدنيوية)ص260.وليته كان حيا لنسأله هل يتلائم الجهاد ودفع الزكاة مع المصالح الدنيوية ؟؟ وهل ان الناس على احتكاك بالمرجع كي يفكروا بنيل رضاه؟ !لم تكن هذه شطحة وردية عابرة بل كان هذا منهجا سار عليه الوردي غالبا في كتابه هذا وكتبه الاخرى, فهو يدعي انه قلما يجد (مجتهدا شيعيا يعلن ارائه الحرة على الناس)..(وكثيرا يبطن المجتهد الشيعي شيئا ويظهر خلافه ) نتيجة الخشية من الناس!!...مع ان مؤلفات فقهاء الشيعة تملاء المكتبات قديما وحديثا وان من اهم اراء المجتهد الشيعي ماتتضمنه رسالته العملية في احكام العبادات والمعاملات...اي خلاصة ارائه في الحلال والحرام !ثم يتطرق الوردي لقضية لازالت تطرق بين الحين والاخر وهي قضية تحريم دخول المدارس التي قام الانكليز بانشائها حيث لازال البعض يدعي ان سبب اقصاء الشيعة عن المناصب كان بسبب عدم دخول ابنائهم للمدارس وحصولهم عل الشهادات العليا وهو عذر سخيف اسخف من تبريرات وتحليلات الوردي لان هناك الكثير من الاسر الشيعية غير الملتزمة لم تمتثل لهذه الفتاوى وسارت على النهج العلماني لكنها لم تسلم من نظام التهميش الطائفي المقيت الذي جعل العراق دوما على حافة بركان طائفي !عموما.....وكما قلت اعلاه فانه لاعجب من تقولات بعض اشباه الكتاب وعناصر بعض الاحزاب المعادية لخط المرجعية وتوجيههم اللوم والنقد للمرجعية لموقفها من المدارس الانكليزية, لكن العجب ممن هو بمقام الوردي الذي وضعه البعض فيه ,اذ ساير القوم في تخرصاتهم تلك رغم انه ينقل عن المس بيل سبب قيام الانكليز بانشاء هذه المدارس اذ تقول(ان رجال الدين كانوا من اكبر دعاة الثورة في العراق خلال الحرب العالمية الاولى وبعدها,وهذا مما دعا رجال الحكم الى انشاء المدارس الحديثة لكي يضعفوا بها الدين في نفوس الجيل الجديد,ويقتلعوا بذلك جذور الثورة من اساسها)! هذا ماينقله الوردي بنفسه عن المس بيل عرابة الاحتلال وضمن سياق الكلام ذاته وفي الصفحة 259تحديدا ثم يتوصل الوردي الى ان (المحتلين ارادوا ان يبثوا في عقول الطلاب النزعة العلمانية لكي يكافحوا بها نفوذ اولئك الفقهاء) ثم يقول معقبا في الهامش مانصه(حاولت سلطات الاحتلال ان تضعف بمدارسها الحديثة نفوذ فقهاء الشيعة فاضعفت بذلك نفوذ جميع الفقهاء في العراق حيث اشعلت الاخضر واليابس في ان واحد, واصبح الجيل الجديد عزوفا عن الدين ساخرا منه في صور شتى )!!فكيف تتهم المرجعية الشيعية بعد ذلك او يعاب عليها موقفها رغم انه موقف حكيم نجح نجاحا باهرا في قراءة الموقف وشخص الغاية من هذه المدارس الانكليزية الحديثة ؟ وهذا ما اشار اليه الوردي اشارة عابرة في اطار كتابه هذا لكنه دأب على النيل من المرجعية فيه وفي كتبه السقيمة الاخرى !اما قضية تحريم المشاركة في الانتخابات فقد جاء هذا الموقف بعد التاكد من زيف هذه الانتخابات التي هي في حقيقتها استفتاء, هل تقبل بفيصل ملكا ام لا؟ حيث كانت نوايا الانكليز بتنصيبه كدمية بايديهم واضحة لذا ارادت المرجعية سحب بساط الشرعية من تحت اقدامه واقدام الاحتلال الذي اعلن ان نتيجة الاستفتاء كانت لصالح فيصل بنسبة 96% تماما كالنسب التي يحصل عليها الحكام العرب الذين اوصلتهم المخابرات الامريكية او البريطانية او الفرنسية للحكم حتى عهد قريب !يكفيه (الوردي) لاثبات صحة تحليلاته وتنبؤاته (الاجتماعية) ماورد في الصفحة 260 اذ يقول (ان الطائفية في العراق هي في طريق الزوال .فهي لاتستطيع ان تبقى في المجتمع بعد ذهاب ابيها الدين.انها الان في مرحلة الانتقال الى رحمة الله تعالى .وهي ستلحق بابيها المرحوم عاجلا او اجلا)!ان من يقرأ هذا اليوم للوردي سيسخر منه حتما ومن افكاره وتناقضاته اكثر مما كان يسخر هو في حينه وهو يسطر هذا الهراء على انه (علم اجتماع)...كمثل السخرية المتبادلة بين نبي الله نوح ع وقومه (وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال انا نسخر منكم كما تسخرون)!وان كنا نجد له العذر حيث كان يطفو على امواج مد علماني طارىء على المجتمع العراقي فكيف عسانا نبرر لمن يردد هذا السخف اليوم ؟ اللهم الا ان كان شعاره (هيهات الا دفنا دفنا) على طريقة معاوية, و(اكذب اكذب حتى يصدقك الناس) على طريقة وزير اعلام هتلر...سيء الصيت..(غوبلز)!اما مخطئة المرجعية في هذه المرحلة فقد توزعوا على اقصى اليمين واقصى اليسار لاسيما بعد االغزو الامريكي عام 2003 فكان هؤلاء بين من يدعي انه ناقم على المرجعية لانها لم تعلن الجهاد وبين متهم اياها بالجهل وقلة المعرفة والخبرة والتدخل الخاطىء في الامور السياسية ومطالبا اياها بالاعتزال والانزواء في المسجد وترك مالله لله ومالقيصر لامريكا !الفريق الثاني كفتنا حكمة المرجعية وحنكتها مؤونة الرد عليه , وهذه الحكمة ليست وليدة اليوم ,اذ ان كل متابع ومطلع على تاريخ العراق او المرجعية يعرف كيف تعاملت المرجعية مع الدولة العثمانية ومع الاحتلال الانكليزي وكيف قامت بمخاطبة المحافل الدولية كعصبة الامم المتحدة مثلا لشرح الوضع العراقي ونوايا الاحتلال الانكليزي في ذلك الوقت الذي يغط فيه معظم الساسة بسبات جهل عميق!اما في هذه المرحلة فقد اعترف الاعداء قبل الاصدقاء مرغمين بحكمة المرجعية ودرايتها ...والفضل ماشهدت به الاعداء !!راجع المقال المنشور بعنوان ( كنا نقبل يد السيستاني) !اما الفريق الاول المخدوع بما تروجه بعض الاحزاب المشبوهة التي اضطلعت بدور تسقيط المرجعية وتشويه صورتها في الوسط الشيعي فقد تبنى في حقيقة الامر فكرا بعيدا عن التشيع وقريبا منه في ان واحد , واعتمد بخبث على التجارب التاريخية في هذا الاطار فتبنى الفكر الزيدي ولكن بمظهر شيعي حيث يقوم هذا الفكر( الزيدي) على نظرية ان ( الامام من قام بالسيف).!وكما قادت هذه النظرية بعض الشيعة للانحراف عن الائمة المعصومين ورفض القول بامامتهم يسعى الزيديون الجدد الى جر الوسط الشيعي للابتعاد عن المرجعية على انها (صامتة وساكتة ولاتقول بالجهاد او الخروج على الحاكم الظالم ....)!ولشرعنة طروحاتهم هذه يعمدون لعقد المقارنة بين نهضة الامام الحسين ع وثورته ثم ثورة زيد الشهيد رض ثم يقفزون الى السيد الشهيد محمد باقر الصدر قد ولكسب المزيد من المؤيدين يقال احيانا (الشهيدين الصدرين)...وهذا يعني ببساطة رفض امامة الائمة من الامام زين العابدين ع الى الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف ثم رفض النواب الاربعة ثم رفض كل المرجعيات من ذلك التاريخ حتى يومنا هذا ربما باستثناء اصحاب فتوى الجهاد ضد الانكليز ماداموا في حالة حرب والا فهم مشمولون ايضا قبل الحرب و بعد ان وضعت الحرب اوزارها !اذن فما هي حقيقة الامر ؟؟هل يرفض الشيعة ومن قبلهم ائمتهم فرض الجهاد وينكرونه باستثناء الامام الحسين ع ؟وهل ان الفقهاء الشيعة يندرجون ضمن قائمة (وعاظ السلاطين) او ( فقهاء البلاط) الذين ساهموا في ترسيخ اقدام الانظمة الديكتاتورية بدءا من النظام الاموي الى العباسي وانتهاء بالنظام الحالي الذي تهاجم المرجعية لموقفها المتحفظ على بعض التظاهرات المشبوهة ضده ؟؟!!ان الرد على هذه التساؤلات يحتاج الى مقال طويل جديد يخرج هذا المقال من صفته ليحيله الى بحث مختصر عليه نؤجل موضوع الاجابة على هذه التساؤلات الى مقال اخر باذن الله تعالى .
يتبع...
هشام حيدرالناصريةhttp://husham.maktoobblog.com/
https://telegram.me/buratha