عادل العتابي
الملايين مرت بذلك الزقاق الرهيب من دون ارادتها وعدم الرغبة منها وخرجت منه وهي تفقد بعضا او جميع احشائها،وقفت بباب من ابواب ذلك الزقاق وانا ابكي بحرقة تكاد ان تتحول الى صرخات يعيدها الفضاء كصدى مرير يغسل الدموع الحارة،وكلما اردت الوقوف على قدميّ ترنحت شمالا ويسارا لاعود الى الجلوس في وضع القرفصاء او الاتكاء على اي شيء صلب من حولي لاسيما الجدران الاسمنتية الصماء،لآواصل البكاء من جديد وبحرقة اكبر وانا اتذكر حياة اخي التي قضاها بمرارة وشقاء واسى.انه زقاق معهد الطب العدلي اذ كانت جثة اخي تبيت ليلتها الباردة هناك،اخي الصغير (عامر) ذلك الجندي المكلف في الفيلق الرابع وفي مغاوير حطين بالذات تلك الوحدة العسكرية التي جعلته قريبا من الموت في مرات ووضعته في منتصف الموت مرات اخرى،فكان يأكل ما تنبت الارض ومافي جيوب اخوته الشهداء من صمون يابس وهو يمثل دور الشهيد بين الجثث المتناثرة هنا وهناك لحين ان تعود القوات العراقية لتحرر المكان مجددا فيتم نقله الى المستشفى ليعود بعد ذلك ويعيش قصة اخرى اقسى بشاعة واكثر رعبا من الاولى.وبين دموع والدتي (رحمها الله) وبين الطريق الى العمارة حيث مقر الفيلق الرابع كنت احاول ان احصل على اخبار اخي من الجنود والجرحى واعود لاقول لها ان ابنك مازال حيا.اما اليوم فاني اصرخ في مقبرة وادي السلام : ياامي ان عامر لحق بك الى جوار رب كريم بعد سنة من وفاتك. لكون اخيه الاكبر الملازم عدنان العتابي كان قد تم تنفيذ حكم الاعدام فيه رميا بالرصاص عام 1970 كان (عامر) حريصا على عدم الهروب او التراجع او حتى الاختباء في كل المعارك التي خاضتها مغاوير حطين.وتسرح بعد ذلك من الجيش صفر الدين بلا رتبة او وسام او نوط او راتب تقاعدي او اي شيء اخر لانه من ذوي المعدومين،بعد سقوط صدام بقى عامر بلا وظيفه او راتب وهو يسكن في بيت الاهل مع زوجته وابنائه الثلاث القصر بالعمر كما هو شأن ذوي الشهداء ممن ضحوا بحياتهم في وقت كانت ايادي الاخرين من القيادات السياسية الحالية تمتليء بالفقاقيق من شدة التصفيق لصدام واعوانه وهم الان في بحبوحة العيش . كنت قد نشرت موضوعا عن حاجته الى العلاج في الزميلة (الصباح الرياضي ) الا ان احدا من المسؤولين في الداخل والخارج لاسيما في وزارتي الصحة والشباب والرياضة لم يستجب لتلك الدعوة وبقى اخي بين جثث الاحياء هذه المرة يصارع الحياة القاسية كما كان يصارع العدو ايام الشباب.لم تستجب اية وزارة لانقاذ حياة مواطن فقير قدم للوطن الكثير وهو شقيق اول ضابط ثائر في مدينة الحرية.لن يوقف موت اخي دعواتي المستمرة الى اهمية رعاية الرياضيين وبالاخص الرواد منهم ولاسيما كبار السن والمرضى فهم عنوان كبير لبلدهم،واذا ما كنت قد فقدت اخي ولم اتمكن من تقديم شيء له فان الاخرين ذمة في عنقي لتقديم كل مايسرهم ويزرع البسمة على شفاه ذويهم .. واشقاؤهم.
https://telegram.me/buratha