طالب عباس الظاهر
ببراءة طفولية كانت تغفو ليلتها الفائتة ما قبل الكارثة، وتنام نومتها الملائكية ما بين المرتفعات العالية وقمم الجبال الشمّ، وتفترش خارطة وطننا الشاعري، متوسدة أحلامها وأمانيها على أديم الربى الخضراء، وعند الفجر الندي تستيقظ نشطة ... تتقافز جذلا، وتجوب الفضاء الفسيح... متهادية مع تفتح الأزهار الجديدة وهي تعانق دفء الخيوط الذهبية لبزوغ الشمس...تلاحق أناملها أسراب فراشات ملونة، تطير هنا وتحط هناك، وجدائلها الشقراء تعلو وتهبط مع قفزات طفولتها البريئة، بعد ما انقضى فصل الشتاء القارس، بانهمارات شلالات الزمهرير، وبدء ذوبان الجليد التدريجي عن قمم الجبال وانحداره في الأودية العميقة، وراحت شيئاً فشيئا ترتدي حلّة جديدة نضرة، وتكتسي ثوب أخضر موشى بألوان زاهية، استعداداً لموسم الفرح ، والاحتفال بعيد الربيع القادم.كانت قبل ساعات فقط أثناء الليل، تنعم بالهدوء، وتتوحد مع ذاتها الملائكية بصفاء الطقس، واعتدال المناخ الآذاري حينذاك، رغم إنها إنما كانت تنام ليلتها الأخيرة، وتحيا ساعات الوداع الحزين في غفلة تامة عما يضمره الغيب لها في صبيحة اليوم التالي تماماً، جراء تربص أيادي الغدر بها، بل توحش نهش مخالبهم الشرهة، وأظافرهم الحادة، المتعطشة أبداً لشرب المزيد من الدماء البريئة، حيث كانت على موعد مع موت أسود قادم، ستحمله على متنها غربان حرب لا قلب لها، تنفث سمومِ حقدٍ قاتل، كفحيح الأفاعي على كل ما هو بريء وجميل في ربوعها، كي لا ينجو فيها ناج ٍ حتى الحيوان والنبات والجماد، لأن كل ذنبها إنها ترفل بعفاف العذارى، وتغفو على سفح الوادي كعروس الفجر الساحرة، وهي تتوشح طهر بياض الغيوم، ونقاء ندى الفجر، لأن عتمة الجريمة ما برحت تكره صفاء الجمال وعفة نقائه. لكنها مازالت رغم خطوب الدهر، ومنذ أكثر من عقدين من الزمن متوسدة حلمها الوردي الذي لم تكتمل فصوله للآن، ولن تكتمل أبداً، بل ما زالت مستمرة بإغفاءتها... فتنام نومتها الأبدية الخالدة بصمت، جنب صمت الوادي ما بين سكون الجبال، بعدما حوّل المجرمون الظّلمة صبحها إلى ليل دامس من الأحقاد، وصيروا ثوب براءتها الأبيض إلى كفن ٍ...بيد إن حلمها الوردي ما فتيء يراود خيالاتها، وهي لم تزل تنتظر بفارغ الصبر طلوع الفجر الندي جديداً، ساعة أزوف الفرح الغامر بألوان قوس قزح، لقدوم فارس النهار المشرق...لحظة تحين الساعة الموعودة، وينبثق من عتمة ضباب الغبش، ويغشى وجه الوجود، مغطياً أديم المروج الخضر، وقمم الجبال الشم المتوجة بالثلج...فارس مابرح يراود خيالاتها...حينما يجيء ممتطياً فرسه الشهباء للأخذ بحقها من كل أولئك الأوغاد القتلة، فيأخذ بيدها وأيادي جميع المظلومين على الأرض صوب جنة أحلام خضراء موشاة بحمرة الورد للعدل الإلهي، حيث الهناء الدائم في جنة الفردوس.
https://telegram.me/buratha