عمار احمد
في ظل النظام الديمقراطي الحقيقي تتوفر مساحة كبيرة وواسعة من حرية التعبير عن الرأي وطرح الافكار المختلفة سواء من خلال وسائل الاعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة والالكترونية، او عبر المنابر السياسية، او بواسطة مؤسسات المجتمع المدني والمنتديات والملتقيات الفكرية والثقافية والاجتماعية التي تمثل واجهات وعناوين لها.والاعلام بمختلف عناوينه واشكاله ووسائله يمثل احد اهم وابرز مظاهر النظام الديمقراطية بأعتباره حلقة وصل بين اطراف متعددة، وابواب وقنوات لايصال مختلف الرؤى والافكار في فضاء واسع من الحرية.وهذا الفضاء الواسع من الحرية يمكن ان يكون سيف ذو حدين، وخصوصا اذا خضع لهيمنة ونفوذ وسطوة جهات نافذة ومؤثرة بأمكانياتها وصلاحياتها الادارية والمالية والسياسية، لانها يمكن ان تجيرها لصالح تمرير اجنداتها واطروحاتها وافكارها وتصوراتها في ذات الوقت الذي تقوم فيه بحجب هذا الامر عن الاخرين من منافسيها وخصومها وحتى شركائها.فالاستغلال بهذه الصورة يعرض النظام الديمقراطي للخطر، ويسيء الى سياقات عمله الصحيحة.والمشكلة لاتكمن في اداء وسائل الاعلام المملوكة للاحزاب او الاشخاص وانما لوسائل الاعلام الممولة من المال العام والمفترض انها تكون مستقلة وبعيدة عن المؤثرات والتأثيرات الحزبية لهذا الكيان او ذاك.والمثال الاقرب لذلك هو هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) التي مازالت تمول من الميزانية العامة للمملكة المتحدة في ذات الوقت الذي تتمتع فيه بأستقلالية تامة في عملها، بصرف النظر عن الجهة الحزبية الماسكة بزمام الامور.وربما يتفق معظم المختصين والمعنيين بشؤون الاعلام بأن هيئة الاذاعة البريطانية حافظت خلال مسيرتها الطويلة الممتدة الى اكثر من خمسة وسبعين عاما على نهج اعلامي حيادي الى حد كبير.والنموذج الاعلامي الذي تأسسس في العراق على غرار هيئة الاذاعة البريطانية هو شبكة الاعلام العراقي، وبالتحديد قناة العراقية الفضائية، فهي قناة ممولة من المال العام لكنها غير تابعة للحكومة، ويفترض ان تكون في ادائها وتناولها وتعاطيها على مسافة واحدة من الجميع، وبما يسنجم ويعزز التجربة الديمقراطية في العراق ويرسخها وينجحها.ولكن واقع الحال ليس كذلك، وهو ما يقوله الكثير من المعنيين والمراقبين، فالعراقية لم تكن حيادية وموضوعية مثلما هو مطلوب، وكانت ومازالت تحابي وتجامل وتروج لهذا الطرف او ذاك على حساب الاطراف الاخرى.ويتضح الامر بدرجة كبيرة خلال الحملات الانتخابية وحينما تظهر قضايا ينبغي على العراقية ان تطرح مختلف وجهات النظر حيالها بنفس المستوى، لا ان تفرد ساعات طويلة لاتجاه الحزبي الفلاني، وتخصص ثوان او قد لاتخصص شيئ للاتجاه الاخر. او ان تتلقى املاءات واوامر من جهات معينة صاحبة تأثير ونفوذ لتخرجها عن حياديتها وموضوعيتها المطلوبة.مختلف القوى والتيارات والشخصيات السياسية تشتكي وتتذمر من اداء قناة العراقية الا جهات قليلة يعجبها واقع الحال.يتذكر الكثيرون ان رئيس مجلس النواب العراقي الحالي اسامة النجيفي اعلن بعد تسنمه موقع الجديد قبل شهور قلائل نية المجلس انشاء قناة فضائية خاصة به، على خلفية التغطية غير المقبولة للعراقية لجلسات مجلس النواب.ولايبالغ من يقول ان قناة العراقية تبدو في كثير من احيان وكأنها وسيلة اعلامية تابعة لتيار سياسي معين وليست وسيلة اعلامية لدولة ويخصص لها سنويا اموال طائلة من الميزانية. بل وتبدو في بعض الاحيان اكثر ملكية من الملك!.
https://telegram.me/buratha