علي بابان وزير التخطيط السابق و عضو ائتلاف دولة القانون
الإقتصاد العراقي ...إستراتيجية التشغيل لكل إقتصاد في العالم و في أي بلد من البلدان ( بغض النظر عن درجة التطور الذي وصل له أو عن المذهب الإقتصادي الذي يتبناه)...أولوية يحرص عليها و هدف يضعه في المقدمة ولا يقدم عليه هدفا آخر ، ففي الدول الغنية و المتقدمة مثلا نسمع أن الهدف قد يكون كبح جماح التضخم أو الخروج من الإنكماش أو التفوق في المجال التقني و ما إلى ذلك من الأهداف التي تفرضها طبيعة أوضاعها أو خصوصيات المرحلة التي تعيشها ، أما في البلدان النامية نجد أن الأولويات تختلف فبعضها قد تركز على جذب الإستثمارات في حين أن دولا أخرى تضع مكافحة البطالة على رأس اهتماماتها أو نجد أن التغلب على مشكلة فقر السكان هو الذي يحظى بالأولوية و هكذا.. في بلد مثل العراق لو وجهت لي سؤالا ما هي الأولوية التي ينبغي لها أن تكون محط الإهتمام و التركيز في مثل ظروف الإقتصاد العراقي و حساباته لأجبتك بلا تردد... أنها استراتيجية التشغيل و صناعة فرص العمل ، و إذا ما طرح السؤال عن مبررات ذلك لجاء الجواب مفصلا على النحو التالي...أن إستراتيجية التخفيف من الفقر يمكن أن تتحقق من خلال إستراتيجية التشغيل في حين أن العكس ليس صحيحا ..كما أن العراق و بسبب ثراءه الطبيعي قد لا يجعل من إستجلاب الإستثمارات الأجنبية إهتمامه الأول . عندما نتحدث عن إستراتيجية تشغيل في العراق لابد من ملاحظة ثلاثة إعتبارات في غاية الأهمية ..الإعتبار الأول... أن منظومة التشغيل لا توجد إلا في ظل عملية إنتاجية نشطة و كفوءة و فاعلة لا تترك مصدرا من مصادر الثروة في البلد إلا و تحرك عجلة الإنتاج فيها.. ولا يمكن لنا أن نعتبر أن صنع الوظائف الوهمية في أجهزة الدولة و مؤسساتها ضمن منظومة التشغيل التي نعنيها. الإعتبار الثاني..أن التشغيل الذي نريده لابد أن يبنى على مفاهيم الإدارة الحديثة و المعتمدة على الحوسبة و الذي يقوم على الاستخدام الكفؤ و الأمثل للموارد البشرية. الإعتبار الثالث... علينا أن نقلص من التزامات الدولة قدر الإمكان و نحيل المزيد من المهام و المسؤوليات إلى القطاع الخاص العراقي و الأجنبي بعد أن يتم إزالة العوائق التي تواجه هذا القطاع في الوقت الحاضر و بعد أن توفر المستلزمات الضرورية لنشوءه و تطوره. أن نظرة واحدة إلى تجربة الدول المتقدمة في التشغيل و التغلب على البطالة قادرة على أن ترفدنا بالمزيد من الدروس الثمينة فهذه الدول لا تسعى إلى حل مشكلة البطالة من خلال حلول مبتسرة أو غير واقعية تلحق الضرر بإقتصادها فلا فرصة لأي إنسان أن يلتحق بعمل إذا لم توجد المبررات الفنية أو العملية لهذا العمل ولا ضغوط على أية مؤسسة عامة أو خاصة لكي تخلق فرص عمل لا تحتاجها أو تشغيل أفراد لا توجد مبررات واقعية لعملهم داخل المؤسسات ، إذ أن الإقتصاد المتعافي و الكفؤ هو الذي يصنع فرص العمل الحقيقية لا الوهمية ، و عندما تلحق إنسانا لا حاجة حقيقية له بمؤسسة فأنك تلحق الضرر بهذه المؤسسة و لنظام العمل فيها..و لنتأمل هل أن إقتصادا كالإقتصاد الياباني أو الألماني أو الأمريكي عاجز عن استيعاب الخمسة أو الستة بالمائة من العاطلين في مؤسساتها الإقتصادية العملاقة ...الجواب على ذلك هو كلا بالطبع..و هذه الدول قادرة بمؤسساتها الإنتاجية على إستيعاب العاطلين خلال ساعات و لكنها تحجم عن فعل ذلك للسبب الذي أشرت إليه و لأنها تريد أن تقيس أدائها الإقتصادي من خلال قياس فرص العمل التي يولدها إقتصادها...فالمزيد من هذه الفرص يعني إقتصادا متوسعا يعمل بكفاءة و القليل منها و المزيد من البطالة يعني اقتصادا لا يعمل بكفاءة و تلك الدول المتقدمة حريصة جدا أن ترى الصورة الحقيقة لاقتصادها بلا رتوش أو تزيين. علينا أن نمعن النظر في هذه النماذج لاسيما و أننا نجد توجها لدى الدولة لخلق عشرات الآلاف من الوظائف في الأجهزة الحكومية و تكون نتيجة ذلك نموا مفرطا في النفقات التشغيلية للدولة على حساب النفقات الاستثمارية التي تصنع فرص العمل الحقيقية و تدير عجلة الإنتاج و دورة الحياة الاقتصادية في المجتمع. لعل من نافلة القول و من بديهيات الأمور التذكير بأن البطالة و نسبها المرتفعة هي أصل الكثير من المشاكل و المعضلات في مجتمعاتنا العربية و هي سبب للتذمر السياسي و الاجتماعي و للاحتقانات التي تنذر بهز الاستقرار في العديد من الدول و ما أحداث العالم العربي خلال الأسابيع الماضية و دروسها الهامة عنا ببعيدة ، فمصادرة عربة البوعزيزي التي استكثرها النظام التونسي على ذلك العاطل الفقير أشعلت ثورة في تونس ما لبثت أن امتدت بنيرانها إلى أكثر من قطر عربي. إن نسب البطالة في العراق تدعوا للقلق الواضح و سواء أكانت هذه النسبة 20 أو 40 بالمائة فأنها لا تناسب بلدا بأوضاع العراق و ثرائه فضلا عن أن بقاء البطالة بهذه النسبة تعني مزيدا من التأزم الاجتماعي و السياسي الذي يقود إلى سيناريوهات كارثية نحن في غنى عنها مع وجود العديد من بؤر التوتر السياسي و التفجر الاجتماعي في بلادنا.
https://telegram.me/buratha