حافظ آل بشارة
عشية اشتداد القمع الدموي والتدخل الخارجي في البحرين ، وتواتر الهجمات العسكرية المعاكسة لمليشيات القذافي لقمع الثورة الليبية ، والتدخل المسلح لعدد من الدول بتخويل مجلس الامن ، يكرر العالم تجربته بأحراق الغابة بحثا من ثعلب ، يبدو العالم كأنه ديوث كبير الحجم لا غيرة له يتفرج باعصاب جليدية على مايجري من جرائم في منطقتنا العربية المتضرر الوحيد فيها هو الشعب ، الغرب يرى ان هذه المنطقة هي حثالة المعمورة ، اتباعه من الحكام هم الذين صنعوا لديه هذا الانطباع ، واذا اراد الغرب ان يتدخل في شؤوننا ينسلخ من كل اعتباراته الانسانية والعاطفية ويقدم مصالحه الحافلة بالانانية والقسوة . لاحظ العرب قبل غيرهم عدة اشكال من التدخل الغربي في شؤون منطقتهم ، رأوا انتقائية واضحة لكنها مبررة بحملات اعلامية وقرارات أممية تنفذها صواريخ توما هوك وطائرات اسرع من الصوت ، يتدخلون احيانا عبر القارات لمساندة التغيير السياسي في بلد ما وتسجيله باسمائهم واعتباره تجربتهم المعززة باحتلال علني كما جرى في العراق ، فاسسوا بذلك لقاعدة خاطئة ، يريدون ان تقتنع الاجيال المقبلة بأن الاحتلال الاجنبي يكون حلا ذهبيا في بعض الاحيان ! بينما هناك تدخل من نوع آخر هدفه منع التغيير السياسي ويتحول الموقف الاجنبي الى اعلان حرب على شعب كامل بلا مبرر كما يجري في البحرين ، أمروا اتباعهم بارسال قوات تقاتل بالنيابة لقمع الجماهير ومنع التغيير السياسي ، يستخدمون سياسة توريط الآخرين ، سوف تتلطخ جميع دول مجلس التعاون الخليجي بالدم البحريني ، هذه الدول كانت تدعي انها تشترك في بناء نموذج اقتصادي حر وتطوير التنمية وتحقيق الرفاه والديمقراطية لكنها الآن اصبحت تشترك في تنمية القمع والموت ومنع الديمقراطية تلبية لاوامر الاسياد ، هناك نوع آخر من التدخل وهو ممارسة الخذلان المقنع والتفرج عن كثب والمتاجرة بالشعارات اي التدخل الاعلامي فقط وعدم تحريك ساكن على الارض ، هذه الازدواجية يتستر عليها الغرب ، الشعوب مستعدة للتحرك لكن الفراغ القيادي والفكري يهيمن على الثورات الربيعية في العالم العربي ، هناك من يتهم المثقفين العرب ويعدهم الجزء الأخطر في الازمة فقد تحول المثقف العربي الى مراقب يصف الاحداث ويتوقع المستقبل غير معني بما يجري ، بينما يلعب المثقف في الامم الحية دور القائد وصانع الحدث والمتبني والمحرض والناقد والمصلح ، هو جزء من المشهد وليس واصفا له ، وحامل الراية وليس المتفرج عليها ، بينما في منطقتنا يتهمون المثقف بأنه عبد في البلاط الرئاسي او في بلاط المعارضة ، وقيل ان هناك نوعا ثالثا من المثقفين الذين يصبحون عبيدا ليس للسلطة او المعارضة بل عبيدا لانفسهم واوهامهم فيستكبرون على الامة ويعتبرونها مجموعة تلاميذ همج في مدرسة الحضارة ، بينما يعد المثقف نفسه ليس حارسا او فراشا في هذه المدرسة بل المدير . يجب على المثقف العربي ان يعيد تحديد مكان قدميه على خارطة التحولات الراهنة ، يجب ان ينحاز لشعبه ويملأ الفراغ القيادي والفكري للانتفاضات التي يصم هتافها مسامع الحاكمين كل لحظة ، عليه ان يكون مصلوبا هذه المرة ولا يكتفي بدور من يصف مناظر المصلوبين ، عليه ان يكون الجزء الفاعل من الصورة وليس المتفرج عليها .
https://telegram.me/buratha