*بقلم خليل الفائزي
كما هو حال الشعوب في المنطقة فنحن محفل الإعلاميين و الصحفيين يجب وضعنا في متحف العصر الحجري نظراً لسذاجتنا و بساطتنا فقد انخدعنا جميعاً بالإعلام الموجه الذي تلقيه علينا و تلقنه لنا قنوات الجزيرة والعربية والحرة و بي بي سي، فقد تصورنا ان شعوبنا حققت انتصارات واقعية و فوزا عظيما في تونس و مصر واليمن و ليبيا و جميع البلدان التي شهدت انتفاضات شعبية مزعومة.
نقول هذا ليس من باب اليأس والإحباط وعدم التفاؤل في انتفاضات الشعوب و سقوط الكثير في هيبة زعماء المنطقة لكن بسبب حقارة الحكام و تمسكهم بالسلطة وقتلهم لشعوبهم بكل قسوة وكذلك ان نتائج هذه الانتفاضات قد أطفأت جذوة نار الفرحة والسعادة فين قلوبنا و مواقف الذين استلموا الحكم و السلطة بعد رحيل الزعماء المستبدين و أفعال الحكام الطغاة المتبقين دفعتنا نحو مرحلة اليأس و الإحباط و أفقدت فينا الآمال والتوقعات و ربما لم تبق لنا اي امل بنجاح سائر الانتفاضات التي تشهدها المنطقة، لماذا عدم التفاؤل هذا الشعور باليأس؟ لنقرأ معاً العناوين الإخبارية التالية:
- زين العابدين بن علي و أسرته يعيشون افضل حياة في شبه الجزيرة العربية و يخطط هؤلاء للانتقال للعيش في دولة أوروبية يحملون معهم حسابات فيها اكثر من 25 مليار دولار،و هو ضيف معزز مكرم على نظام ال سعود الذي طالما استضاف ويحمي الطغاة و المستبدين- حسني مبارك و أسرته يقضي الان فترة استجمام و راحة في إحدى المنتجعات المصرية بالقرب من إسرائيل و هو يجمع الان مدخراته البالغة نحو 71 مليار دولار للانتقال قريبا الى أوروبا او أمريكا او ربما البقاء في مكان سري للغاية داخل مصر من اجل تحريك بيادقه في الجيش و السلطة عن قرب. - الحاكم العسكري في مصر المشير محمد طنطاوي اجتمع مؤخراً مع مبارك في منتجعه الخاص و قبّل يد مبارك و لعق حذاءه قبل التباحث معه حول الأوضاع الراهنة والمستقبلية في مصر و كيفية احتواء الانتفاضة و الحيلولة دون تحولها الى ثورة عارمة.- الحكومة المصرية الحالية لاتزال تستلم مساعدات مالية وغير مالية من أمريكا، والأخيرة أكدت انها ستواصل تقديم الدعم المالي لمصر شريطة ان تواصل الحكومات المصرية تطبيق كافة بنود الاتفاقيات المتعلقة بالسلام في الشرق الأوسط اي الاستسلام لإسرائيل دون قيد و شرط.- مصر تواصل ضخ الغاز الى إسرائيل و بالسعر السابق اي ثلث سعر المتفق عليه دولياً، و لا تزال سفارة إسرائيل ناشطة في القاهرة دون وجود اي مطالبة واقعية من اي طرف لقطع علاقات مع إسرائيل او حتى تقليص العلاقات معها.- نظام علي عبد الله صالح الهمجي في اليمن استخدم سلاح الدوشكا المخصصة لضرب الدروع و الطائرات ضد المحتجين في ميدان التغيير في صنعاء ، والقتلى بالعشرات و الجرحى بالمئات خلال غضون دقائق! في وقت اعلن فيه بن صالح انه ملتزم كل الالتزام بالديمقراطية و إجراء الحوار الديمقراطي مع المعارضين،و بالطبع حوار الدوشكا ورصاص قناصي الحرس الجمهوري.- القذافي المخبول سياسياً والمجنون نفسياً استعان بمرتزقة أجانب لقصف كافة المدن الليبية المحررة واستخدم كافة الأسلحة و حتى المحرمة دولياً مثل النابلم الحارقة و القذائف الانشطارية ضد المواطنين الليبيين العزل،و لا زال هذا المخبول يقول ان ملايين من المرتزقة تقف معه لقتل كافة أبناء الشعب الليبي من الذين لا يؤمنون بقدسية الكتاب الأخضر. - الأسرة الحاكمة في البحرين و بالتعاون مع قوات مجلس التعاون لاسيما آل سعود قصفت المناطق السكنية في المنامة و فجّرت ميدان دوار اللؤلؤة رمز الاعتراضات لقمع و إبعاد المحتجين الذين اختاروا ضواحي المنامة مقراً لاحتجاجهم السلمية و أعلن الملك الصغير انه حقق النصر الكامل ضد أهل البحرين العزل بمساعدة الوهابيين من ال سعود و ال ثاني و ال نهيان حماة الإرعاب المنظم في المنطقة و العالم
نتساءل و بحرقة قلب، يا ترى اي من الحكام السفاحين و القتلة و المجرمين من فرعون الى هتلر مروراً بأكثر الحكام إجراما و قسوة على مدى التاريخ قتل شعبه و ذبح أبناء بلده كما يفعل الان حكام ليبيا و اليمن و البحرين والدول التي شهدت انتفاضات في المنطقة. صدقا لم يقتل الحكام المستبدون و المجرمون طيلة التاريخ اي من ابناء شعوبهم بل ذبحوا أنصار منافسيهم و مما كانوا يصفونهم بأعدائهم الأجانب و ليس أبناء البلد و ان حكام المنطقة و في العصر الحالي وحدهم قتلوا و ذبحوا أبناء بلدهم مدعين انهم أجانب و وخططوا لاحتلال البلد او انهم أرادوا تغيير السلطة و الحاكم. في اي شريعة وفي اي مذهب او فكر او منهج او نظام يسمح للحاكم المستبد حتى و ان كان منتخباً بـ 99% من آراء الناخبين كما يزعم بفتح النار على أبناء شعبه و يذبحهم كالخراف و الأضاحي دون رأفة و رحمة و يقصف المدن بالطائرات والمدافع و السفن الحربية بل و تتم الاستعانة من قبل الحاكم بمرتزقة أجانب كما فعل القذافي ضد أبناء شعب ليبيا، وفعلها ايضا حاكم البحرين العسكري الذي استعان بأجانب و مرتزقة من آل سعود و ال نهيان و ال ثاني و هذه جرائم بشعة ضد البشرية سيحاسب عليها الحكام مهما طال الزمن و سيعطي حق الانتقام لكافة شعوب المنطقة و العالم والتكاتف معاً لإرسال قوات مشتركة مستقبلاً لإسقاط حكام الإمارات الصغيرات وآل سعود اليهود وال ثاني الإسرائيلي و سائر الحكام الذين ابقوا على حكمهم فترة من الزمن بفضل دعم المرتزقة و الأجانب
لقد كنا نأمل ان تكون الانتفاضات في المنطقة ثورات ذاتية و تعتمد على إرادة الجماهير و ليس الاستعانة بالأجانب الذين سيكون قطعاً لهم سهماً في انتصار بعض الانتفاضات مع الأسف، و سوف يفرض الأجانب ونقصد الغربيون الذين شاركوا في وقف العمليات الإجرامية لبعض الحكام المستبدين رأيهم و شروطهم على اي حكومة جماهيرية تأتي بعد سقوط النظام الطاغي خاصة و ان الأجانب بالتأكيد يقاتلون و يتدخلون ليس دفاعاً عن الثوار والمعترضين بل من اجل النفط و الغاز و العائدات و إبقاء أنظمة المنطقة تابعة لهم او على الأقل لا تهدد مصالحهم و لا تدخل في مواجهة مع قاعدتهم الأساسية في المنطقة ، اي إسرائيل التي ترتعد خوفاً من الانتفاضات و الثورات الجماهيرية الذاتية والواقعية.
و كان من المؤمل ان تحقق انتفاضة تونس أهدافها المرجوة خاصة و إنها أطلقت شرارة الانتفاضات في المنطقة و أسقطت جدار الخوف من هيبة و قدرة السلطات و الأنظمة الحاكمة. فحتى الان لم يتم حل الحزب السابق الحاكم و من يستبعد المسئولون السابقون من المراكز الأساسية و لازال ناهبو ثروات دون محاسبة بل و مستمرون بسرقة المال العام، مع شراء ذمم و أصوات مسئولي الأحزاب السياسية المعارضة الذين ركبوا الموجة و حصلوا على امتيازات مالية و سياسية بفضل المساومة مع السلطة و بيعهم دماء شهداء الانتفاضة رخيصاً لمن يدفع اكثر من المسئولين الحاكمين في تونس. و في مصر تكمن الطامة الكبرى في الشعار المخادع " الجيش و الشعب يد واحدة!" و"الجيش مع الشعب و ليس مع السلطة! " و قطعاً مثل هذه الشعارات مخادعة و زائفة و أضرت كثيراً بالانتفاضة في مصر، فعلى مدى العقود الماضية لم يقف اي جيش و لا قوات مسلحة و لا قوى امن و لا مليشيات مسلحة مهما كان نوعها و شكلها لصالح اي من الشعوب بل ان جميع قادة القوات المسلحة و منذ رحيل الاستعمار عن البلدان العربية والإسلامية اما انهم قاموا بانقلابات عسكرية ضد منافسيهم او ان الأنظمة التي جاءت للحكم بنت لها مؤسسات مسلحة ذات قدرات مالية وعسكرية هائلة هدفها الأول و الأخير هو الدفاع عن مصالح الأنظمة الحاكمة ومصادرة حقوق الشعوب و قمعها بقوة السلاح فقط و لا غير.و نقولها هنا بملء فمنا ان قيادة الجيش في مصر خدعت الانتفاضة و تحايلت على الشعب لانها أول ما قامت به هو امحاء كل أنواع و مظاهر من الاعتراضات السلمية في ميدان التحرير و من ثم حمت بأجنحتها المسلحة كافة ناهبي عائدات البلاد و خدعت قادة الأحزاب السياسية المعارضة و أجبرتهم على المساومة و منعت في النهاية من تحول الانتفاضة في مصر الى ثورة واقعية وهي الثورة ان كانت قد نجحت فإنها لغيرت الكثير من موازين القوى في المنطقة و لرفعت رأس المصريين في السماء ودفعتهم لقطع العلاقات مع إسرائيل و رفض الدعم المالي الأمريكي المزعوم واعتماد مصر على ذاتها في كافة المجالات.
و في اليمن كان السبب الرئيس لتأخر نجاح الثورة فيه هو عدم وجود اي تنسيق او تعاون واقعي بين المعارضة ، فجميع الأحزاب السياسية غير الحكومية تدعو لإسقاط نظام صالح الفئوي والقمعي الا ان أهل الجنوب يطالبون بالانفصالـ و هذا حقهم اذا كان أكثرية المواطنين تطالب بذلك ـ و أهل شمال اليمن يصرون على استعادة حقوقهم في كافة المجالات و الانتقام من النظام الحاكم الذي قتل الكثير من أبنائهم، وهناك مؤيدو جماعة القاعدة الوهابية الإرهابية العملية لآل سعود الذين يخططون لدخول كافة المعارضين في مواجهات مع النظام الحاكم بانتظار استنزاف قدرات الجميع ليحولوا ـ كما يتصورون ـ اليمن بعد ذلك الى نظام طالبان و أفغانستان ثانية على أنقاض الحرب الأهلية، مما أفقدت هذه المواقف طعم الثورة في انتفاضة اليمن بالرغم من نية شبابه الصادقة للانعتاق من سلاسل نظام بن صالح و بناء اليمن حضارياً و مدنياً وإنهاء حقبة التخلف و الرجعية والتبعية للكثير من قادته و حكامه في العقود الماضية.
و في البحرين تتصور الأسرة غير البحرينية الحاكمة و إنها استطاعت احتواء الانتفاضة الشعبية و إسكات المعارضين من خلال الاستعانة بالأجانب من بلوش باكستان و طالبان أفغانستان و آل سعود و آل ثاني و آل نهيان و سائر زعماء القبائل التي كانت في العقود السابقة من اشهر قطاع الطرق و سلاّب الحجاج و المسافرين لبيت الله و شبه الجزيرة و هاهم الان يسلبون شعوب المنطقة عائداتهم و خيراهم و حريتهم و يشاركون معاً تحت حماية الغربيين المحتلين في ارتكاب ابشع الجرائم ضد الإنسانية تحت ذريعة تطبيق بنود مجلس التعاون وميثاق الدفاع العربي المشترك وهي البنود والمواثيق التي لم تطبق حتى الآن سوى ضد إرادة الجماهير و قمع الحريات و دعم أنظمة التوريث غير القانونية .
و نظراً لان الانتفاضات الأخيرة في المنطقة ظلت ناقصة و مبتورة و لم ينبثق منها نور الثورات الجماهيرية الواقعية و لم يفوح منها العطر الدافئ للحريات الإنسانية فإننا نقول و دمعة الأسى تذرف من عيوننا حزناً على نتائج هذه الانتفاضات: - الشعوب لا تريد ثورة تحقيق أهدافها على فوهة مدفع كندي وظهر دبابة بريطانية وصاروخ طائرة فرنسية و توماهوك أسطول أمريكي، فلا معنى لمثل هذه الثورة حتى و ان كان هدف ما يسمى المجتمع الدولي إنسانيا و تحرير الشعوب.و لكن ماذا نفعل مع نظام مستبد و طاغي مثل القذافي الذي ظل على مدى 42 عاماً يساوم الغرب ويرتكب الجرائم ضد الإنسانية و يدعم الإرهاب المنظم و يرسل الفرق الانتحارية الى العراق للقيام بتفجيرات ضد الأبرياء والعزل و ليس ضد قوات الاحتلال .نظام القذافي و في نهاية مصيره الأسود ظل يوصف أبناء شعبه بالحيوانات والحشرات و يحفز الغرب على احتلال ليبيا مكرراً الشعارات الحماسية الكاذبة والجوفاء التي يطلقها دوماً الطغاة والمستبدون في أيامهم الأخيرة.
- الجماهير لا تريد انتفاضة مبتورة لا يشارك فيها كافة أبناء الشعب ، و يعتمد البعض على الآخرين بإنجاح الانتفاضة او يبقى الانتهازيون حتى الأيام الأخيرة ليعلنوا عن تأييدهم لانتفاضة الشعب، و اذا لم تنجح الانتفاضة أعلن الانتهازيون انهم وقفوا معا ضد إرادة الجماهير و هم لازالوا بيادقاً و عبيداً لخدمة النظام و الدفاع عنه حتى آخر قطرة دم من الشعب!.
- الجماهير لا تريد انتفاضة تسقط رأس النظام و تبقي الحكومة او انها تسقط الحكومة و تبقى على رأس النظام. مثل هذه الانتفاضات لا تتحول الى ثورات و لا تعبر عن إرادة الشعب لان أساس الثورة إسقاط النظام و الإطاحة بالحكومة معاً، فاذا كان رأس النظام او رئيس الحكومة يريدان خدمة الشعب و إيجاد تغييرات و إصلاحات شاملة مزعومة لقاما بها منذ عقود وهما في السلطة و ليس عندما وصلت سكين الشعوب قرب أعناقهم.
- الجماهير لا تريد انتفاضة يساوم فيها زعماء المعارضة مع النظام المستبد و يعلنون انتهاء الانتفاضة و وضعا في أرشيف التاريخ مع إيجاد تغييرات و إصلاحات ظاهرية و شكلية، في مثل هذه الحالة لا فرق بتاتاً بين زعماء المعارضة و رأس النظام الطاغية و الحكومة المستبدة و الفاسدة.و بعبارة أدق الجماهير تدعو و تطالب الى انتفاضة شاملة و ثورة عارمة تغير كافة الأمور و تحاسب المسئولين السابقين و تصادر أموالهم و ممتلكاتهم لصالح الشعوب و تخطط الى جبهة عريضة لوضع حد لتدخل الأجانب المحتلين و لا تساوم مع إسرائيل و لا تتخاذل مع الطامعين و المحتلين وتنهي حقبة الأنظمة التوريثية و عدم بقاء اي مسئول في السلطة اكثر من 5 أعوام مهما كانت مسئوليته وتقف ضد تدخل القوات العسكرية في الشئون السياسية و ان يكون جميع المواطنين بمختلف أطيافهم ومذاهبهم و توجهاتهم على مستوى واحد امام القانون دون ترجيح و دون تمييز، و الا فان اي انتفاضات لا تأخذ مثل هذه الأمور بعين الاعتبار ستكون ثورات دون طعم جماهيري و دون رائحة إنسانية و أهدافها جوفاء و تكون عادة لصالح الأجانب والمستبدين الجدد.
* صحفي و اعلاميalfaezi@yahoo.comwww.faicbook.net
https://telegram.me/buratha