جمعة العطواني
يعيش الشعب االبحريني محنة تشبه الى حد بعيد محنة الشعب العراقي ابان الانتفاضة الشعبانية عام 1991م من حيث الاسلوب والادوات والتعاطي الاقليمي والدولي . ان المشتركات بين الانتفاضتين العراقية والبحرينية تكمن في حجم الظلم الذي تتعرض له الاغلبية الاجتماعية في البلدين، وقسوة النظامين في البلدين والدعم الخليجي للنظامين الصدامي والبحريني، وكذلك التعتيم السياسي والاعلامي الامريكي على المجازر التي حصلت في العراق في تسعينات القرن الماضي وما يحصل للشعب البحريني هذه الايام .
ففي الوقت الذي حاول الشعب العراقي ان يستفيد من ضعف قوات البعث بعد هزيمتها في حرب الخليج الثانية ،مستفيدا من تصريحات الادارة الامريكية في حثها للشعب العراقي للانتفاض على نظامه المستبد ، جاءت خيبة الامل والخذلان والغدر الامريكي في التعاطي مع الانتفاضة العراقية ، والضغط السعودي على ضرورة اعطاء الضوء الاخضر لصدام في قتل ابناء الشعب العراقي لاسباب طائفية، ووصف الانتفاضة بانها جزء من مشروع خارجي .
نجد ان السيناريو نفسه يتكرر في المشهد البحريني ،اذ حاول الشعب البحريني ان يستثمر حالة الغليان التي تمر بها شعوب المنطقة العربية ضد انظمتها الديكتاتورية ، وكذلك مستفيدة من المزاعم الامريكية بضرورة التحول السلمي للسلطة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها ، وحالة الحرمان التي تعيشها الاغلبية البحرينية ، فكان الخذلان الامريكي يتكرر مع الشعب البحريني تحديدا والدعم السعودي لنظام المنامة، ومحاولة تغيير مسار الثورة، واعطائها صورة طائفية معروفة الاهداف. لذلك يواجه الشعب البحريني ما واجهه الشعب العراقي في ذلك الوقت ،فالادارة الامريكية هي نفس الادارة في تعاطيها الطائفي مع الشعوب العربية، والدعم السعودي لازال بالصوت والصورة الطائفية باجلى صورها .
لكن مايميز المشهد البحريني عن المشهد العراقي هو ان مايسمى بقوات ( درع الجزيرة ) التي تم تاسيسها للدفاع عن استقلال الامارات الخليجية من ( العدوان الخارجي )،نجدها اليوم تفصح عن حقيقة هذه الاتفاقية بين الانظمة الخليجية واسباب تاسيسها ل( درع الجزية ) ، حيث تثبت تجربة البحرين ان هذا الدرع وجد لقمع شعوب المنطقة من اية محاولة للمطالبة بالحقوق المشروعة لهذه الشعوب ،لذلك يمكن القول ان ( درع الجزيرة ) وجد ليكون درعا ( للامراء الخليجين ) من خطر الشعوب ، واتصور ان اكثر الانظمة حماسا لارسال هذه القوات الى البحرين هو نظام ال سعود، لانه يعي شعار ( من حلقوا لحية جاره فليسكب الماء على لحيته ) واذا ما كان هناك ثمة بصيص من الديمقراطية الشكلية في البحرين ، فان النظام في السعودية يحكم شعبه بقبضة من حديد، والشعب السعودي يعيش بين مطرقة النظام السعودي وسندانة الفقهاء الوهابية التي تعطي شرعية للنظام الحاكم وان قتل شعبه وصادر حريته وسفك دماءه ،كون النظام الحاكم( ظل الله في ارضه )حسب المبنى العقائدي للمدرسة الوهابية المتطرفة ، فهذه المؤسسة الدينية تكفر كل شيء الا النظام الحاكم .
وما يشجع النظام السعودي في التمادي في تدخله في الشان البحريني فضلا عن خشيته من امتداد شرارة الانتفاضة الى الشعب السعودي ، فان البعد الطائفي هو الاخر يعطي مبررا لهذا النظام في التدخل في شان البحرين، على اعتبار ان غالبية المتظاهرين هم من شيعة البحرين ، وبما ان الشيعة في العالم كله محكوم بكفرهم وهدر دمائهم (بناء على فتاوى علماء الوهابية )، لذلك تعد هذه فرصة مؤاتية للقائمين على الفكر الوهابي للانتقام من اتباع اهل البيت.
ان الموقف الامريكي فضح ازدواجية الادارة الامريكية في التعاطي مع حق الشعوب في التعبير عن رايها ، ففي الوقت الذي كانت فيه الادارة الامريكية تحث رؤساء بعض الانظمة العربية على ضرورة التعاطي السلمي مع شعوبها المنتفضة ، والتبادل السلمي للسلطة ، وترفض تدخل بعض الدول في الشؤون الداخلية للدول الاخرى ، فان هذه الادارة ومن خلال تصريحاتها ومواقفها الاخيرة لا تعد دخول القوات السعودية الى الاراضي البحرينية تدخلا في الشان الداخلي ، فضلا عن كونه غزوا واجتياح .
ان هذه الازدواجية في الوقت الذي تكشف عن حقيقة المشروع الامريكي في المنطقة والنفس الطائفي الذي تحمله بناءا على نصائح بعض الانظمة العربية، فانها ستعطي مبررا لهذه الشعوب في الدفاع عن نفسها وبشتى الوسائل، كذلك ستفتح ابوابا لدول اخرىان تدافع عن هذه الشعوب ولنفس الاسباب الطائفية، وعندها ستدخل المنطقة في اتون حرب طائفية ، وهذا ما تحاول ان ترسمه الادارة الامريكية لمستقبل المنطقة .
جمعة العطواني
https://telegram.me/buratha