إسماعيل علوان التميمي
تجري في المنطقة وفي بلدين عربيين وبشكل متزامن تماما عمليتين متناقضتين تماما ، الأولى في منطقة البحر المتوسط حيث يقوم حلف الناتو وبواسطة قوات بحرية وجوية أمريكية وبريطانية وفرنسية وايطالية ومن دول أخرى ، بما فيها دولتين عربيتين هما قطر والإمارات العربية المتحدة ، بعملية جوية بحرية واسعة وفعالة هدفها حماية المدنيين الليبيين من قصف طائرات وقوات ومدفعية الطاغية ألقذافي التي باشرت عمليات إبادة جماعية واسعة ومنظمة ضد الشعب الليبي وكادت أن تدخل مدينة بنغازي ثاني اكبر المدن الليبية وتعمل اكبر مجزرة ينفذها حاكم عربي ضد شعبه بعد مجزرة حلبجة في العراق . لولا صدور قرار مجلس الأمن 1973الذي قرر فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا ضد طائرات القذافي لمنعها من قتل الشعب الليبي .العملية الأخرى في منطقة الخليج ليس بعيدا عن المتوسط وعلى العكس من الأولى ، حيث يعتصم بشكل سلمي الشعب البحريني في العاصمة المنامة في ساحة دوار اللؤلؤة مطالبا بحقوقه السياسية المتمثلة بإجراء إصلاحات حقيقية في المنظومة السياسية البحرينية وذلك بتغيير النظام السياسي إلى نظام الملكية الدستورية بدلا من نظام الملكية المطلقة ، هذا النظام الذي هجره العالم بأسره ولم يبق له أي وجود في دول العالم عدا منطقة الجزيرة والخليج ، حيث ما تزال الانظمة الملكية في الخليج تقاوم الإصلاح والتحديث فهي ما تزال تتعامل مع الدولة بما فيها وما عليها باعتبارها ملك خاص للملك او الأمير ، والشعب ما هو إلا خادم مطيع لأوامر ونواهي العائلة المالكة . لم يقم المحتجون البحرينيون بأي عمل من شانه الاعتداء على مؤسسات الدولة أو الجيش أو الشرطة أو المال العام . واعتصموا في دوار اللؤلؤة اعتصاما سلميا إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق مع الحكومة أو الملك حول طبيعة هذه الإصلاحات والجدول الزمني لتنفيذها . إلا إنهم فوجئوا بدخول قوات سعودية وإماراتية من درع الجزيرة إلى المنامة وقامت بقمع المتظاهرين وإطلاق الرصاص الحي عليهم وقتلت العديد منهم . وقامت بإزالة نصب اللؤلؤة من الوجود بالجرافات واطلقلت الرصاص الحي لتفريق المعتصمين وإخراجهم من الدوار تحت وابل من الرصاص بمشاهد مأساوية تدمي القلوب سقط فيها العشرات من الجرحى والشهداء .الحقيقة ان ازدواجية المعايير التي يتعامل بها العالم مع الأحداث المتشابهة في المنطقة تثير الكثير من الشجون وتثير الكثير من الأسئلة حول مدى صدقية ونزاهة المنظمات الدولية والإقليمية بما فيها مجلس الأمن والجامعة العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربي حيث إن الأحداث المتشابهة تفترض ردود أفعال متشابهة أو متقاربة من هذه المنظمات وان كانت مختلفة بالدرجة ولكن أن تكون متناقضة تماما ، فهذا أمر في غاية الخطورة أن يشعر شعب ما في المنطقة بان حقوقه السياسية معلقة بما فيها حرية التعبير عن الرأي وحرية التظاهر وحقه أسوة بكل شعوب العالم في اختيار شكل النظام السياسي وسبب التعليق هو كون الهوية الطائفية للغالبية العظمى من هذا الشعب تختلف مع هوية الحاكم كما هو الحال في البحرين ، فدولة الإمارات وقطر تشتركان في عمليتين متناقضتين تماما في آن واحد فهما تشاركان مع حلف الناتو لحماية الشعب الليبي من حاكمه المستبد ألقذافي وتشاركان في الوقت نفسه مع قوات درع الجزيرة لقمع الشعب البحريني في المنامة !!!. فما هو المتغير ، الحقيقة المتغير الوحيد هو إن الشعب في البحرين هو من الطائفة الشيعية ليس إلا وهذا السبب لوحده يبدو انه كافيا لان يتعامل الجميع مع الشعب البحريني بأسلوب مختلف ومتناقض طالما ن الهوية الطائفية والقومية هي التي تحدد نوع الحقوق السياسية التي تتمتع بها الشعوب لان لحقوق لا تمنح بشكل متساوي لكل الشعوب .يبدو إن هناك عرفا دوليا من بقايا القرن الماضي مازال يعمل ، وهذا العرف بدا العمل به من قبل الأمم المتحدة والجامعة العربية ودول مجلس التعاون منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وهذا العرف هو إن الهوية الطائفية والقومية لأي شعب أو مجموعة من الشعب هي المعيار الذي يتم بموجبه تحديد درجة الحقوق التي يتمتع بها هذا الشعب وعليه لم نسمع من هذه المنظمات الثلاث أي إدانة لجريمة ضرب حلبجة بالأسلحة الكيميائية لان الهوية القومية لأكثر من أربعة آلاف مواطن قتلوا بأسلحة على كيماوي هي الهوية الكردية ، ولم نسمع أية إدانة لجرائم الأنفال التي ارتكبها صدام وراح ضحيتها أكثر من مائة وثمانين الف كردي لم يعرف مصيرهم إلى اليوم لنفس السبب، كما لم نسمع أية إدانة لقتل لثلاثمائة وخمسين الف عراقي قتلوا في الانتفاضة الشعبانية عام 1991والسبب ان اغلبهم من الطائفة الشيعية في العراق .بعد هبوب رياح التغيير في المنطقة بقيادة الشباب العربي وسقوط نظامين سياسيين عربيين وأنظمة أخرى بحكم الساقطة ، اجتاحت المنطقة موجة من التفاؤل بان العرف سيء الصيت( الهوية معيار الحقوق) قد أصبح جزءا من مخلفات القرن الماضي وان المعيار لحقوق الشعوب هو إرادة الشعوب نفسها فهبت شعوب المنطقة للتعبير عن نفسها في مظاهرات واعتصامات مطالبة بالتغيير السياسي ومن هذه الشعوب التي عبرت عن نفسها شعب البحرين إلا إن ما قام به درع الجزيرة من عمليات قمع لشعب مسالم مقابل سكوت المنظمة الدولية والجامعة العربية يؤكد إن هذا العرف السيئ مازال نافذا في الضمير الدولي والعربي والخليجي ففي الوقت الذي يلتحم فيه العالم لحماية الشعب الليبي في منطقة المتوسط نجد درع الجزيرة يدخل المنامة لقمع الشعب البحريني بمنتهى العنف والقسوة والوحشية .لكل من اتخذ قرار تحريك درع الجزيرة الى البحرين وقمع الشعب البحريني أقول ... إن هذا القرار هو أسوء القرارات التي اتخذتها دول الخليج في تاريخها الحديث على الإطلاق وان هذا القرار تفوح منه رائحة التفرقة الطائفية الكريهة بين أبناء البلد الواحد وأبناء المنطقة الواحدة ولكنه لن ينجح مطلقا . فإذا فشل الحكام في تجاوز الطائفية فان الشعوب الحرة تجاوزتها منذ زمن بعيد وان انتصار العراقيين سنة وشيعة وكرد في محاربة القاعدة اكبر دليل على ذلك . كما إن قوا ت درع الجزيرة مهما زاد عدها وعديدها لا يمكنها أن تمنع شعبا مسالما كشعب البحرين من المطالبة بحقوقه ولن تنجح في منعه من مواصلة احتجاجاته واعتصاما ته في دوار اللؤلؤة أو غير اللؤلؤة . كما إن عهد الملكيات المطلقة قد انقرض في العالم منذ قرون وبقائه في دول الخليج ليس استثناء من حركة التاريخ وإنما تلبية لمصالح دول عظمى في هذه المنطقة النفطية في فترة معينة . وان هذه الدول العظمى لا يمكن لها أن تقف إلى جانب الحاكم إذا خرج شعبه عليه وهذا ما حصل مع الشاه ومبارك وبن علي وهذا ما يجري مع ألقذافي وعلي عبد الله صالح والحبل على الجرار . فحركة التاريخ في كنس الملكيات المطلقة والجمهوريات المستبدة في المنطقة لا يوقفها درع الجزيرة ولا يوقفها نفط الجزيرة بل سيزيدها عصفا ، فرياح التحرير والتغيير عاتية لا تبقي ولا تذر. والقادم من الأيام هو الفاصل بيننا يا هيئة أركان درع الجزيرة المحترمون !!!.
https://telegram.me/buratha