قاسم السيد
المنطقة العربية هي المرتع الأهم للثروة والنفوذ في العالم سواء كان ذلك بحكم الثروات النفطية الهائلة التي يحتويها باطن الأرض فيها او الموقع الجغرافي الذي يتوسط العالم وهو الأمر الذي تسبب بنشوء مصالح استراتيجية جمة للدول خصوصا المهيمنة عالميا في المنطقة والذي جعلها تتدخل بشكل مباشر او غير مباشر في كل صغيرة وكبيرة في سياسات دول المنطقة خدمة لمصالحها الأمر الذي لم يعد فيه اي معنى لتسمية السيادة لجل ان لم نقل لكل دول المنطقة ولقد ساعد في نشوء هكذا وضع عدم نضج الكثير من الأنظمة السياسية وعدم وطنيتها الغليان الشعبي العربي المبارك الذي تشهده المنطقة من المحيط الى الخليج ضد الأنظمة السياسية المتقاطعة مع شعوبها وكأنها قوى احتلال والذي تسبب لحد الان بالأطاحة بنظامين سياسين مهمين في كل من مصر وتونس اضافة لما هو الان قيد الأنضاج لأسقاطه هو بالتأكيد مؤشر صحي يؤكد بأن العرب لازالوا بخير بعد ان نفض الكثير يده يأسا منهم ودلل على ان الجماهير العربية لها ذاكرة فعالة تستطيع خزن كل ظلاماتها التي تسببت بها النظم السياسية العربية قاطبة دون استثناء وهي قادرة على ان تثأر لنفسها حيث لعب التطور العلمي المتعاظم في مجال الأتصالات الذي تسبب بفتح نوافذ هائلة للتواصل الأجتماعي غير المسبوق على مسار التاريخ دورا هائلا سمح بظهور هذه الحشود العظيمة التي لم يسبق لأكثر التنظيمات السياسية عراقة في الساحة السياسية ان تحشد مايوازيها .وكأي حالة عافية تأتي بعد انتكاس صحي خصوصا اذا طال امده لابد ان يترك هذا الأنتكاس ندوبه على الجسد فإن النظام السياسي العربي نتيجة ظلمه المفرط بحق الشعوب العربية وكحالة منطقية لابد ان يترك اثره في الحياة الأجتماعية بكل ابعادها لهذه الشعوب .ولعل أبرز صورة تمثل هذه التركة المهولة للنظام السياسي العربي في حياة الجماهير حين جعلها جسدا بلا رأس حينما وترها في صفوة مثقفيها ومفكريها وقادتها افرادا كانوا او تنظيمات سياسية وسواء تم ذلك بالتصفية الجسدية او من خلال عمليات التجفيف بمختلف صورها واشكالها .الحشد الشعبي الهائج والمائج غيضا وغضبا رغم قدرة هياجه الجبارة التي استطاعت ان تتطيح بفرعونين من فراعنة العرب الا ان الثقافة العربية الراهنة ومنظومة الأخلاق السائدة يضاف اليها غياب القيادة الناضجة كل هذه العوامل مجتمعة او منفردة لايمكنها ان تجعل عمليات التغيير ترسو على ضفاف امنة . بعد ان ذهبت السكرة جاءت الفكرة وبدأت البقية الباقية من النظام العربي تفكر في انقاذ مايمكن انقاذه وبدأنا نلمس مشاريع تآمرية متنوعة لتخذيل الجماهير ومحاولة ثنيها عن الأستمرار في انتفاضتها سواء من خلال اسباغ الطائفية على بعض الأنتفاضات كأنتفاضة الشعب البحريني ونصرة النظام هناك بتدخل عسكري سافر او دعوة الغرب بقيادة الولايات المتحدة لنصرة الحراك الشعبي الليبي والقصد من هذا التدخل هو تحجيم هذا الحراك لكي لايذهب بعيدا عن السيطرة او من خلال تسريب الضغط الشعبي من خلال انصاف الحلول او الحلول الانية القصيرة الأمد لحينما يستطيع الحرس القديم التقاط انفاسه ليقدم وجوها جديدة يتم دفعها الى السطح وهذا مانراه في كل من مصر وتونس .انعدام المشروع السياسي الواضح وغياب القيادة الناضجة صاحبة الكارزما المؤثرة سواء كانت هذه القيادة فردية او جماعية والتي تعد من اهم مصادر الأمان لضمان نتائج تلبي طموح الحشود المشاركة في هذه الأنتفاضات جعل الأجابة على السؤال .. وماذا بعد ..؟ صعبة لدرجة سمحت لبقايا الأنظمة التي اطيح بها ان تعود مرة اخرى من الباب الخلفي بعد ان عجزت الجماهير ان تقدم قيادات بديلة والتي من اسبابها اضافة لما ذكر من اسباب هزالة حضور القوى التقدمية في الشارع العربي لدرجة انه اصبح من السهولة استدراج الجماهيرالعربية في بعض البلدان للأنتفاض على النظم السياسية في بلدانها لحساب انظمة سياسية عربية اخرى او من دول المنطقة بل وحتى من اطراف دولية حيث رأينا بصمة الخليجين والأردنيين واضحة في انتفاضة درعا السورية رغم ان النظام السوري هو من اسوأ النظم العربية الحالية اضطهادا لشعبه وهم بتدخلهم هذا قدموا خدمة عظمى لهذا النظام لكي يهيء امره قبل ان ينضج أي حراك شعبي صعب الأحتواء ورغم التقاطع المذهبي والسياسي مع النظام السوري للكثير من المنظومة السياسية العربية الراهنة لكن امر بقاءه يعتبر اهون كثيرا من استطاعة اي نضال جماهيري حقيقي اسقاطه و يثمر نظاما ديمقراطيا وكذلك رأينا قبلها كيف تم تسويق قضية توفير الدعم لثوار ليبيا وهو الأمر الذي اعتمده مجلس الأمن بقرار اممي والتي انطلقت الدعوة اليه بالأساس من مجلس التعاون الخليجي بعد ان صاغته الجامعة العربية بدعوة رسمية لشرعنة التدخل الغربي كذلك كانت بصمة ايران واضحة في الأنتفاضة البحرينية اضافة الى ان الولايات المتحدة لم تعد تتحفظ من ابداء وجهة نظرها هنا وهناك في المشهد السياسي الراهن حيث ظهر ذلك واضحا حينما اعلن الرئيس الأمريكي اوباما انه يحث الشباب الأيراني على الثورة على النظام في ايران معربا عن استعداد الولايات المتحدة عن دعمها لأي تحرك تقوم به الشبيبة هناك .من ابرز ماأفرزته الأنتفاضات الشعبية الأخيرة هو عجز اليسار العربي عن الحضور بقوة وفعالية اما بسبب تقزيمه من قبل الأنظمة المتهالكة او بسبب التشرذم والأنقسام الذي تعاني منه اغلب هذه القوى كذلك لعب سقوط المعسكر الأشتراكي الذي كان يعد مصدر الدعم الرئيسي في دخول هذا اليسار في مرحلة من الخواء الفكري العاجز عن التعاطي مع الواقع الجديد فعلى الجماهير ان تعي هذه الحقيقة و لاتعول بعد اليوم كثيرا على قوى اليسار العربي التقليدية فلقد اعلنت هذه الأنتفاضات وفاة هذه القوى سريرا .لذا اصبح لزاما على الجماهير و قبل البدء بأي حراك من شأنه الأنتفاض بوجه الأنظمة السياسية ان توجد مشروعها السياسي المتفق عليه الذي من شأنه توضيح اهداف ورسم مسار أي تحرك وتوضيح غاياته حتى لاتلوى إرادة الشعب او يتم الألتفاف عليها فاليوم ليس كالأمس و النموذجين التونسي والمصري لم يعودا هما النموذج الجديرين بالأقتداء ولا حتى بالأمكان تكرارهما فكما ان هاتين الأنتفاضتين المباركتين كانتا مصدر الهام للشارع العربي فهما لم يستكملا المشوار فهما اقتصرا على اسقاط النظامين هناك دون ان يكون هناك أي تصور عن البديل و بنفس الوقت كانتا درسا لبقية الأنظمة العربية التي استفادت من الأخطاء التي وقع فيهما كل من النظامين هناك في معالجة تلك الأنتفاضات اضافة الى ان وجود المشروع السياسي الناضج من شأنه تأمين اوسع قاعدة جماهيرية واعية قادرة على انتاج قيادات حقيقية لقيادة نضالها عكس ماشاهدناه في كل من الأنتفاضتين التونسية والمصرية حيث تسبب عدم وجود قيادة للحراك الشعبي ان تم تبديد الكفاح الشعبي وبدلا من ان يتم التغيير من خلال القيادات الشعبية صاحبة المشروع الواضح رأينا كيف استطاعت قيادات الصف الثاني في النظامين التونسي والمصري من مصادرة الحلم الشعبي .
https://telegram.me/buratha