المقالات

لولا الصدق

1148 17:58:00 2011-04-05

حسن الهاشمي

لعل صدق الحديث يكون بلسما لجراحاتنا في أجواء صاخبة لوثتها بعض النفوس المريضة التي لا تزال تبث سمومها في الأوساط لتعكير صفو المحبة والتسامح التي يتحلى بها شعبنا الأبي حيث يفتخر بأنه يسير على نهج الإسلام العظيم المليء بالمناقب العالية التي فيها سعادتنا في الدارين، وعلى رأس قائمة تلك المناقب الصدق الذي هو مطابقة القول للواقع، وهو أشرف الفضائل النفسية، والمزايا الخلقية، لخصائصه الجليلة، وآثاره الهامة في حياة الفرد والمجتمع.فهو زينة الحديث ورواؤه، ورمز الاستقامة والصلاح، وسبب النجاح والنجاة، لذلك مجّدته الشريعة الإسلامية، وحرضت عليه، قرآناً وسنةّ.وقال تعالى: «هذا يومُ ينفع الصادقين صدقهم، لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبداً». (المائدة: 119 ) وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه، وكونوا مع الصادقين». (التوبة: 119).وكما جاء في الحديث الشريف: «لا تغتروا بصلاتهم، ولا بصيامهم، فإنّ الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن إختبروهم عند صدق الحديث، وأداء الأمانة».من ضرورات الحياة الاجتماعية، ومقوماتها الأصلية هي: شيوع التفاهم والتآزر بين عناصر المجتمع وأفراده، ليستطيعوا بذلك النهوض بأعباء الحياة، وتحقيق غاياتها وأهدافها، ومن ثم ليسعدوا بحياة كريمة هانئة، وتعايش سلمي، وتلك غايات سامية، لا تتحقق إلا بالتفاهم الصحيح، والتعاون الوثيق، وتبادل الثقة والائتمان بين أولئك الأفراد.وبديهي أنّ اللسان هو أداة التفاهم، ومنطلق المعاني والأفكار، والترجمان المفسر عمّا يدور في خلَد الناس من مختلف المفاهيم والغايات، فهو يلعب دوراً خطيراً في حياة المجتمع، وتجاوب مشاعره وأفكاره.وعلى صدقه أو كذبه ترتكز سعادة المجتمع أو شقاؤه، فإن كان اللسان صادق اللهجة، أميناً في ترجمة خوالج النفس وأغراضها، أدى رسالة التفاهم والتواثق، وكان زائد خير، ورسول محبة وسلام، وإن كان متصفاً بالخداع والتزوير غدا رائد شر، ومدعاة تناكر وتباغض بين أفراد المجتمع، ومعول هَدمٍ في كيانه.ما أحوجنا ونحن نعيش زمن التغيير الديمقراطي أن يتحلى الجميع من رعية ومسؤولين بالصدق ولا شيء غير الصدق لنبني دولة المؤسسات التي نضمن من خلالها تطبيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع أفراد المجتمع بالحقوق والواجبات، وكذلك تبديد الثروة بشكل عادل ومنصف، وتكافؤ فرص العمل بين جميع الطبقات دون النظر إلى قومية أو مذهب أو دين إلا على أساس الكفاءة والنزاهة والإنصاف، ليأخذ كل واحد حقه دون غمط أو ظلم أو شرور. إن صدق الحديث وأداء الأمانة ركنان أساسيان في إيمان الفرد المسلم، بهما يحلق في أجواء السعادة والرخاء وبدونهما ينحدر إلى مهاوي الإسفاف والضياع، وخير ما يقوّم سلوك المرء هو الثقة التي يكسبها المرء في المجتمع، ولولا الصدق في الحديث التي هي صفة مبرزة للرسول الأكرم حتى لقب قبل الرسالة وبعدها بالصادق الأمين، لولا الصدق لما بلغ أصحاب الرسالات ذلك المبلغ العظيم ولما وصلوا إلى مراتب الكمال في إبلاغ رسالة السماء إلى البشرية. علينا بالصدق لكي نؤدي حقا ولو بسيطا حيال تعاملنا مع سائر طبقات المجتمع، حفظا لحقوقهم وصونا لكرامتهم وعلوا لشأنهم وتعزيزا للرفعة والعدالة التي ينشدون.وعندما تؤكد الشريعة على إن النجاة في الصدق فإنها تركز على هذه القيمة الحضارية التي لو طبقناها على أرض الواقع وتعاملنا معها بكل صدق وإخلاص مع الأفراد والظروف المحيطة بنا لعبرنا طريق الأشواك إلى ساحل النجاة ضمن الظروف المتاحة التي باتت واضحة للجميع من دون مواربة ومن دون لف ودوران، أما إذا كانت مواعيد المسؤولين حبرا على ورق ومجافية للواقع، والهدف منها إغفال المواطن لتمرير أجندة شخصية أو حزبية أو ربما إقليمية من خارج الحدود فإنها لا محالة تتبخر وتتلاشى، ربما تنطلي مثل تلك الأكاذيب فترة ولكنها سرعانما تتهاوى على رأس مطلقيها وتجعلهم كعصف مأكول. وما أحلى أن يكون المسؤول صادقا في وعده وأن يتطابق ما يقوله أو يصرح به على أرض الواقع، ليكسب ثقة الناس ويكون كلامه ذا مصداقية وتأثير على المستمعين، وإن تلكؤ بعض المشاريع ولأي سبب كان سواء قلة التخصيصات أو انعدام الأمن أو خيانة البعض للشعب والوطن وهو يعمل ضمن التشكيلة الحكومية فإن كل ذلك لا يسوغ الكذب، بل إن المسؤول الصادق والمتميز والحريص على سمعته ينبغي عليه أن لا يصرح بأي مشروع لاسيما إذا كان مفرغا من مقومات النجاح، لئلا تخدش مصداقيته ويصاب الجمهور تبعا لذلك باليأس والقنوط من المواعيد الكاذبة التي ربما تتفاقم وتضحى وبالا على مطلقيها. وإذا تواطأ علية القوم على التزام الصدق، كان ذلك ضماناً لصيانة حقوق الناس، واستتباب أمنهم ورخائهم، وإذا تحلى كافة الناس بالصدق، ودرجوا عليه، أحرزوا منافعه الجمّة، ومغانمه الجليلة، أما إذا شاع الكذب في المجتمع، تدنت قيمُه الأخلاقية، وساد التبرم والسخط بين أفراده، وعزَّ فيه التفاهم والتعاون، وغدا عرضة للتبعثر والانهيار. وليعلم الكذابون والأفاكون إن حبل الكذب قصير وإن مطلقيه يتهاوون إلى الحضيض عاجلا أم آجلا ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، والعاقبة للصادقين.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك