*بقلم د. خليل الفائزي
جملة المدح و الثناء هذه لدولة قطر لاسيما شيخها المنتفخ غازياً (نقصد بالطبع الغاز الطبيعي و ليس غاز البطن!) حمد بن خليفة ال ثاني جاءت على لسان رئيس برلمان دولة عربية صغيرة بحجمها و كبيرة بأحزابها التي تعيش كالعوالق على عطايا و هدايا دول المنطقة و العالم، و هو رئيس البرلمان الذي يطبق السياسة النفعية المالية المعروفة "ادفع تنفع"! و يرفع كما هو الحال ممن على شاكلته، ان الأحزاب تنفع ممن يدفع اكثر للزعماء السياسيين ضارباً بالحائط و بالحذاء كل المبادئ و القيم و المناهج حتى الإنسانية منها.
الكثير من أمثال "الرئيس" هذا انخدعوا او بالأحرى انبطحوا أمام سياسة و عواقب و عطايا دولة قطر السامية و المبجلة و ذلك لانها تقدم المساعدات المالية السخية من جزيرة هائيتي الى لبنان و من اليمن الى كازاخستان و ربما قريباً من أمريكا الى الصين وصولاً الى اليابان و بحر الكاريبي، و كثيراً ما نشاهد أجنحة طائرات أسطول "القطرية" ترفرف على مدارج العديد من مطارات المدن التي تتعرض الى كوارث طبيعية او أزمات عالمية او حروب اقليمية او تناحر حزبي، وهو امر محمود اذا كانت النية صادقة والمساعدات تذهب لمن يستحقها من المحرومين والمتضررين و ليس ان تهدى و تسلم الى لصوص الدولة و ناهبي ثروات الشعوب لاسيما و اننا نسمع و نرى من ان الكثير من مسئولي دول في المنطقة يتم شراء ذممهم بواسطة دول مثل قطر و نظام آل سعود ودولة الإمارات لمواصلة إبقاء و ضمان سكوتهم على نهب هذه الدول النفط و الغاز من الحقول المشتركة او شراء ذمم المسئولين لنوايا سياسية و إعلامية كما هو الحال في لبنان ودول أخرى التي تساعد شيوخ المنطقة علانية بدعم الإرهابيين و تسهل لهم العبور و التغلغل الى العراق خاصة للقيام بجرائم إرهابية و عمليات قتل جماعي لتقوم أمثال دولة قطر بعدها بالأعراب عن الحزن الشديد و التعاطف الأخوي ثم إرسال شاحنة من البطانيات (الاحرامات) و لاصقات الأصابع و ضمادات للجرحى و المصابين و المتضررين اساساً بإرهاب حكام المنطقة.
الى جانب سلاح المال الذي اثبت فاعليته بشأن تركيع وإخضاع العديد من مسئولي المنطقة فان لدولة قطر سلاح نووي إعلامي هام جدا أسمته قناة (الجزيرة) حيث رصد شيوخ قطر مئات ملايين دولار سنوياً لهذه القناة التي تعتبر نسخة عربية لقناة (CNN) الأمريكية بل اكثر منها جرأة ومهنية، وخلافاً لمعظم القنوات العالمية والإقليمية فان (الجزيرة) تولي أهمية قصوى لطاقمها الإعلامي و الفني و الصحفي و قد رأينا كيف أقامت الجزيرة مراسم عزاء هائلة لعدة أسابيع بمشاركة كبار المسئولين القطريين بسبب مقتل مصور عادي للقناة على الساحة الليبية. و نقر هنا من ان " الجزيرة" لعبت دوراً بارزاً في تاجيج أحداث تونس و تطورات مصر و اليمن و أجبرت العديد من السفراء الليبيين الاستقالة من مناصبهم و الانقلاب ضد نظام القذافي و حتى ان مقدمي برامج في (الجزيرة) طلبوا و بإصرار من سفراء ليبيين في المنطقة و العالم الجهر بالاستقالة والوقوف ضد القذافي من خلال الحوارات المباشرة معهم، و هو موقف غير مسبوق لاي قناة فضائية بالتعامل مع الدبلوماسيين و السياسيين.
و مع هذا فقد أثبتت "الجزيرة" عدم حيادها وعدم مهينتها في التعامل مع تطورات البحرين وسائر دول مجلس التعاون و لم تنقل الجرائم البشعة التي ارتكبها بعض حكام مجلس التعاون ضد الشعب البحريني الأعزل و المظلوم و سبب ذلك معروف وهو ان هذه القناة غير حيادية كما تزعم و ان مصالح شيوخ قطر وحكام المنطقة فوق مصالح الرأي العام والشعوب و ان "الجزيرة" لها نهج سياسي خاص بها وهو تهديد الكثير من الأنظمة لابتزازها او إجبارها على السكوت عما يقترفه شيوخ قطر والكثير من شيوخ المنطقة من نهب و سرقة لعائدات و خيرات قطر و دول في المنطقة.
تدخل قطر هذه الدولة الصغيرة و الهامشية في شئون الكثير من دول المنطقة والعالم يضع علامات استفهام بشان أهداف وأسباب هذا التدخل والمساعدات المزعومة التي قدمتها قطر الى هذه الدول. و حتى ان دولة صغيرة و هامشية مثل قطر شاركت في الحرب الليبية و رصدت أموال طائلة لإسقاط نظام القذافي وهي الان تسوق و تبيع النفط الليبي الذي يقع في مناطق يسيطر عليها الثوار المعادين لنظام القذافي. ورصدت قطر أموالا طائلة ايضا لإسقاط أنظمة أخرى وحتى اننا نقر بأننا لا نعرف المغزى الأساسي من راء سياسة قطر هذه و ربما تتضح لاحقا و قد تكون مرتبطة بمخطط دولي و قطعا انه ليس دفاعا عن شعوب المنطقة و وقف و إدانة جرائم زعماء مخبولين أمثال القذافي
ومن لبنان الى السودان و اليمن و شمال أفريقيا الى أمريكا اللاتينية و هائيتي وصولاً الى دول في شرق آسيا و تركيا و آسيا الصغرى الى استراليا وأوروبا وأمريكا ترى و تسمع عن المساعدات القطرية والهبات المالية و المشاريع الاستثمارية لشيوخ قطر الذين استطاعوا ايضاً خداع "الفيفا" او بالأحرى شراء ذمم الاتحاد الدولي لكرة القدم لاقامة مونديال 2022 العالمي على الأراضي القطرية و هو إجراء غير مسبوق على هذا الصعيد، و ان قطر و من خلال شراء ذمم مسئولي الفيفا سوف تترأس هذه اللجنة العالمية قريبا و هي عازمة انتزاع رئاسة الفيفا من السويسري بلاتر، و قطر خططت ايضا لرئاسة مجلس التعاون و سيطرت على الرئاسة لعدة دورات متتالية لممارسة ضغوطها بأشكال مختلفة على أعضاء هذا المجلس و حتى ان العطية القطري لازال يتحكم بمصير و فحوى قرارات مجلس التعاون منذ عدة عقود و إلى الان.
الهبات المالية لشيوخ قطر استطاعت في الأعوام الماضية شراء مواقف معظم دول المنطقة و حتى ان بعض المسئولين الذين لهم علاقات وطيدة وغير علنية مع شيوخ قطر يستلمون شهراً اموالاً طائلة تصل إليهم شهريا وبشكل مستمر دون انقطاع لجعل أفواههم مطبقة وعدم الاعتراض عن انهب الواسع لهؤلاء شيوخ قطر عن حقول النفط و الغاز المشتركة مع قطر.
قبل عدة اشهر فضحنا أساليب و خطط شيوخ دولة قطر للاستحواذ على مقدرات و ثروات المنطقة و أكدنا من ان أمير قطر و نظراً لضخامة جسده يرى قطر ضيقة عليه وهو ينوي التمدد سياسياً و اعلامياً و ربما جغرافياً الى مناطق في المنطقة، و الحق يقال هنا ان أمير قطر حقق الكثير من مخططاته حتى الان و ان أجهزة إعلامه استطاعت خدع حتى الذين يزعمون انهم أصحاب المبادئ الثورية والمناهج السياسية و لم يتجرأ اي من هؤلاء الاعتراض على دولة قطر التي لها أوطد العلاقات واكثر متانة مع إسرائيل و تنتشر على أراض قطر اكبر و اخطر قواعد أمريكا العسكرية و فيها قيادة تأمر حلف الأطلسي على الدول العربية والإسلامية، وسبب السكوت و عدم الاعتراض على سياسة ومواقف هو قطعاً إهداء الحقائب المكدسة بالأموال الطائلة التي يحملها مسئولون قطريون شهريا الى العديد من مسئولي المنطقة والعالم او إيداع مبالغ محددة في حساباتهم الشخصية في سويسرا و بريطانيا، و هذه حقيقة دامغة و مؤكدة و ليس ادعاء واهي أو افتراء كاذب.
شيوخ قطر لا فرق بينهم وبين شيوخ آل سعود والإمارات الصغيرات وغيرها من أنظمة المنطقة، سوى ان شيوخ قطر يجاهرون علانية بالمساعدات المالية التي يهبوها للمسئولين في المنطقة والعالم وينافسون إعلاميا و سياسياً آل سعود و شيوخ الإمارات على قيادة و تسيير بعض التطورات والأحداث ، فمثلاً أخذت قطر زمام الأمور للمصالحة بين آل سعود و اليمن و الحوثيين في الحرب السادسة، و جمعت قطر ليس بحنكتها وحكمتها بل بأموالها و هباتها كافة الفرقاء السياسيين اللبنانيين في الدوحة الذي توافقوا و تصالحوا لمدة ثلاثة أيام خلال إقامتهم في قطر واستلام الصكوك المالية، و لكنهم عندما عادوا الى لبنان شرعوا في تضخيم الخلافات و إعلان الحرب الإعلامية و السياسية بينهم لا لشيء سوى إبقاء الدعم المالي مستمراً دون انقطاع الى الفرقاء السياسيين في لبنان، الذي يختلفون على الشئون السياسية و توزيع المناصب لكنهم يتفقون دوماً في حلب أبقار و نوق أنظمة المنطقة و الحصول على دعم مالي يفوق تصور اي شخص.
و على هذا الأساس ، ندعو كافة الحكومات و المسئولين و الشعوب ان لا ينخدعوا بسياسة حكام قطر و مظهرهم المزيف و البراق، فهؤلاء ليست لهم مواقف مبدئية و لا أفكار منهجية و وعود ثابتة و لا صديق دائم و يعتمدون في مجمل سياستهم و أفعالهم على الخداع والمراوغة والدجل حتى في موضوع الهبات المالية ، فهم يمنحون بيد اليسرى بعض مئات ملايين الدولارات لبعض المسئولين في المنطقة الا انهم يحصلون باليد اليمنى على أضعاف مضاعفة من الأموال و شراء الذمم و سكوت المسئولين على أفعالهم المشينة خاصة في مجال نهب عائدات الحقول النفطية و الغازية المشتركة والاعتداء و التطاول على سيادة و عائدات العديد من دول المنطقة، ونستغرب هنا ان كافة الدول و المنظمات الثورية التي وجهت جحيم نار إعلامها و سياستها ضد أنور السادات لمجرد توقيعه على معاهدة كمب ديفيد الاستسلامية مع إسرائيل، في حين تلوذ هذه الدول والمنظمات بالصمت الكامل عن النظام الحاكم في قطر الذي له علاقات سرية وعلنية واسعة النطاق مع إسرائيل و ان حكام قطر يفتخرون انهم يزورون شهرياً إسرائيل للاجتماع مع زعمائها و يتآمرون ضد الشعوب العربية و الإسلامية في حين ان السادات لم يزر إسرائيل سوى مرة واحدة، و في قطر ايضاً مقر قيادة القوات الأمريكية لكل المنطقة لكن السادات و من بعده مبارك لم يتم منحهما مثل هذه الفخر من جانب أمريكا!.
إننا دعاة إرساء المجتمعات المدنية ومن منطلق فضخ مثل هذه الأنظمة الرجعية والعميلة لإسرائيل ولأمريكا نطالب كافة المسئولين في المنطقة بعدم استلام اي منح او مساعدات مالية من دولة قطر مهما كانت عناوينها و أشكالها وضرورة إعادة النظر في مجال تقييم العلاقات معها و لزوم تحالف الجميع لإفشال مخططات أسرة آل ثاني التي قطعاً تنفذ سياسة صهيونية وأمريكية ملقنة لها ومفروضة عليها، وندعو دول المنطقة للتسلح بالأعلام الهادف و الفكر الحر ومنافسة قناة (الجزيرة) القطرية و (العربية) السعودية من خلال إيجاد قنوات مشابهة تتمتع بحرية الرأي والتعبير و المهنية الإعلامية و جرأة نقل الأخبار و التقارير خاصة و ان بعض أنظمة المنطقة و للأسف الشديد تنفق مليارات دولار على مشاريع هامشية او على ما تسمى مواجهة الإعلام الموجه والغزو الثقافي الأجنبي في حين ان باستطاعة هذه الأنظمة رفع مستوى إعلامها نحو الأفضل و إعطاء مزيد من الحرية الإعلامية و التنفيس السياسي وإنشاء قنوات تنافسية حرة لسلب قطر و أمثالها اي سلاح إعلامي تهدد به الانتفاضات الواقعية خاصة وان آل ثاني و آل سعود و آل نهيان ومن على شاكلتهم و بمساعدة مباشرة من خبراء غربيين وإسرائيليين استطاعوا بث سموم إعلامهم في المنطقة والعالم واستقطبوا غالبية المشاهدين بحيث صارت الجزيرة والعربية وأمثالها تحرك بوصلة الشارع العربي و الإسلامي نحو الجهة التي تحددها هي و تتدخل في مصير الانتفاضات والثورات ، و قطعاً ان مثل هذا التدخل مدروس و مبرمج مسبقاً و يخدم مصلحة آل سعود و آل ثاني و آل نهيان و خير دليل على ذلك ان اي من هذه الفضائيات لم تتطرق لأحداث البحرين بشكل مطلوب و لم تنقل بتاتاً الاعتراضات التي شهدتها المنطقة الشرقية في شبه الجزيرة العربية وهي الاعتراضات التي دعت و طالبت الجماهير شرعا و قانونا لإسقاط نظام آل سعود الحقود.
* صحفي و إعلامي/ السويدalfaezi@yahoo.comwww.faicbook.net
https://telegram.me/buratha