المقالات

في ذكرى سقوط صنم العراق وبدء تهاوي أصنام العرب صـلصـا ل

977 10:45:00 2011-04-08

طالب عباس الظاهر

[الإهداء: إليه طبعاً...واليهم جميعاً...لا أستثني منهم أحدا] جلس الراوي جلسته اليومية المعتادة ، وراح يتصفح أوراقاً متهرئة من سجل عتيق كلما مرت أنامله عليها؛ يتطاير عنها غبار الإهمال ، إلا إنه يتفحص بخبرته الطويلة بين الفينة والأخرى وجوه الجلاّس من أعلى نظارته الطبية السميكة جداً ، ويحاول استطلاع مدى اللهفة فيها لسماع مروياته الشيقة ، من ظريف الأقاصيص الأسطورية وغريبها وعجيبها ، بالمزيج الخلاق بين الخرافي منها و المألوف، والتداخل بين المعقول واللامعقول، والواقعي والمتخيل، وبالتلبيس بينهما، وهو يمتصّ بعجلة أنفاساً أخيرة من سيجارته المحتضرة، لبدء حكا يا وحكايات الحقب الغابرة، الموشحة بنقاب النسيان، فقال :كان يا ما كان...مما حكي في سالف الدهور، وماضي الأزمان... في متون القصص المروية للحوادث المنسية، أن قامت في مطلع النصف الأول بعد القرن الرابع عشر في الألفية الثانية من عمر التقويم الهجري القـمري المدون بالدم ، إمبراطورية للجريمة، وجمهورية للقتل على ارض مملكة كانت تدعى "بلاد النور" قديماً، لأنها أُنشئت منذ فجر التاريخ البشري على دلتا مصب توأم نهرين مقدسين ينبعان من قلب السماء السابعة...المتاخمة للملكوت الأعلى، والعرش المعظم لرب الأرباب؛ فنهضت تلك الحضارة بمواجهة بيت الشمس، ثم أخذت بالزحف التدريجي شمالاً عبر الحقب المتعاقبة، واستمرار التراكم للغرين، دافعة بلعنة الملح للبحر الأعظم، والغضب بنفث سمومه الحارة جنوباً، فكانت البداية لحكايتنا بقيام دولة الموت تلك، بعد أن استولى مارد عنيد...وجبار عتيد بروح المؤامرة، وإلتواءات المكيدة، وتشابك خطوط التدليس على تاج المملكة وصولجان الحكم، متسللاً إلى أروقة قصر الإمارة في ساعة غفلة لعيون العسس، تحت جناح ليلة غاب فيها القـمر... حين دخوله برج النحس، عبر الممرات السرية للقصر الذي شادته آلهة الأرض، وشيطان الهواء - المطرود من السماء الأولى- منتجعاً أرضياً لها، قاطعاً رأس كل من يقابله صعوداً من بني الإنس أم الجان، صوب مضجع الأمير، ومحضيته تعيسة الحظ لتلك الليلة، فقد كان ذلك القصر يفوق بعظمة التشييد، وبراعة البناء، وإعجاز الهندسة، عجائب الدنيا السبع مجتمعة(1) والمتعال نحو العلياء في سبعين تعلوها تسعة من الطوابق، تبدأ بالأكبر كقاعدة وتنتهي بالا خير الأصغر المواجه للسماء، فتتوزعه أربعة وعشرون من القصور الغناء... بهيئة أجنحة معزولة... فتبدو للناظرين إليها عن بعد كصحون طائرة في الفضاء... خاصة في حلكة الليالي المظلمة، مجهزة جميعاً بكل ما يخطر ومالا يخطر حتى على الخيال المبدع لحكايا ألف ليلة وليلة من زخرف، ومباهج ملكية، ومظاهر ترف باذخ، تتخللها جنائن، وبحيرات، وشلالات، وخدم وحاشية وجوارٍ وغلمان ووصيفات، تحكم كل جناح من تلك الأجنحة الطائرة أميرة كاملة الأنوثة والجمال والجلال، من تلك التي يختارها الكهنة كملكة للجمال لكل عام... في مراسيم وطقوس احتفال تقيمه المملكة كتقليد سنوي مقدس؛ فيقدمها الراهب الأعظم في ختام المهرجان،كهدية لجلالة الملك المعظم...للدخول بها، وكرمز على تجدد الحياة، فتسيِّر أمور مملكتها الصغيرة، بما تحبّ وتهوى، شأن ملكات القصر السابقات لها، فتظل تجهز قصرها، وتشرف بنفسها على أدق التفاصيل فيه، منافسة لغيرها، لأنها تتوقع بأية لحظة نزول السعد عليها... بحلول الأمير المبجل، وبزوغه في قصرها... لقضاء ليلته عندها، وكل آمالها أن تعلق ذكرى ليلته تلك معها في ذاكرته المتخمة بالملذات، فيعيده الحنين لتكرارها، وكي ترزق منه بولي العهد ليحفظ لها عزّتها، ويدغدغ أحلام الحكم لديها.وبتسديد وتصويب من قوى الشر وأبالسة المكر والغيلة، ثم دعا ذاك الطاغوت - بعدما استوت له مقاليد القصور جميعاً ودانت له بالطاعة- شعب المملكة في صبيحة ذات يوم مشؤوم لن ينسوه أبداً... إلى المنصة الكبرى لقصر الإمارة، وكل منهم يصطحب دهشته، إذ لم يعهدوه يوماً للاحتفالات أو الاحتفاء بمناسبة أو ذكرى، رغم كثرتها على مدار السنة ، فخرج عليهم برأس أميرهم المخلوع، محمولاً فوق سنان سيفه، وهو لا يزال يقطر دماً، وجميع الأميرات سبايا، ويطّوح به في الهواء مزهواً، ويضجّ فمه بالضحكات، وصراخ النصر الهستيري... مطلقاً الكلمات الرنانة، فينثر الذهب والفضة، على رؤوس الأشهاد... في يوم احتفال صاخب لم تشهد أيام المملكة له شبيهاً في تأريخها الحافل بالملوك والسلاطين والأمراء ، استمر حتى صباح اليوم التالي، فأغوى الناس بمعسول الوعود والآمال، ومبطون السمِّ ، بما تشتهي النفوس وتهوى ، فزاد في الترف والبذخ أضعافا،ً فحاد الرعية عن جادة المعروف صوب كل منكر، بالنسيان لنعم الرحمن، فأودى بهم إلى التمرد...وإعلان العصيان على رب الأرباب، بمبايعة ذاك الطاغوت الغاشم والمليك الظالم، وإعطائه العهود العمياء، بعد أن تقـمصته روح شريرة... لنزوله إلى دهاليز العالم السفلي للقصر، حتى دون إذن الآلهة أو شيطان الفضاء ـ أولياء نعمته ـ فتغمدته الأرواح المعذبة بالنفي الدنيوي هناك، بوهج من نيران الجحيم، واعدة إياه بالخلود الأبدي في دنيا الأبدان، خاصة وقد لمست كفره بأية فكرة عن الأرواح وعوالم ما بعد الحياة هذه ، بهرطقات العظمة في نفسه، فأحالت نصفه العلوي إلى حمأٍ مسنون، وأبقت للتمويه على النصف الآخر، لمخادعة آلهة الأرض وشيطان الهواء.ومن ثم محاولة إرهاب الناس به؛ فصيِّر كائناً عجيباً... ممسوخ الآدمية، تعتمل بداخله المتناقضات، وصراع الأضداد، فلم تشهد ألواح الأساطير القديمة للمملكة له مثيلاً، فهو يذبح أحباءه ويشرب من دمهم، وأثناء ذلك يبكي عليهم بحرقة لا يرقى شك لها ، ثم يقيم لهم المآتم والأضرحة والتماثيل، ويغمرهم بعميم الوفاء، لم يعرف ضميره الندم قط، لأنه يعتقد بـ( الخطأ المقدس )، وهو دين أنصاف الآلهة أو أنصاف الشياطين، لكنه يتمظهر بهيئة غريبة، تتلاءم مع المخططات القادمة، صعق الناس فحواه البشع، وجرأة فعاله التي لم يشهد شعب المملكة لها نظيراً، فهو يمشي بقدمي إنسان، بيد إنه يتنقل بروح شيطان، ولشدّ ما أثار رعب الرعية بتواجده بذات اللحظة في أكثر من جسد ومكان، بدهاء الأبالسة وتصرفات الجان، فيقرأ الأفكار من لحظات العيون، ويطّلع على النوايا المبيتة من خفقات الأفئدة، ومن خطوط المحيا يتنبأ بمآل الإنسان، فيفاجئ الشخص المناوئ له... بما كان ينوي فعله، ويسحب لسانه بالاعتراف أمام الملأ، فيحكم عليه بأخذ عنقه... قبل شروعه الفعلي بالجريمة، بجريرة الخيانة العظمى. وما كان لأحد السبيل لمعرفة النوايا الخبيثة لآلهة الأرض، وشيطان الفضاء، باللعب على الطرفين معاً... بتحريض الأول ومساندته، وإفشاء السرِّ للثاني في آخر لحظة...لذا فشلت منذ البدء كل محاولات التخلص منه، فغدا شعب المملكة في شك من قدرة بشر للدنو منه، فضلاً عن قتله...بعد تكرار المحاولة الفاشلة تلو المحاولة، وقد توزع قطاف عشرات الرؤوس المعلقة على جدران القصر، والمتدلية من شرفاته، وعند المداخل وفي ثنايا الغرف والقاعات، فتهامسوا في البدء عن ظلمه وطغيانه فيما بينهم، فكفَّ الواحد منهم مخافة على رأسه من وشاية الطير، فتهامس مع نفسه، فكفَّ أيضا مخافة الجدران، وأخيراً كفَّ عن التفكر بالأمر مخافة نفسه!.فأُشيع بين الرعية خبر، سرعان ما سرى فيهم...سريان النار في الهشيم، وإنه محض جان وليس من بني الإنسان، فلا وجود فعلي له في التجسيد...لكي تنوشه الأيدي والأبدان، وإن كانت صورته تبدو لهم في الأوهام ، بيد إنه ينصبها دائماً كشراكٍ لهم، ومصيدة لأعدائه للإيقاع بهم، حتى قيل بأن الشيطان الأكبر نفسه غضب على شياطينه، وسئم سقـم عمل إتباعه من الجنسين معاً، عبر ملايين السنين من الوسوسة دون طائل، فلفّه اليأس أخيراً من جدوى أساليب غوايتهم البدائية، فاضطر للتجسد في هيكل وكيان، وقيل ... وقيل من عشرات التخرصات والتكهنات, وإنه يسخِّر أتباعه من الأبالسة والجان، ويستعمل الممسوخات لتوافيه بكل صغيرة وكبيرة عن أحوال الرعية في يقظتهم ونومهم ، بل حتى بما يجول في خواطرهم من نوايا تكفيرية، وبوادر تمردات دينية على شرعة الصنمية التي سُنَّت في مسلات المملكة، دين أوحد للمملكة معتَرف به، فيحاسَب الخارج عليه، والرافِض الدخول فيه،كزنديق يستحِق الحَرق، لأنه متمرد على الشريعة المقدّسة، وعلى مشيئة رب الأرباب، بعد أن اتسقت أركان دولته، وحاك قوانينها العجيبة على مقاساته المترهلة، فالتبست عند الناس الرؤية الصائبة، واختلطت في أعينهم القدرة على فرز الألوان، لاقتراب الأسود من الأبيض كثيراً ... بل انتحال شخصيته أحياناً ، فتَنَمرد وتفرعن وطغى، مستفيداً من إرث التأليه عندهم، والوثنية لديهم لإستطالة أزمان العبودية والجهل والمرض، وقد أشارت عليه قوى الشر وأبالسة الجان، ذاتها التي وكلتها آلهة الأرض وشيطان الفضاء، لحراسة خطواته، وموافاته بالإرشادات والدروس اللازمة، ومهدت له السبل؛ لكي يقرأ التأريخ، ويتمعن بأسراره وخباياه، ويستحضر دهاء أفذاذه من الأولين والآخرين، وأن يدرس بتعمق كل الأخطاء التي أوقعت بهم، ثم أودت إلى انهيار ممالكهم، والإطاحة بتيجانهم، خاصة المتأخرين منهم فتأثر ـ على غَير ما رغبت ـ بأساطير أولئك من أنصاف الآلهة وأنصاف الشياطين، المؤسطرة أصلاً، فراح يتشبه بهم، ويتشبث بشطحاتهم، ويتقـمص أحياناً شخصياتهم؛ فيدعي بخوارقهم ، وكلما توغل خطوة أكثر؛ انتفخ أكثر... وتغطرس وتعالى، وتشوهت في عينيه الرؤية العادية للأشياء والأحداث، وتشوشت عنده المقاييس المألوفة، فراح ينظر إلى الناس كمخلوقات جاءت كي تدين له بالطاعة، وتؤدي له فروض الشكر والعرفان، فيأخذ ما يشاء من دمها كثمن للديمومة.وأخيراً وقد وصل به الأمر منتهاه ؛ فألبس أيام المملكة ثوباً احمر من النار والدم، فما عاد يروي تعطشه للدم، سوى الإيغال بعيداً في الدم... بلهاث محموم هرباً وملاذاً، لكنه وبدل الارتواء والفتور، راح يزداد تعطشاً للمزيد والمزيد، بمسعى مسعور، وقد ضجَّت إلى السماء دماء الأبرياء من الناس، واكتظت أرواح الذين صفت جماجمهم كبلاط للدهاليز السرية، وفي أوج حمأة الموت في دمه الموبوء بنزعة القتل والجريمة، وتخبطه المعتوه وعمى بصيرته؛ تناوش بحرابه وكلابه هذه المرَّة، معاقل قوى الشر وأبالسة الجان ذاتها التي خولته أن يكون مليكاً أبدياً على الحياة، لكي يجمع لنفسه السلطتين معاً، بسلبها السلطة الروحية، وإضافتها على الزمنية لديه، وليهدئ من قلقه المتفاقـم والحرص على نفسه وحبه للحياة... بعد تيقنه من زيف الوعود المقطوعة له، فيصحح خطأ السهوة التي أطاحت بـ(گلگامش) حينما سرقت منه الأفعى عشبة الخلود في خضم غفوة، وأوشك أن يصيب كيده بها، أو تراءى له أنه يستطيع فعل ذلك؛ فبطشت به ماسحة الأرض بجسده، بعد أن افتضح أمره، بسحب ذيله من الجحر الذي حشر نفسه فيه هرباً، ولترمي به في الآخر كجرذ قذر إلى قـمامة النفايات في مزبلة التاريخ. 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك