حافظ آل بشارة
في هذه الايام من نيسان يتذكر العراقيون زحف الاحتلال الأمريكي الصديق قبل 8 سنوات ، ذروة الصراع بين واشنطن ونظام الحكم الذي صنعته بنفسها ، لكن من زاوية ثانية بدا ان العراق يسبق العراق العالم العربي كله في التغيير ، اليد الامريكية اخذت بعنق صدام في العلن واليوم تاخذ بأعناق اخوته الطواغيت العرب سرا ، في ذكرى الغزو نتحدث حكومة وشعبا عن انسحاب القوات الأمريكية من البلد في نهاية السنة ومدى قدرة قواتنا الوطنية على ادارة الملف الأمني ، امريكا دولة عظمى ذات مصالح تتصرف بخطط محسوبة ، وقد تغير مفهوم الاستعمار ومنطق التبعية في العالم ، وعندما يقول سكان البيت الابيض انهم يريدون في العراق حكومة قوية قادرة على ادارة بلدها بنجاح فهم صادقون ، يرفضون الوصاية علينا ليس لانهم اخيار بل لان الوصاية على بلد مثل العراق تكلفهم كثيرا من الجهد والمال ولا تجلب لهم الا اللعنة ، العراقيون يرحبون بالرؤية الامريكية ، لكن فيهم صفات غير ملائمة تؤخر الانسحاب ، يفكرون بعقلية المؤامرة فيعتقدون مثلا ان الولايات المتحدة تريد تدميرهم وتمزيق صفوفهم واهانة دينهم ومصادرة ثرواتهم ، لكنهم في الحقيقة محطمون سلفا فماذا تدمر منهم ؟ وصفوفهم منذ البداية ممزقة فماذا تمزق منهم ؟ بالعكس حاول الامريكيون دائما تقريب وجهات النظر بين العراقيين انفسهم وفشلوا احيانا ، نحن لا نحتاج الى الامبريالية كي تمزق صفوفنا لان صفوفنا غير موجودة ، ولا نحتاج الى من يوجه اهانات الى ديننا فنحن اول من يمارس هذه العملية ، كثير من العراقيين يقولون انهم مسلمون ويمارسون كل هذا الفساد والاهمال والانانية والطمع والكذب والمحسوبية فاين الاسلام ؟ النظام السابق اسس عددا من الأزمات المستدامة وقد ورثها العراقيون منه ، ترك لهم الفساد ، والبطالة ، والفشل الاقتصادي ، والبنية الاجتماعية المهدمة ، والتمييز الطائفي ، والامية والعزلة والتخلف والعلاقات المتوترة مع المحيط الاقليمي والدولي ، النظام الديمقراطي الجديد بدأ نشاطه بدون اي تمارين مسبقة وارتكب كثيرا من الأخطاء واثبت عجزه عن التعامل مع الموروث الصدامي بمشاكله الكارثية فتضاعفت وتراكمت ، وقد استغل اعداء التغيير هذه الظاهرة وبذلوا جهودا اعلامية كبيرة لغسل ذاكرة الشعب ومسح الوقائع والصاق جميع اشكال الفشل والتدهور بالنظام الجديد ، لم يعد الرأي العام قادرا على التمييز بين النظام السابق الذي صنع الازمات وبين النظام الجديد الذي ورثها واخفق في اصلاحها ، هناك من استغل الفشل ليقرع طبول العودة ، من يريد مواجهة تركات النظام السابق عليه ان يقاتل ويخوض مواجهة صعبة تحتاج الى شجاعة استثنائية ، ونزاهة وروح حسينية لا تسأل عن الغنائم ، أخطر ظاهرة في المشهد السياسي الراهن ان الصراع بين القوى التي تشترك في العملية السياسية يبلغ احيانا مرحلة تتطلب التحالف مع العدو لمواجهة شريك الامس ، واقصى بغية الاعداء ان يتحولوا الى بيضة قبان في صراع الاشقاء الذين افسدتهم السياسة ، وقس على ذلك .
https://telegram.me/buratha