حافظ آل بشارة
كلما مرت ذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر ، تذكر العراقيون مشروعه التغييري الجذري ، وتنظيره للتنمية الشاملة ، ذلك الفيلسوف العملاق سحب الحوزة والمرجعية ليضعهما في مركز الأزمة مجددا بعد عقود من الاسترخاء ، خرج الصدر بعبقريته من اطار الفكر المدرسي التقليدي ليخوض معركة تأصيل الرؤية الاسلامية في أخطر الموضوعات وهي الولاية والسياسة ، لم يكتف باثبات قدرة الاسلام على ادارة وسياسة العالم بل اثبت بطلان او ضعف اي نموذج بديل يمكن ان تبحث عنه البشرية ، ملأ فراغا كبيرا في الفكر الاسلامي السياسي التطبيقي ، قام بتجديد وتبسيط عملية الدمج بين ثلاثة عوامل اخلاقية وعقيدية ومهنية في القيادة والادارة ، وقد يقترب المفهوم مما نسميه اليوم الكفاءة والنزاهة ، احيا عملية الفصل بين الوسيلة والغاية في الحكم ، وتذكير العالم بأن الرئاسة والسلطة مجرد وسيلة للوصول الى هدف نبيل وهو تحقيق السعادة للبشرية في الدارين ، الشهيد الصدر يرى ان الحاكم هو وريث الانبياء ويؤدي دوره تكليفا لا تشريفا وواجبه اقامة العدل الذي ينتج السعادة للحاكم والمحكوم . كرس الشهيد الصدر رؤية الامام علي (ع) وهو يخاطب سلمان الفارسي وقد دخل عليه سلمان وهو يخصف نعله فقال : والله ان امرتكم لا تساوي عندي هذا النعل الا ان اقيم عدلا او ادحض باطلا ، وفي موقف آخر يقول امير المؤمنين ع : أابيت شبعانا وفي الحجاز او في اليمامة من لا طمع له بالشبع ولا عهد له بالقرص ، الشهيد في مؤلفاته ومحاضراته كان يذكر المؤمنين بأن استقامة الحكام ليست شعارات بل اختبار عسير يعيشه المؤمن عندما تكون لديه دنيا هارون الرشيد ، اثبت علميا استحالة الفصل بين الدين والحكم او الفصل بين الحكم والامر بالمعروف والنهي عن المنكر لان الامر والنهي تقنين ودستور ، كان فكره مؤثرا وعميقا لانه يصدر عن صدق واقتران القول بالسلوك ، فان قرأته فهو مفكر ، وان عايشته فهو سلوكي من الطراز الاول ، لم يكن مفكرا منعزلا عن شؤون الحياة بل كان حاضرا وسط الزلزال ، بدأ بنفسه وعضا وتهذيبا فكان مثالا للزهد ، لم يبحث عن اي مظهر من مظاهر الترف ولم يدخر لنفسه شيئا ولم يفكر بموقع او رئاسة ، كان يريد اداء دوره كعالم دين وقائد ثورة وصاحب مشروع تاريخي ، وتعتبر قصة استشهاده آخر محاضرة بليغة يلقيها على طلبته ورفاقه في طريق الثورة ، العملية السياسية الراهنة في العراق يفترض ان نعثر في داخلها على اصداء لذلك الصوت الخالد ، كثير من تلاميذ واتباع الشهيد الصدر مازالوا يبحثون عن ملامحه في هذه التجربة فلا يجدون ما يدل عليه فتزداد وطأة الفاجعة بفقدانه ثم فقدان اثره في حياة بلده ، أحد الظرفاء قال ردا على انتقاد هذه الحالة : ليس الاسلاميون وحدهم فقدوا صدى الشهيد الصدر في هذه التجربة ، الباحثون عن اصداء لماركس لا يجدونها ، وكذلك الباحثون عن اصداء لمونتسيكيو او جان جاك روسو ، هذه تجربة غريبة ليس فيها ملامح شكل او مضمون لا للاسلامي ولا لليساري ولا لليبرالي نموذج جديد لا يمكن ادراجه في صنف محدد .
https://telegram.me/buratha