كريم الوائلي
في ذلك اليوم الذي لم يأتي بمثله ، ولن يأتي ابدا ، يوم تقدمت الزهراء البتول عليها السلام حشدا من نساء قريش وغيرهم من قبائل الجزيرة العربية لتشكل او تظاهرة نسوية في تاريخ العرب ثم تدخل على مقام ((الحكومة)) وتلقي خطابا مزلزلا من حيث مضامينه وتوقيته وقد كان اول خطاب برلماني ، واول ورقة عمل تتظمن منهج حكومي بالكامل . . ذلك الخطاب الرسالي الذي لم يثقف به احد الى اليوم حيث ظهرت الزهراء كما ينبغي لبنت نبي ان تظهر فيه متقدمة على عصرها في فهم السياسة وقوة الخطاب ، ولو تمعن جيدا المثقفون والسياسيون في ذلك الخطاب اليوم لعرفوا فضل الزهراء وسعة معرفتها وقوة حجتها ولادركوا معنى حب المسلمين لبنت نبيهم ومعنى اعتزازهم بها . ولوا اطلع بعض اولئك المدافعين عن حقوق المضطهدين اليوم ، وقرأوا احتجاج السيدة الزهراء (ع) على اول ((حكومة)) بعد رحيل الرسول الاعظم (ص) وفي عقر دارها ومجلسها الذي ضم الخليفة الاول ووزراءه وقادة الجيوش وزعماء القبائل العرب وصحابة الرسول الكريم (ص) وحشود كبيرة من سادة الناس وسواد الأمة .. اقول , لو كلفوا انفسهم وتمعنوا في خطابها اّخذين بنظر ألأعتبار عصرها ومستوى الوعي السائد فيه لكانوا اكثر انصافا واقل عنادا واكثر خبرة واقرب معرفة من التراث الجهادي لآل البيت عليهم السلام . ان الغطرسة والتبجح عند بعض مثقفينا هو الذي يدفع بهم بعيدا عن استقراء المدون التاريخي ويحول دون استحضاره بوصفه شاهد على عراقة الامة واصالتها وبذاخة تلك الفترة من التاريخ التي تحمل جمرة الرفض وصرخة الأحتجاج على التعالي السلطوي المفروض والهاضم للحقوق والكابح للأصلاح والتغير والذي عانت منه الامة الاسلامية الى اليوم . كان خطاب الزهراء في ملامة كبار الساسة يمثل قدرا عاليا من الايمان والمسؤولية والشجاعة والبلاغة والوعي في ظروف تمثل في تلك الفترة منعطفا خطيرا وفية من الدروس والعبر المكتنزة ما يعزز ويغني تجربة المرأة الناشطة في الدفاع عن امتها وطنها وشعبها في هذا العصر وكذلك يضخ في الحركات النسوية المعاصرة الجرأة والثبات والمبادرة والأبتكار في وقت تظهر فيه مقاربات ومشتركات مع عصرنا الحاضر فقد كان احتجاج الزهراء (ع) قد حصل في ظرف اكتنفت العملية السياسية انذاك الكثير من الشبهات والخلافات والأنحيازات كما شهدت اطراف البلاد الاسلامية ردة واسعة عن الاسلام وتمرد مسلح خطير وفوضى عارمة مع ان الدولة الاسلامية كانت فتية ولا سابقة لمثلها في ذلك الوقت من حيث المنطلقات والأفكار والأهداف والتحولات .ان استقراء وقفة الزهراء الشجاعة تلك وهي ترشد ساسة الدولة وتذكرهم بمسؤلياتهم ازاء امتهم ودستورها المتمثل بالقراّن الكريم ووصية نبيها الأعظم (ص) لكفيلة بأستخلاص الحكمة والفائدة لكل المكافحين والمكافحات اليوم في العراق الجديد ، وهي في الوقت نفسه تؤكد ان هذه الامة سابقا والشعب العراقي حاليا ليس مقطوع الجذور او مستقطع من شتات الجماعات والسلالات الهجينة بل هو شعب عريق بحضارته وثقافته ونبذه للظلامية وتوقه الدائم للحرية بهدى من مدرسة أل البيت عليهم السلام .
https://telegram.me/buratha