*بقلم خليل الفائزي
قد يستغرب الكثيرون و يشككون بصحة هذا العنوان و يتساءلون هل ان لآل سعود و لآل ثاني قدرة عسكرية و اقتصادية و بشرية لغزو كافة دول شبه الجزيرة العربية و التمدد نحو شمال أفريقيا مروراً ببلاد الشام؟.الجواب: نعم بكل تأكيد، و السبب بسيط جداً و هو ان أمريكا و باحتلالها للعراق و وقوفها ضد إرادة كافة الشعوب العربية و الإسلامية و دعمها الفائق وغير المحدود لدولة إسرائيل الغاصبة، قد تراجعت مكانتها والشعوب لم تعد تهاب قدرتها العسكرية و لن تنخدع من الآن و صاعدا بسياستها الاستعمارية والداعية لنهب ثروات و خيرات المنطقة.و على هذا الأساس فان أنظمة عميلة لأمريكا مثل تلك الحاكمة في قطر وآل سعود و من على شاكلتهم ينفذون في الوقت الراهن سياسة أمريكا الجديدة لتتلاءم على الظاهر مع متطلبات الشعوب و إنهاء سلطة الأنظمة التي تواجه اعتراضات جدية من جانب الجماهير المنتفضة و المحطمة لأغلال العبودية و الاستبداد وغير الخائفة من هيبة الحكام المستبدين الذين كانت و لازالت قدرتهم كنمور من ورق و يحكمون الناس بالحديد و النار و ليس بالحكمة و العدل.
قطر هذه الدولة الصغيرة بحجمها الجغرافي والكبيرة بأموالها و عدد المستشارين الغربيين فيها لعبت دوراً حيوياً عبر إعلامها و وعناصرها في تحريض الشعب التونسي و إنزاله للشارع ضد نظام بن علي، و كان و لازال لقطر الفضل الكبير في تفعيل انتفاضة الشعب المصري والتواصل بين كافة قطاعات المنتفضين و إيصال صورة الاعتراضات الى شعوب المنطقة و العالم، و أشارت تقارير إعلامية مستقلة لدور قطر البارز في أحداث سوريا والأردن واليمن و دول عديدة في المنطقة وشمال أفريقيا، و ان قطر وعبر شيخها الجليل! المدعو اختصارا(ش.ي.ق) (الذي باع بلاد مصر ارض الكنانة مقابل ملايين دولارات يتلقاها شهرياً من أسياده آل ثاني و انتقاله الى قطر) قد اشترت ذمم الكثير من الحركات المتسترة بالدين و من أصحاب عقيدة (قصّر الدشداشة و طوّل اللحى) في معظم الدول العربية و هؤلاء جميعهم مستعدون الآن لبيع دينهم و بلدانهم و ذويهم طاعة و مذلة لآل ثاني عملاء أمريكا و إسرائيل من اجل الجاه و المال فقط و فقط.
اما التدخل الأبرز لدولة قطر فهو الآن يخص ليبيا فقد أوجدت قطر و بدعم من أمريكا جسراً جوياً بين الدوحة و بنغازي حيث تنقل قطر يومياً أنواع الأسلحة و المعدات الى خصوم نظام القذافي. و أنشأت قطر في بنغازي محطة فضائية و إذاعة مفتوحة على القمر الفرنسي، وشاركت قطر بقوات عسكرية و طائرات حربية في عمليات الناتو وأشرفت على مؤتمر الدوحة الأخير لرسم ما تسمى خارطة الطريق لنوع الحكم في ليبيا.
قطعاً اننا و كافة دعاة إسقاط الأنظمة المستبدة نؤيد اي دعم للشعوب المنتفضة ولا نعارض وقوف دول ومنظمات وأطراف الى جانب الشعب الليبي الذي يناضل من اجل إسقاط الدكتاتور القذافي و لكن قطعاً نعارض التدخلات المشبوهة و نقف ضد خروج ليبيا من أيد نظام مستبد و وقوعها في شباك الدول الغربية المستعمرة او الأنظمة الناهبة او الرجعية في المنطقة، وخير دليل على صحة قولنا هذا الخبر بالعنوان العريض: ان مسئولين قطريين استلموا في الآونة الأخيرة ملف تسويق النفط الليبي من المناطق و الموانئ التي يسيطر عليها الثوار و بيعه لصالحهم!.
و في سياق ما وصفت بتدخلات دولة قطر كشفت تقارير أمنية ـ على ذمة الحكومة السورية ـ تدخل قطر و آل سعود في أحداث سوريا الأخيرة و ان قطر قدمت مئات ملايين دولار الى مناوئين سوريين وهي تساندهم علانية عبر قناتها المعروفة (الجزيرة).مثل هذا التدخل كشف عنه النظام اليمني حيث اجبر علي عبد الله صالح القبول باقتراح التنحي عن الرئاسة و القبول بمشروع قدمته دولة قطر لحل الأزمة القائمة في اليمن.و قد قامت دولة قطر بدور مشهود و مشبوه في الساحة اللبنانية بالرغم من فشلها بإقناع الأطراف المتخاصمة لتشكيل دولة تضم الموالاة والمعارضة، ولكن مع هذا فقد اشترت قطر ذمم معظم المسئولين وقادة الأحزاب في لبنان وادعت في أجهزة إعلامها انها قدمت 300 مليون دولار لاعمار لبنان في الأعوام السابقة. و تبرعت قطر بمئات ملايين الدولارات للحكومة الباكستانية والأطراف المتنازعة في دارفور وأنفقت مئات او عشرات ملايين من الدولارات في أماكن ودول أخرى من العالم في إطار المساعدات والمنح من دولة قطر السخية، و كل ذلك بالطبع له أثمانه بالمقابل، فأما ان يكون مقابل أرباح هائلة تحققها قطر في استثمارات مالية واقتصادية في تلك الدول او تشتري ذمم و أصوات المسئولين فيها او إنها تنفذ مخططاً أمريكيا له أهدافه ونواياه و قطعاً هذه الأهداف و النوايا ليست لصالح شعوب المنطقة و العالم.
التدخل القطري في شئون الكثير من الدول و إنفاقها لاموال طائلة بصورة مباشرة او غير مباشرة لا يخرج عن محورين و احتماليين أساسيين ، الأول: ان هذا الإنفاق و التدخل له نوايا مبيتة ضد شعوب و دول المنطقة و ان دولة قطر تحصل مقابل ذلك حالياً او مستقبلاً على فوائد و أرباح مضاعفة، وهذا الأمر بحد ذاته لا يفرق كثيراً عن احتلال و نهب القوى الأجنبية لعائدات الدول العربية و الإسلامية. و الاحتمال الثاني: ان دولة قطر في الواقع تنفق الأموال من اجل سمعتها و مكانتها فقط، و هذا الأمر ايضاً لا يجوز و غير قانوني لاننا شخصياً استفسرنا الكثير من أبناء قطر في مواقع التواصل الاجتماعي وكانت النتيجة ان 90% من هؤلاء يرفضون تدخل بلادهم في شئون دول أخرى و هم غير راضين إنفاق ريال قطري واحد في لبنان و ليبيا و اليمن و سوريا و لا اي دولة في المنطقة والعالم، و أكد هؤلاء بالحرف الواحد: ان عائدات و أموال قطر يجب ان تنفق داخل البلاد او يتم الاحتفاظ بها للأجيال القادمة، و هو حق مؤكد و شرعي قانوني للشعب القطري.
في السابق كنا نعتقد من ان هناك تنافساً واقعياً بين آل ثاني و آل سعود على حالة التمدد و التدخل في شئون دول المنطقة و العالم الا ان هذا الاعتقاد سقط و تبدد أمام هذه الحقيقة وهي ان أمريكا رسمت لدولة قطر مراكز نفوذها الجديد و الذي يشمل بلاد الشام و شمال أفريقيا فيما تحددت قدرة آل سعودهم و نفوذهم في شبه الجزيرة العربية ، وعلى هذا الأساس نلاحظ انهم تخلوا فجأة عن دعم العديد من الأحزاب اللبنانية و أخلوا الساحة السياسية لأطراف إقليمية و دولية، و قد رأينا كيف انقلبت أحزاب لبنانية كانت تحصل على دعم مالي كير من الرياض ضد آل سعود و ممثلهم في لبنان سعد الحريري و تركوه ضحية تحالفات سياسية جديدة أسقطت حكومته في غضون ساعات. و أعلنت الرياض رسميا ـ في إطار المخطط الأمريكي الجديد ـ وفاة ما كان يعرف باتفاق (س.س) اي سوريا و السعودية بشأن الوضع في لبنان، و انكفأت الرياض على نفسها لتعد قدرتها لتدخلات واسعة في شمال اليمن بهدف احتلاله او السيطرة عليه بذريعة منع تمدد الاضطرابات ونشاط الجماعات المتطرفة نحو جنوب البلاد، و سارع آل سعود مع اندلاع أول اعتراضات في البحرين الى إرسال قواتهم الغازية لقمع الانتفاضة هناك وتعزيز وجودهم العسكري و السياسي و الأمني في بلد كان من المفترض ان يكون مستقلاً و له سيادة و دولة و جيش و قوات أمنية و مؤسسات مدنية، و اذا كان هذا البلد معرضا للتهديد من اي عامل خارجي فان من واجب الأمم المتحدة و ليس آل سعود الدفاع عنه و إصدار القرارات اللازمة لصالحه.
و لكن ما العمل مع حكام ـ ومن المؤسف والمخجل إنسانيا ـ يعتبرون السلطة دينهم و المال ربهم الأعلى و التمسك بالحكم الفردي يساوي الدنيا والآخرة و يتلذذون بقتل الأنفس المحرمة، في حين انه في كافة الشرائع السماوية ان القاتل والمصدّر لقرار القتل و المحرّض عليه متساوون في الجريمة و العقاب و من اللازم إقامة القصاص والحد ضد جميع هؤلاء، و بعبارة أدق ان مطلق النار على الناس الأبرياء في الانتفاضات او في الظروف العادية هو مجرم وقاتل و قائده العسكري و الأمني مجرم وقاتل و الحاكم الذي أعطى المسئولية و الأوامر للقائد العسكري و الأمني هو مجرم وقاتل ايضاً و الأكثر من ذلك فان المحرض على قتل الناس العزل والمسالمين الذي لا يطالبون سوى بالتغيير و الإصلاح او حتى الدعوة لإسقاط الأنظمة المستبدة وتعديل سياستها و مواقفها، من شيوخ يتشدقون بالدين او يصفون انتفاضات واعتراضات الجماهير من انها "فتنة" و يزعمون من ان هؤلاء يهددون الحكام و الولاة، كما زعم المدعو الشيخ (.ي.ق) بشأن أحداث البحرين، هؤلاء المتشدقون بالدين و المنافقون و عبدة الدرهم و الدولار ، شركاء في الجرائم التي يتعرض لها الناس العزل في كافة البلدان، و ان الجماهير سوف تحاسبهم كما تحاسب الحكام الفاسدين قبل ان يحاسبهم الخالق العادل و يجعلهم حطب نار جهنم و بئس المصير.
و عودة لتوزيع القوى والمعادلات الإقليمية الجديدة و تدخلات بعض الأنظمة الحاكمة لصالح المخطط الأمريكي المشار اليه فان تراجع قدرة و مكانة مصر نظراً للتطورات الأخيرة فتح الباب واسعاً أمام دولة قطر لتوسع نفوذها السياسي و المالي والإعلامي في شمال أفريقيا ، وتحاول قطر من خلال شيوخها الذين اشترت ذممهم بالمال خلال الأعوام الماضية دعم جماعات سلفية اقل تطرفاً على الظاهر مما كان آل سعود يدعمون الجماعات السلفية المتطرفة بالرغم من ان دولة قطر تنفي ذلك و تدعي دوماً انها "تدعم الديمقراطية و حركات التحرر خارج حدودها من اجل السلام الإقليمي والعالمي، الا ان الكثير من المراقبين يشككون بقدرة قطر و لا شيوخ المال احتواء بعض الجماعات المتطرفة التي تنقلب على الوضع المستقبلي و تشلك بؤراً للتوتر و الإرهاب، كما هو الحال في أفغانستان و مناطق من باكستان.
خلاف ذلك فان آل سعود سوف ينشرون الفكر الوهابي المتطرف في كافة الدول والمناطق التي لهم فيها قوات او مراكز او حتى دعاة للفكر السلفي المتطرف، و مثل هذه الأفكار سوف تهدد استقرار العديد من الدول التي تخشى التطرف الوهابي مثل الكويت و سلطنة عمان والإمارات، والدولة الأخيرة قطعاً ستكون أول ضحايا آل سعود لانها وضعت مصيرها بيدهم و شاركت معهم في قمع شعوب المنطقة.أهم ما يلاحظ في هذه التطورات هو انكفاء آل سعود و العديد من أنظمة المنطقة نحو شبه الجزيرة و تقلص تدخلهم في شئون العراق في الفترة الماضية و هو الأمر الذي انعكس إيجابيا على الساحة الأمنية العراقية حيث كان آل سعود و في إطار خطة إبعاد المتطرفين و المتحجرين فكرياً عن البلاد التي يحكموها، ظلوا يرسلون هؤلاء من أصحاب عقيدة (قصّر الدشداشة و طوّل اللحى) الى العراق بذريعة الجهاد (بالطبع في سبيل آل سعود) و مقاتلة الأسياد من الأمريكان المحتلين. و كانت جميع النتائج أفعالهم تنتهي بتفجير الأماكن الدينية و قتل الأبرياء من المواطنين وإشعال نار الفتنة الطائفية وحرمان الشعب العراقي حتى من ابسط حقوق المواطنة و الخدمات مثل الماء النقي و الكهرباء و العيش الكريم.
اننا دعاة إرساء المجتمعات المدنية نحذر و ننصح كافة قادة الانتفاضات في المنطقة وشمال أفريقيا من عدم الانخداع بالمساعدات التي تقدمها دول قطر او آل سعود، و ندعوهم للاعتماد على الذات و تحقيق النصر بالاعتماد على الله اولاً و على قدرة الشعب ثانياً ـ و ان نيل النصر في غضون عام او اكثر بالاعتماد على الذات افضل و اشرف من تحقيقه في أسبوع من خلال التذلل للأجانب او الاعتماد على المنح و المساعدات المشبوهة التي تقدمها أنظمة و حكام في المنطقة.
و ندعو أيضا كافة الدول التي تخشى نفوذ آل سعود و دولة قطر او بالأحرى الأفكار السلفية والوهابية المتطرفة مهما كان نوعها او شكلها ان تتحالف مع بعضها البعض و تدعو الى مؤتمر إقليمي عاجل للوقوف ضد المخطط الجديد الذي تنفذه أمريكا بواسطة آل سعود و آل ثاني و محاسبتهم والتصدي لهم وإفشال هذا المخطط الذي ان نجح قطعاً سيكون أسوء بكثير من حقبة حكم الأنظمة المستبدة الحالية او التي سقطت خاصة و ان الشعوب كانت في السابق او حالياً تواجه أنظمة معروفة باستبدادها و احتكارها للسلطة، لكنها ستكون مستقبلاً ـ في حالة نجاح هذا المخطط الأمريكي ـ أسيرة سياسة أنظمة متشدقة فقط بالدفاع عن الديمقراطية وحرية الشعوب مثل نظام آل ثاني، او ترزح تحت وطأة حكام جهلة و مستبدين يتفاخرون بالأفكار الوهابية الرجعية مثل آل سعود.
* صحفي و إعلامي/السويد
https://telegram.me/buratha