مـــهدي زايــــر جــــــــاسم
بدأ الحديث يكثر و الأصوات تتعالى للمطالبة بإلغاء مكاتب المفتشين العموميين، لاسيما أصوات البرلمانين و الكتل السياسية، تارة بإلغاء هذه المكاتب والاستفادة من الأموال المخصصة وتارة أخرى بتحويلها إلى مديرات عامة داخل الوزراة ، لاحول لها ولاقوة!! تكون خاضعة لسلطة الوزير يسيرها كيفما يشاء.
لا أعرف لماذ هذا التوقيت في طرح مثل هذة المبادرات الجرئية للحديث حول هذا الموضوع الحساس والخطير ،هل لأن كل الكتل السياسية لديها وزراء في الحكومة وتتخوف من كشف قضايا فساد في هذه الوزرات ،أو لأن الشعب ضغط بشكل كبير على الحكومة والبرلمان ومطالبته في كشف الفساد ومحاكمة المفسدين الذين نهبو المال العام.
حينما تزور الكونجرس الأمريكي ستجد مقولة مشهورة معلقة تقول,' السلطة تفسد والسلطة المطلقة تفسد مطلقا.' وقد نشأت فكرة البرلمان للوقاية من السلطة المطلقة ومنع الفساد المدمر المرافق لها. وقد اشتهر الجنس البشري حينما تنعدم التشريعات والمحاسبة الصارمة, ومنذ بدء الخليقة, بعدم الاستقامة, وتكرار الخطيئة, مع ما يرافقه من فساد ينخر التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكم من دولة غنية بمواردها البشرية والطبيعية, انتهت ودمرت , بسب ديكتاتورية سلطاتها وفسادها الحكومي الكبير .
ومع سقوط النظام عام 2003 استبشر العراقيون خيراً في تحسين أوضاعهم المعاشية ،والقضاء على الفساد المستشري في جسد الدولة الذي دمرته آلة الحرب المستمرة التي جلبها الطاغية المخلوع ، وقد أسس (بريمر ) الحاكم المدني للعراق مكاتب المفتشين حسب الأمر (57) وأنشأ هيئة النزاهة حسب الأمر (55) من أجل الحد من الفساد وليس القضاء عليه، وأدت الهيئات الرقابية دوراً بارزاً في محاربة الفساد،فهل جزاؤها الإلغاء أم دعم استقلالها وتخصيص ميزانية مستقلة وإبعادها عن سلطة الوزير .
فمن أكبر التحديات التي تواجهه برلمان اليوم هي تراكمات الماضي. فيتساءل البعض هل ستراجع البرلمانات نبش الماضي, وقذف الاتهامات الانتقامية يمينا ويسارا, لتخلق الخلاف, وتضعف جسور الثقة بين رجال الماضي وشباب المستقبل, وتشل العمل الحكومي الذي بني على مدى عقود طويلة, أم ستتجنب تضييع الوقت, وتتوجه لبناء المستقبل؟ وهل سيحتاج بناء المستقبل إلى تشريعات مدروسة,لتكملة التنمية الاجتماعية والاقتصادية, لخلق النظام والانضباط, والوقاية من الفساد الحكومي الكبير ،وتهيئة البيئة الصالحة للمحاسبة البناءة الحكيمة البعيدة عن الحقد والانتقام ،ودعم الهيئات الرقابية ودعمها مادياً ومعنوياً لتكون قادرة على مواجهة الفساد الإداري والمالي ؟
على البرلمان أن يتريث في اتخاذ مثل هذه القرارات ،لأن الشعب يطالبهم بإقرار القوانين وتفعيل الخدمات ،ودعم عمل الهيئات الرقابية في حربها ضد الفساد ومراقبة عمل الحكومة هذا يخلق جسور ثقة مع الفئات المختلفة من الشعب للاستفادة من خبراتها, كما ستحافظ على وحدة الشعب وتستفيد من الوقت لبناء المستقبل. ويتهم البعض التجارب البرلمانية الوليدة بأنها تحاول إرضاء منتخبيها بمعارضة الحكومة, وشل عملها باستجوابات إعلامية, بدل العمل معها كشريك في بناء المستقبل بوضع التشريعات اللازمة لمنع تكرر أخطاء الماضي, ومراقبة تنفيذها بعدالة وانضباط.
. والسؤال, هل يمثل النائب وجهة نظره الخاصة في البرلمان, أم هو يمثل التوجهات الشعبية؟ أو وجهة نظرالحزب الذي أوصله السلطة ، وهل يجب أن يتفرغ البرلمان لوضع التشريعات اللازمة لتنمية البلاد الاجتماعية والاقتصادية؟ وهل سنفصل القضايا الدينية والطائفية عن البرلمان, ؟ أم سيفتي كل واحد منا في كل شيء ونخلط الحابل بالنابل, ونخلط الدين بالدنيا؟
وهل ستضع البرلمانات القوانين اللازمة للوقاية من التلاعب بالمال العام, ؟هل سيذعن البرلمان القرار الحكومة في تاجيل النظر بالقوانين الخاصة بهيئة النزاهة وقانون مكاتب المفتشين العموميين وقانون ديوان الرقابة المالي، رغم أنها قرأت قراءة أولى،أم سيمضي قدما في إقراره كما صرح رئيسه في وسائل الإعلام.
والسؤال للقارئ العزيز أليس هناك مسؤولية كبيرة أمام المواطن العراقي أيضا؟ فهل من مسؤوليته اختيار أعضاء البرلمان من كفاءات نزيهة ذات خبرة وحكمة تستطيع التعامل مع تحديات الألفية الثالثة, وتشارك في تحقيق طموحات شعبنا ؟
https://telegram.me/buratha