اسعد راشد
لعل من نوافل القول اليوم ان الحرية عملة صعبة لا يمكن الافراط بها الا انه من الواجبات الحديث في الوقت الحاضر عن ان الديكتاتورية ليست قدر شعوب المنطقة بل ان مقاومتها ومحاربتها حاجة ماسة تتطلب المزيد من التضحيات والمزيد من التنازلات من كل الاطراف من اجل تحقيق ما تصبوا اليه تلك الشعوب .
التغييرات الجارية في المنطقة وسعي الشعوب للخلاص من الانظمة الديناصورية المستبدة المتحكمة برقابها غدت ظاهرة ديناميكية بارزة يلمسها كل مراقب وكل متتبع للاحداث في المنطقة وخاصة في بلاد العرب التي تعاني من استبداد تلك النظم الفاسدة .
ولعل اكبر العقبات التي تقف امام تغيير وتحّول المنطقة نحو النظم الديمقراطية هي تلك الديناصوريات المستبدة التي تقاوم عمليات التغيير وتعمل بكل الاساليب والطرق لمنع الشعوب من نيل حقوقها واقلها خفة هو التوافق بين النظم الديمقراطية الناشئة في المنطقة وبعض القوى الدولية الكبرى التي لها مصالح في قيام وضع ديمقراطي جديد في منطقة الخليج الغنية بالنفط والتي مازالت ترزح في معظمها تحت نير الديكتاتوريات والانظمة الشمولية .
العراق وايران تشكلان من اكبر دول المنطقة من حيث السكان ومن حيث الموارد الاقتصادية والثروة النفطية ‘ البلدين تجمعها مشتركات كثيرة واهميتهما تفوق تلك التي في الخليج والتي تتجه نحو النضوب النفطي ولا تملك مصدرا بديلا عن النفط ‘ بنيتها الاقتصادية هشة واستهلاكية قائمة على الاستيراد وعلى مادة النفط فقط فيما العراق وايران بلدان عدى انهما نفطيان احتياطياتهما من هذه الثروة تشكل مجتعمة الاول في العالم فان اراضي تلك البلدين تضم خيرات عديدة وفيها من الموارد الاقتصادية ما يفوق كل منطقة الشرق الاوسط فيها المعادن وفيها الفسفور وفيها الزراعة والمياه وفيها الصناعة والمهارات كما ان نفوس السكان في ايران والعراق معا تتجاوز 125 مليون انسان فيما دول الخليج الست لا يتجاوز سكانها مجتمعة الـ20 مليون ‘ وهناك مشترك اخر وهو الاهم بالنسبة لاستقرار وامن المنطقة هي وحدة الانتماء الفكري الذي ينتمي معظم سكان البلدين الى المذهب الشيعي وينضم اليهما في هذا المشترك عدد كبير من سكان منطقة الخليج حيث ان الكويت 40% من سكانها هم من الشيعة فيما البحرين اكثر من 70% اما السعودية فالارقام متضاربة ولكن المصادرة الموثوقة تقول انها تقترب لـ20% فيما الامارات لا تتجاوز الـ10% وعمان ايضا بنفس النسب .. وللبلدين حدود مشتركة طويلة ولهما امتداد خليجي يعطيهما الشرفة على مياهه التي تسيطر عليها ايران والعراق بقوتهما الضاربة وبطول حدودهما التي تمتد حتى بحر العرب وعمان .
من هنا فان منطقة الخليج لا تستطيع ان تستمر بالمعادلة الحالية القائمة التي تتحكم بها مشيخات فاسدة وبعقليات قبلية متخلفة لا تقبل التغيير وترفض التحول نحو الحالة الديمقراطية المنتشرة في اغلب دول العالم وتقاوم بكل عنجهية وبداوة صحراوية عملية الاصلاح ومتشبثة بمكاسبها الموروثة الظالمة في التربع على السلطة واحتكار الحكم في نطاق االاسر الحاكمة التي استولت عليه عبر الغزوات والاعتداءات والتي حظيت في غفلة من الزمن بدعم الاستعمار البريطاني العجوز .
انظمة الخليج العربية بحاجة الى تغيير جذري فهي غدت اليوم مصدر الشر والارهاب والقلاقل وحتى الفتن في المنطقة تنطلق منها‘ فهي تحاول تصدير مشاكلها ومعايبها وكل مساوئها الى الخارج وتلفق الاكاذيب والدعايات المفبركة وتثير الفزاعات الخارجية من اجل ابقاء نظم التوريث الفاسدة والاستمرار في الحكم القبلي العشائري المتخلف ‘ كما ان بقاءها يشكل دوما عامل عدم الاستقرار في المنطقة واثارة الفتن والحروب وتصدير التطرف والارهاب خاصة وان اكبر تلك الانظمة المتمثلة في النظام السعودي يشكل الاكثر خطرا على امن واستقرار المنطقة لتميزها بالتطرف الديني وبتفقيسها للارهاب وتصديره الى كل العالم ‘ وكلنا يعلم ان اكثر العمليات الارهابية الكارثية التي حصلت في العالم كانت تقف خلفها الجماعات المرتبطة باالمدارس الدينية المتطرفة والتكفيرية في الجزيرة العربية ( السعودية)حتى ان عملية "غزوة" نيويورك في 11 سبتمبر 2001ـ كما يسميها الارهابيون الوهابيون والمرتبطين بالقاعدة ـ هي صناعة سعودية بامتياز وبتمويل امراءها وعلى رأسهم وزير الداخلية الحالي وهو من عتاة الوهابيين نايف ابن عبد العزيز مهندس اجتياح البحرين واحتلالها .
هنا ياتي العامل الاخر في التأثير على سير الاحداث في المنطقة والذي بدونه لا يمكن الوصول الى الاستقرار والامن ولا الى تحقيق تلك الاهداف المنشودة واقامة الانظمة الديمقراطية ‘ ونعني هنا الولايات المتحدة التي اثبتت الاحداث في تونس ومصر وحتى ليبيا على انها القوة المحركة والفاعلة والحاسمة في تحقيق تلك الاهداف ومن دونها تبقى المنطقة في دوامة الصراعات والتنافس على مناطق النفوذ كما وان استمرارها في الاعتماد على تلك الانظمة الديناصورية ليس فقط يعرض مصالحها للخطر وانما يبقى على حالة عدم الاستقرار والقلاقل وينهي وجودها مستقبلا فتكون غير مرغوبة ثانية من قبل الاكثرية التي تشكل ايران والعراق بشعبيهما ومواردهما النفطية وثرواتهما الاقتصادية الاكبر في المنطقة ‘ فلا يمكن لامريكا ان تستمر في التعامل مع الاوضاع في المنقطة على النمط السابق والقديم ولا يمكن ايضا في نفس الوقت ان تقبل شعوب الاغلبية في المنطقة والتي يشكلها البلدين ايران والعراق بالمعادلة القديمة واستمرار حالة التهميش لدور الاغلبية من تلك الشعوب رغم تواجدها الضارب جغرافيا وعدديا ونفطيا .
ان تغيير الاوضاع القائمة في منطقة الخليج نحو الديمقراطية وازاحة الديناصوريات المستبدة امر حضاري وضروري وفوري وتحقيقه يتوقف على ارادة الاطراف الثلاثة ايران والعراق وامريكا واقامة التحالف الثلاثي فيما بينها وفقا لمبادئ جديدة تاخذ بعين الاعتبار مصالح الجميع وخاصة مصالح الاغلبية الشيعية التي تمثلها ايران والعراق في منطقة الخليج ووفقا لاتفاقيات قد تتطلب ان يكون جزءا منها علنية واخرى سرية من اجل الامن والاستقرار ومن اجل اقامة تلك النظم الديمقراطية المنشودة ..
ان على امريكا التخلي عن تلك الانظمة الديناصورية فهي مهما حاولت الاعتماد عليها او حتى تقويتها فانها لا تستطيع الاستمرار لان بقاء تلك الانظمة غير مضمون خاصة مع التحولات الجارية ويقظة الشعوب وبروز معالم القوة الديمقراطية الجديدة التي بدات من العراق ولن تنتهي في البحرين كما ان امريكا بمشاركتها في تشكيل هذا التحالف الثلاثي ووضعها بعين الاعتبار ان ايران والعراق هما البلدان الاكثر قوة في المنطقة سوف يضمن بقاء مصالحها واستمرار تدفق النفط الى العالم من دون اي عرقلة يمكن التوقع بها خاصة وان البلدين يمتلكان كل عوامل القوة والسيطرة والامتداد على الارض وفي البحر ولهما تاريخ من الحضارة ‘ هذه الوصفة السحرية هي المطلوبة اليوم لتطبيقها والتخطيط لانجاحها كي يتم التخلص من الانظمة الديناصورية المستبدة ومن مخلفاتها الارهابية .
https://telegram.me/buratha