الدكتور مجيد الشرع/ استاذ جامعي
يعد المال في نظر المختصين عنصرا ترتكز عليه عدة امور حيوية تشكل في اطارها العام مسيرة الحياة بناءا وعملا وقد تطرق القرآن الكريم في اكثر من آية الى اهمية هذا المال يفهم من مدلولها ان هذا المال يشكل هدفا استراتيجيا لأنه يمثل طموح البشر لأهميته ولذلك تشرأب الاعناق اليه في رغبة شديدة ومن ذلك قوله تعالى:
" وتحبون المال حبا جما" الفجر 20
ومن ضمن ماورد في تفسير هذه الآية يعني تحبون جمع المال وتولعون به ولا تنفقونه في خير وقيل يحبون كثرة المال من فرط حرصهم فيجمعونه من غير وجهه ويصرفونه في غير وجهه ولا يتفكرون في العاقبة.
ومن خلال هذا التفسير يمكن الاستدلال على ان حب المال يقصد به السيطرة على مفردات الحياة التي تضللها الحاجة اليه لأنه مطلوب بذاته في اشباع حاجات يفقدها الناس ولذلك فأن الانقياد الى الحاجة تجعل طالبها قد يقف موقفا يفقد عزته وبالمقابل فأن صاحب المال الذي كان ضعيف الايمان اوبعيدا عنه يجد من هذه الضالة وسيلة لأشباع حب السيطرة.
ولعلنا في هذا المجال نتطرق الى ماورد في كتاب الغارات لمؤلفه ا بن هلال الثقفي عن المال حيث يقول ان الامام علي (ع) شكا الى الاشتر فرار الناس الى معاوية فقال له في كلام معبر ومن ضمن مفرداته انت تأخذ الناس بالعدل وتعمل فيه في الحق وتنصف الوضيع من الشريف اما صنائع معاوية عند اهل الغنى والشرف فتاهفت انفس الناس الى الدنيا وقل من الناس من ليس للدنيا مصاحب واكثرهم من يجتوي الحق ويستمرئ الباطل ويؤثر الدنيا ،فأن تبذل المال يا أمير المؤمنين تمل اليك اعناق الناس فكان رد امير المؤمنين (ع) بحكمة بالغة تترجم لنا ذلة المال وليس سيطرته في مجال احقاق الحق ودحر الباطل ومن خلال ماجاء في كلامه (ع) انه قال من كان له مال
فأياه والفساد فأن اعطاء المال في غير حقه تبذير واسرااف ، ولم يضع رجل ماله في غير حقه وعند غير اهله الا حرمه الله شكرهم وكان لغيره ودهم.
هذه المقاطع التي اوردناه في فهم الامام علي(ع) تترجم لنا واقع حقيقيا ملموسا في وضع المال في غير محله صادرة من امام حكيم تتجسد الموعظة الحسنة في ثنايا كلامه وقد بين مفردات دلالية على مصداقيةوضع المال سواء شاء المبطلون ام ابوا.
ومن جانب آخر نجد ان الفهم الحقيقي للمال قد سطرته كثير من الآيات القرآنية في مجال السيطرة والذلة فمثلا في موضوع يوسف عليه السلام انه صادفته في حياته المليئة بالعبرة وألموعظة جانب من سيرة المال فعندما وضعه اخوته في غيابت الجب ووجده بعض السيارة كما يروي القرآن الكريم ذلك حيث ذكر انهم باعوه بثمن بخس دراهم معدودة وكانو به من الزاهدين حيث تقول الآية:
" وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا به من الزاهدين" سورة يوسف آية 20.
تدلل هذه الاية في سياق موضوعنا ان المال فضل على يوسف لأن هؤلاء القوم بحاجة المال حتى ولوكان زهيدا ولم يقدرواالمثمن وهو يوسف (ع) ولكن يوسف الصديق وهو الذي اعده الله لأرشاد العباد علمه الله سبيل هدايته واذا بهذه الدراهم المعدودة ولدت لديه استنهاض الذات لطريق الخير وعلم ان كسب المال والسيطرة عليه لابد ان يأخذ منحى آخر وهو في خدمة البشرية لذلك عندما تربى في بيت من اشستراه وهو عزيز مصر ومن خلال السرد القرآني الرائع بعد ما مرت على يوسف(ع) تلك الوقائع المعروفة واخراجه من السجن وعاد الى مقام فرعون مصر اعطانا القرآن دليل آخر للسيطرة ترويه ألآية الكريمة:
" وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال انك اليوم لدينا مكين امين " سورة يوسف الآية 54""
فورد في الآية كلمة مكين اي صاحب سيطرة فاراد يوسف ان يترجم هذه السيطرة الى واقع فعلي وبألهام من الله ووجد ذلك في المال فقال(ع) اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم، لذلك فان يوسف ترجم لنا
مصداقية الحجة والدليل الثابت ان سيطرة المال هي التي تمهد لسيطرة السلطة ولكن مع اختلاف الطريقة فالصديق يوسف يأخذ من سيطرة المال لغرض الاحياء والتنمية الاجتماعية واحلال العدل بدل الظلم.
ومن حيث النظرة المحاسبية والمالية لسيطرة المال في ظل الانظمة الوضعية نجد ان ترجمة الاقوال قد تناقض ماورد في الشريعة الغراء من اهداف لأستغلال المال فمثلا يقول احد الكتاب في هذا المجال" من اكبر اسباب تلويث الاسواق المالية وانحراف مسارها عن الطريق الصحيح حيث وضع المال من اجل سيطرة فئة قليلة ذات نفوذ في توفير المال من اجل جني الارباح دون النظر لأضرار الغير ويضرب هذا الكاتب مثلا ان سماسرة القروض وسماسرة العقار يتعاونون لتضليل المقترضين لتحميلهم ديونا فوق طاقتهم الوفاء بها بأية معايير معقولة."
وأن سيطرة المال اخذت بعدا غير الذي تحدث به آ دم سميث من قبل حيث ان رجال الاعمال الذين ينظر اليهم بأنهم مالكوا الاموال لا يمثلون الا انفسهم ولا يدافعون الا عن مصالحهم، ولقد حفزت هذه الاستدلالات وخاصة بعد الازمة المالية العالمية سنة 2008-2009 ولا زالت اثارها مستمرة المفكرون الماليون على ضرورة وضع اسس فعلية لتلافي كبوة رؤوس الاموال وتوفير دوافع ذاتية تحكم تصرفات قيادات منشآت مالية للمحافظة على اموال مالكي الاسهم , وا لا تكون سيطرة المال والنظر الى تعظيم الربح عن طريق مغامرات غير محسوبة العواقب من قبل قيادات الشركات في استغلال اموال مالكي الاسهم وبعبارة اخرى ان هذه القيادات كألأجير يأخذ مال الغير ويتاجر به بحيث تكون الصورة ان حقق ربحا يأخذ نسبة وان حقق خسارة لايتحمل منها شيئا حتى ولو ذهب المال المسثمر كله، وبذلك تكون سيطرة المال سيطرة وقتية قد تنقلب الى عكس المطلوب كما اثبتت الازمة المالية الراهنة.
https://telegram.me/buratha