عادل الجبوري
تؤكد التقارير الصادرة عن جهات رسمية عراقية ان كميات زيت الطعام التي تم استيرادها قبل عامين والبالغة 55 الف طن تقدر قيمتها بخمسة وسبعين مليون دولار، أي ما يعادل تسعين مليار دينار عراقي، وتؤكد التقارير ايضا ان بدلات ايجار الحاويات الارصفة في الموانيء تقدر قيمتها سبعة مليارات دينار ، وهذا ماينبغي ان تدفعه الحكومة العراقية للتاجر المورد لصفقة الزيوت، بأعتبار انه لايتحمل التبعات والاستحقاقات المالية لبقائها في حاويات وارصفة الموانيء.ولايقتصر الحديث اليوم عن صفقة الزيت المنتهية صلاحيته او التي على وشك ان تنتهي، وانما ظهرت شحنات بالاف الاطنان من الشاي المخلوط بنشارة الخشب، والاف الاطنان من السكر التالف والبقوليات.ولان ملفات الفساد الكبرى التي راحت تفتح في هذه المرحلة تزامنت مع اوضاع سياسية فيها الكثير من التشنجات والاحتقانات، واوضاع امنية مفتوحة على احتمالات وخيارات سيئة يحددها ويوجهها ايقاع الحراك السياسي، فأن مسارات تحرك وتحريك ملفات الفساد يمكن ان تساهم في اعادة تشكيل جزء من الخارطة السياسية مثلما تساهم عوامل اخرى.ويردد نواب في البرلمان ومسؤولين في الحكومة ان صفقات الزيوت الفاسدة والشاي المخلوط بنشارة الخشب، والسكر والحليب التالفين هي غيض من فيض، وانها تمثل الجزء الصغير الظاهر من جبل الجليد وماخفي تحت السطح اعظم وادهى بكثير.وقبل ايام قلائل صرح مدير عام ديوان الرقابة المالية عبد الباسط تركي بأن هناك سبعة عشر مليار دولار فقدت في عهد الحاكم المدني الاميركي بول بريمر خلال الفترة ما بين شهر ايار-مايو 2003 و حزيران-يونيو 2004.ومع ان هذه المعلومة ليست جديدة في اطارها العام، ولكن ان تصدر من شخص يتولى مفصلا ماليا واقتصاديا ذات طابع رقابي فهذا يحتم التعامل مع الموضوع بطريقة مختلفة، تقود الى البحث في خلفيات ومتاهات ضياع اربعين مليار دولار من اموال العراق واختفائها دون ان يكون لها أي اثر في الحسابات الختامية لميزانيات العراق خلال الاعوام السبعة او الثمانية المنصرمة.ولعله من غير الممكن ومن الخطأ الانشغال بصفقات وزارة التجارة ذات السبعين او المائة مليون دولار وترك موضوع الاربعين مليار دولار، اذ ان كشف حقيقة الاخير يقود الى الكشف عن حقيقة الاول ولكن العكس غير صحيح!.السؤال الكبير هنا هو اين اختفت تلك الاموال الطائلة التي كان من الممكن ان تغير واقع العراق الاقتصادي والحياتي بصورة جذرية، او مثلما عضو في البرلمان انه "في حال ثبوت ضياع هذا المبلغ الضخم فإنها تعد كارثة بكل المقاييس، كونها تكشف فشل المؤسسات الحكومية العراقية في ادارة الاموال وآليات توزيعها واجراء حسابات دقيقة حول الموارد المالية من الدخل القومي والناتج القومي وغيرها"؟.وهذا السؤال فرض نفسه بقوة بعد ان اعلن رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي منتصف الشهر الماضي عن تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في اختفاء هذا المبلغ بالتعاون مع صندوق التنمية العراقي وديوان الرقابة المالية ووزارة المالية.وبأعتبارها جهة معنية -على الصعيد الرقابي والاشرافي تشير هيئة النزاهة الى ان اربعة ملفات ضخمة للفساد الإداري تتحمل سلطة الحاكم المدني بول بريمر تبعاتها، الأول يتعلق بضخ أموال هائلة تزيد على ثمانية عشر مليار مليار دولار إلى خارج البلاد، والثاني صندوق تنمية العراق الذي تسبب سوء استخدامه بضياع عشرين مليار دولار، والثالث يتعلق بكميات النفط والأموال التي استولت عليها القوات الأميركية بعد سقوط النظام، وقد تم وضعها تحت اشراف وادارة مباشرة من قبل بول بريمر، أما الملف الرابع فيتعلق بصندوق إعمار العراق في السفارة الأميركية وأموال المنح التي تصل قيمتها الى ثمانية عشر مليار دولار والتي اهدر منها اكثر من خمسين بالمائة.
يتهم عبد الباسط تركي الحاكم المدني السابق بريمر بالتسبب بهدر وضياع اموال عراقية طائلة، اذ يقول " ان بريمر عمد الى تعطيل ديوان الرقابة المالية كي يوفر الغطاء لتدمير مؤسسات الدولة وقواعد العمل فيها، وعن اسباب الفساد الاداري والمالي في البلاد يؤكد تركي "ان بريمر استولى على الاموال العراقية المخصصة لاعادة الاعمار والبناء وعمل على صرفها من دون استراتيجية واضحة، الامر الذي شجع على استشراء الفساد بين العراقيين والاجانب المتعاقدين مع الجيش الاميركي. في ذات الوقت تؤكد شركة المحاسبة الدولية (K.B.M.G) التي تولت مسؤولية التدقيق في حسابات صندوق التنمية العراقي أن المسؤولين الأميركيين الذين أداروا بعد الاطاحة بنظام صدام لفي عامو 2003 تحايلوا في التعامل مع نحو 20 مليار دولار أنفقت خلال فترة الاحتلال، وان كثيراً من العقود التي أبرمت من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة برئاسة بول بريمر لم يطلع عليها مجلس الحكم السابق.ومما يعزز ماذهبت اليه الشركة المذكورة من ان ادارة بريمر اصدرت عدة قرارات تتيح تسهيلات كبيرة للشركات المتعددة الجنسية، أهمها القرار رقم 37 الذي خفض نسبة الضرائب من 40 إلى 15%، والقرار رقم 39 الذي سمح للشركات الأجنبية بتملك 100% من الأصول العراقية، ماعدا قطاع الموارد الطبيعية، كما سمح للمستثمرين بنقل كامل الأرباح إلى خارج العراق من دون أن يعيدوا استثمار أرباحهم التي لن تفرض ضرائب عليها.ويبدو ان ملفات فساد عديدة اقترنت بتلك المرحلة وكان مسؤولين كبار ورائها مثل وزير الدفاع الاسبق حازم الشعلان المتهم بأختلاس وهدر مليار دولار تحت غطاء صفقة شراء اسلحة من صربيا في عام 2004، مشعان الجبوري الذي كان متعاقدا على تجهيز قوات الصحوات في محافظتي كركوك والموصل بالمواد الغذائية، واختلس من خلال ذلك عشرات الملايين من الدولارات ليهرب بعدها خارج العراق، وهكذا هناك العشرات -ان لم يكن المئات-من ملفات الفساد التي يحرص بعض من بأيديهم زمام الامور ابقائها مغلقة وبعيدة عن دائرة البحث والتقصي.واذا كانت فترة بريمر قد شهدت تفشي معدلات الفساد على الصعيد النوعي والكمي، فأن نهاية مرحلته لم تعني وضع حاد للفساد، واكبر دليل على ذلك الاف الاطنان من الزيت والرز والسكر والحليب والشاي الفاسدة والمنتهية الصلاحية، ناهيك عن ارقام اخرى تكشف عمق الازمة العراقية.واذا كان الاحتلال يتحمل جزءا كبير من المسؤولية، فأن اختراق مؤسسات الدولة من قبل جماعات وعناصر حزب البعث المنحل وتنظيم القاعدة، والمحاصصة السياسية، وانعدام الثقة بين الشركاء-او الفرقاء السياسيين، وانتشار ظاهرة المحسوبية والمنسوبية، كلها عوامل زادت وتزيد -مادامت قائمة-من مساحات الفساد، وتقلص الفرص والامكانيات لمعالجته واحتوائه.
https://telegram.me/buratha